رسالة مطوّلة إلى:
مؤتمر القمة العربية في دوحة قطر الفتية
قادة الأمة العربية: أوقفوا العبث بأزمتي فلسطين ولبنان!
27
مارس 2009
أزمتان مُزمنتان تشكلان الهمّ الأكبر لقادة الدول العربية في جميع
مؤتمرات القمة التي يعقدونها دورياً..
إن
الأزمة السياسية التي يتخبّط بها لبنان منذ أكثر من ثلث قرن والتي ذرّ
قرنها مؤخراً إثر اغتيال رئيس وزرائه المغفور له رفيق الحريري وطرد قوات
النظام السوري من لبنان واستمرت نحواً من أربع سنوات أرعبت شعب لبنان
وذهب ضحيتها خيرة قياداتها السياسية والاعلامية وتفاقمت إثر حرب "لو كنت
أعلم" التي شنتها إسرائيل على الجنوب اللبناني فدمّرته وهجّرت أهله كما
ضربت البنى التحتية لكافة أرجاء الوطن الصغير الأمر الذي كلّف الاقتصاد
اللبناني ما كلف ولولا يد العون العربي لكان انهار تماماً..
كل ذلك استُتْبِعَ بأنواعٍ من العبث السياسي الذي مارسه بعض المتطلعين
إلى مواقع سياسية أو إلى تغيير نوع النظام اللبناني برمته، في استغلال
غير مُبرَّر لنتائجَ غير مضمونة لاستراتيجية المحور الشعوبي الذي يقوده
النظام الايراني ويشجعه النظام السوري ولكلٍّ منهما غاياته وأهدافه، دون
التبّصُر بعواقب الأمور وما قد تجرّه على المنطقة العربية بأسرها من
متاعب عرقلت وتعرقل مبادرة السلام التي طرحها خادم الحرمين الشريفين
الملك عبد الله بن عبد العزيز عاهل المملكة العربية السعودية وصار
توثيقها في مؤتمر بيروت والتي هدفت أساساً أنهاء الصراع العربي
الإسرائيلي.. هذه الأزمة أمست إحدى كبريات الهموم العربية بعد معضلة
فلسطين وتستتبعها بالطبع أزمات التفتيت والتشتيت في السودان والعراق..
الأزمة
الفلسطينية،
بدا واضحاً الخلل الذي أصابَ الوحدة الوطنية للشعب الفلسطيني جرّاء العبث
بعواطف قياداتٍ فيه مقاومة، وأيضاً على يدي النظام السوري يشجعه النظام
الايراني، وأدى بالتالي إلى حرب غزة التي هدفت إسرائيل من خلالها تحجيم
دور المقاومة الفلسطينية "حماس" فكانت نتائجها كارثية على شعب غزة بالذات
وإلى عودة التصلّب الاسرائيلي، وهو لم ينتفي أصلاً، تجاه المبادرة
السلامية العربية..
ومن هنا، نرى أن الأزمة الفلسطينية الداخلية لن تجد الحل النهائي ما لم
تعود الوحدة الحقيقية إلى هذا الشعب، دون التطلّع إلى المصالح الشخصية أو
التسلّح باستراتيجيات الأغراب، أنّمن كانوا، فيصبح بإمكانه موحداً
وانسجاماً مع المبادرة العربية إعطاء الثقة لمبادرة الرئيس الأمريكي
الجديد، أن يستعيد قوته بل يفرضها على الجميع من أجل استكمال تأسيس دولته
المستقلة..
فاصلة،،،
ليس مقبولاً إضاعة وقت رؤساء دول عربية في محاولات رأب الصدع الفلسطيني
وكأن لا عمل لديهم سوى إجراء مصالحات بين هذا الفريق وذاك فيما هؤلاء لا
همَّ عندهم سوى خلق الخلافات فيما بينهم وطلب مساعدة الغير لفضها.. هلاّ
اكتفى هؤلاء متاجرة بعواطف الشعوب العربية وتأخير تطورها واقتناص
مواردها، فكما أنّ للفلسطيني حقٌ على أهله ومحبيه من الشعوب العربية كذلك
لهذه الشعوب حقٌ عليهم بقبول نصائحهم... أليست هذه شريعة العشائر العربية
منذ الجاهليةوإلى اليوم؟
إن
على الشعوب العربية واجب شكران مساعي مصر وقياداتها وليس التنكر لها كما
صار التنكر لمساعي عاهل المملكة المملكة العربية السعودية وغيرهما لما
بذلتاه من أجل وقف الحرب على غزة وقبلها محاولة لمّ الشمل في مكة
المكرمة..
هذه
الأزمة، بعد حرب غزة وما افتُضِحَ من أمر الداعين إليها والعبث القاتل
الذي رافقها أضحت الهم الأول بامتياز لجميع الدول العربية، التي طالتها
ألسنة البغاء السياسي لبعض عناصر المحور الشعوبي وحلفائه، وما أظهروه من
قرصنة لعواطف الشعوب العربية والاسلامية البائسة بحكمهم لكنها في آن شكلت
نقلة نوعية في خلخلة ثقة هذه الشعوب بهم سيما وأنَّ أحدٌ منهم لم يحرك
ساكناً لدرء الأخطار العسكرية عن أبناء غزّة بل على العكس من ذلك قدموا
لهم بيانات الاحتجاج عن ارتكابات إسرائيل والمطالبة بإلغاء المبادرة
العربية وكأنَّ مقدميها [ الدول العربي ] هم مَن أخلوا ببنودها وكأنّ
أبناء غزّة على جهلٍ مطبق بها! وبعد،،، ألا
يجوز الاستنتاج أن ما أدى إلى حرب غزة هو أساساً من أجل إالغاء المبادرة
العربية المذكورة والعودة إلى أولى حلقات الصراع؟
هنا
يتحتّم توجيه السؤال التالي: ألا يرى
المطالبون بإلغاء المبادرة العربية واستثمار الاستراتيجيات الغريبة انهم
إنّما يوفرون الفرص الذهبية لإسرائيل للمضي قُدماً بمخطط تهويد الأرض
الفلسطينية بما فيها القدس التي يتنافس أصحاب المنابر القومية والاسلامية
ومؤتمرات الأحزاب العربية باستصراخ القمم العربية لانقاذها؟
سؤال
استطرادي: هل في إلهاء الأمة العربية ومعها
الأمة الإسلامية في مباريات الدفاع عن حماس غزة وحزب لبنان الإلهي وتوجيه
خطابات وتصاريح التأييد وفتح باب المزايدات الاتهامية لدولٍ سفكت شعوبُها
دماءً ذكية وأخرى اقتطعت من موارد أبنائها من أجل مُجمَل فلسطين وليس غزة
فقط؛ هل في مثل هذه الوسائل يعود الحق الفلسطيني إلى أصحابه وتُنْشأ
الدولة الفلسطينية؟
سؤال استطرادي آخر: هل يتحتم على كل دولة
عربية، منفردة، الاستنجاد بدول العالم من أجل وقف تعديات دول عربية شقيقة
على شعبها ونظامها وأرضها وفرض ضمها بالقوة المسلحة أو الهيمنة السياسية
والأمنية كما حصل في لبنان والكويت، وهل تستقيم الأمور وتعود فلسطين إذا
ما زال لبنان أو الكويت من الوجود،
ونضيف: ألم نرى كيف أن حرب لبنان وحرب غزة،
على الرغم من مقولات انتصار المقاومة الاسلامية في كلتا الحالتين، ولن
نسمّيهما حربين، أفلحتا فقط في المزيد من التعنث الاسرائيلي والاشمئزاز
العالمي لنتائجهما وللاستغراب الكامل لسقوط تلك المقاومة في فخاخٍ
نُصِبَت لها بدهاء من قبل محور الأغراب المتجانس مع استراتيجية إسرائيل؟
إذا لم نرى ذلك فلا بد أن هناك خطءٌ
ما مقصود أو جاهل لا يميّز بين الحق القومي والحق الانساني!
الأزمة
اللبنانية،
أما وضع الأزمة اللبنانية الذي يختلف نوعياً عن الأزمة الفلسطينية فهو
معرّض للاستمرار في التقوقع ضمن مبادئ متشنجة لاطرافه الكُثُر الذين فقد
بعضهم، إلى الآن، بوصلة الوطنية الحقيقية التزاماً غريباً، لا يبرره شعب
لبنان، باستراتيجية ايران العقيدية الشعوبية واستراتيجية النظام السوري
الذي بات الآن مهدداً في عقر داره بنتائج ما جنت يديه من موبقات في
لبنان..
من هنا نرى الأزمة اللبنانية مهددة مجدداً بانفجارٍ عامٍ لن تُحمَد عقباه
إذا ما ثابر هذا البعض على مزاولة ما درج عليه من تصلّب في المواقف التي
ظهرت سابقاً وتظهر مؤخراً إبان الحملة الإنتخابية واستعداد الجميع
للمعركة الفصل التي مهما أوتوا من حصافة وفطنة لتبريد وتهدئة اجواء تزداد
تتشنجاً متطرداً جرّاء خطاباتهم الانتخابية البعيدة كل البعد عن الأسس
الديمقراطية لما تقترن به من توجهات مذهبية وطائفية تمنع عليهم القبول
بالنتائج وإصرار هذا البعض على رفض كافة الطروحات الوطنية المطالبة
باستعادة ديمقراطية القبول بتلك النتائج..
هذا ما يجعل الشعب اللبناني في حالة إحباط لا مثيل له إذ يرى أن كل ما
يريده من الانتخابات هو أيصال نخبةً يثق بها لكنه ليس واثقاً بقدرتها على
حمل هذه الثقة سيما وأنه يرى بأم العين أن الجميع فقد قدرة الابداع
السياسي وحجر ذاته ضمن منهجٍ أرادوه له بات غير مؤهل للفكاك منه..
جُلَّ ما انبثق عن إحباط هذا الشعب هو ظهورٌ خجول لبعض الطروحات التي
تنادي بالابتعاد عن كافة المحاور والاتجاه إلى تبني ما كنّا طرحناه منذ
سنوات بعيدة لاعتماد نظام الحياد الايجابي..
لإخراج لبنان من أزمته نهائياً يتطلّب تدخلاً فعلياً من قبل مؤتمر
القمة العربية ليس باتجاه اللبنانيين بل باتجاه مَن يغذّي فرقتهم..
فاللبنانيون مشهورون، أو باتوا مشهورين لافرق، بحبهم لوطنهم واستقلال
كيانه كي يبقى موئلاً فريداً لأبوبتهم، مجتمعيّاً محلياً أو بعداً
إغترابياً، وجموحهم إلى استعمال كل وسيلة لبقاء ديمقراطيته الفريدة
نظاماً ودستوراً لهم وما استبسالهم في الدفاع عنه لمدة تجاوزت إلى اليوم
الثلث قرن أهدروا خلاله دماء عشرات ألاف الضحايا ولا فرق هنا بمرجعية
أيٍّ منهم الوطنية أو الدينية.. لكنهم في الآونة الأخيرة وبعد دخول
الشعوبية الأممية العقيدية إلى عقول بعض أبنائه اختلف الوضع تماماً وبات
من المتعذّر الفصل بين الوطنية الحقيقية والوطنية المُراد وصفهم بها..
علينا
أن ننوه هنا أن ليس هناك من لبناني واحد قبل بدء الحرب اللبنانية كان
يفكر بطائفته تفكيراً حقيقياً إلى أن بدأ النظام السوري بتفجير اسباب
الطائفية البغيضة في القلوب ما استدعى انفكاك العرى الوثقى بين أبناء
الوطن الواحد والاعتكاف إلى طائفته خوفاً أو تخوفاً مما زرعه تدخل النظام
السوري وتشجيع بعض مسلميه للعمل الفلسطيني المسلّح على أرضه.. ليعذرنا
قادة الأمة العربية لمراجعة فتح جراحٍ حاولنا طويلاً تضميدها ويأبى دعاة
الشعوبية إلاّ نكئها ما يدفعنا دفعاً إلى استعمال مرادفاتها البائدة..
أما اليوم وعلى الرغم من جميع مظاهر التطيّف، لم يعد هناك من يشجع
الاعتكاف إلى الطائفية خوفاً أو تخوفاً إذ باتت الطوائف كلها، مسلمين
ومسيحيين، وثيقة العرى ومتينتها بعد أن تساوى الجميع في تلقي الأذية
جرّاء ذات التدخل الغريب في شأنهم الداخلي كما ان والسيبة اللبنانية التي
بني عليها الوطن اللبناني استعادت قوائمها الأصلية ولم يعد هناك سوى بعض
المذهبيين الذين ما زالت أنفسهم تراودهم الاستيلاء على الوطن الصغير
بركوب جياد الأغراب الهجينة وبعض المتمذهبين ومدعي الإثْرة وممتطي أحذية
الهَوَس السياسي المدمّر للديمقراطية الدستورية .. وهؤلاء فاقَ شرُ
خيلائهم خير الوطن ولا زالوا في غيِّهم سادرين ولأتباعهم الصُغَّر إلى
الصغائر مُوجّهين..
إذن، إن الأزمة اللبنانية مرشّحة للإنفجار ما لم يتدارك القادة العرب
الأمر ويحجروا على الفتنة المقبلة بعيد الانتخابات النيابية، إن لن
قبيلها، نرى الواقعة واقعة لا محالة لما نسمعه من تصاريح الرفض، محلياً،
لنتائج هذه الانتخابات أنى كانت نتائجها وما يستتبعها من تصاريح الرفض
والتدخل السافر لرؤوس الأنظمة الغريبة التي ما فتئت تغذي أولئك المذهبيين
والمتمذبين وتفرض شروطها الوقحة على ما يجب أن تكون عليه النتائج وهذا ما
يلقي الرعب في قلوب المواطنين..
إننا
نطالب القمة العربية أن تأخذ بالاعتبار جميع ما أدرجناه أعلاه وتبادر
فوراً إلى انتداب فريق من المتخصصين للإشراف الكامل على الانتخابات
اللبنانية وفرض تقبّل نتائجها قبل أن يستفحل الأمر ويفلت ملق التجييش
النفسي والمعنوي اللذين عُبأ بهما الشعب اللبناني حيث لن يعد بإمكان أحد
منع الانفلات الأمني الكبير بعد أن بدأت مظاهره بالتنامي والتكاثر
يومياً..
ثقوا أيها السادة، قادة الأمة العربية، إن الشعب اللبناني لن يقف مكتوب
الأيدي أمام الهجمة المنتظرة لقوى الشر والخديعة على وطنهم وكما انتفض في
ثورة الأرز إثر اغتيال رئيس حكومته سينتفض بأشدّ قوة أمام محاولة اغتيال
دستور وطنه..
إننا
ندعو القمة العربية مجدداًَ إلى:
1)
تبنّي إنشاء مجلس أمن عربي تكون أولى
قراراته أن يأخذ على عاتقه إنشاء قوات حفظ سلام عربية تنتشر على طول
الحدود اللبنانية مع سوريا.. وتعالج جميع الأزمات بين الدول العربية،
2)
تبني إنشاء محكمة عدل دولية عربية تأخذ
على عاتقها محاكمة جميع الارهابيين والاغتياليين في أي دولة من دول من
العرب، لا سيما أولئك الذين تحتجزهم دول الغرب في سجونها كيما تتسنى لهم
الحفاظ على حقوقهم الشريعية ورفض محاكمة أي منهم في محاكم دولية أخرى دون
مشاركة قضاة من دولهم العربية..
3)
إعلان توليها مراقبة وحماية الانتخابات النيابية اللبنانية الدستورية..
4)
مساعدة رئيس الجمهورية اللبنانية على استكمال تشكيل
حكومة إئتلاف وطني تقوم على أساس
برنامج وطني شامل يعتمد خطابه الرئاسي والمسلمات الوطنية..
5)
وقف تدخل النظامين السوري والايراني في الشأن اللبناني وتحت أي مسمى وحصر
هذه العلاقة بمؤسسات الدولة..
6)
وقف تأييد النظامين السوري والايراني لحزب الله ووقف تزويده بالسلاح
والعتاد وحصره في يد الجيش اللبناني..
7)
وقف تأييد المنظمات الفلسطينية وإلغاء وجودها على الأرض اللبنانية..
ما
لم يُصار إلى وقف النظامين السوري والايراني عن التدخل في الشأنين
الفلسطيني واللبناني لن ترتاح المنطقة الشرقأوسطية بأكملها، ولن يستقيم
للديمقراطية قرار.. إنها مهمة الدول العربية مجتمعة المباشرة في هذا
التغيير وعلى دول العالم المتحضر كله دعمهم..
لن
نطالب برفع الكثير من المعوقات التي تفرضها الانظمة العربية لإرساء
الديمقراطية فهذه باتت تدريجياً على زوال.. فهل يستجيب قادة الأمة
العربية التي تبدو وكأنَّ الشمس لا تغيب عن مغتربيها!
صانك الله لبنان
عتيق لبناني
التيّار السيادي اللبناني في العالم / نيوزيلندا |