للمصالحات
حسناتٌ دينية وسيئات وطنية
29سبتمر 2008
المصالخات في "الجناح" المسلم،
الخلافات التي اتخذت أوجُهَ خلافٍ مذهبي، ظهر جلياً حيناً ومُبْطناً
حيناً آخر، وغذته التدخلات الغريبة التي دعمت أصحاب هذا المذهب أو ذاك
مما أوقع الجميع في حمأةِ التعصّب الديني فالتكتّل السياسي وأمست نوعاً
من تنازع البقاء لكلّ مذهب.. ولولا تدارك ذوي النيات الحسنة، لكانت هددت
بحربٍ أخوية تظهّرت بداياتها في الاستيلاء على جزء كبير من العاصمة..
منذ بداية شهر رمضان الكريم وبدفْعٍ واضح من قياداتها الروحية، نشطت
قيادات الفئات السياسية المسلمة، على تعدد وتنوع مذاهبها، في إجراء
المصالحات بينها.. إنه فعلٌ أيماني يؤكدُ عمقَ الانتماء الديني لدى جميع
هذه الفئات ويُعيدهم إلى حظيرة الدين الحنيف التي خلخلتها الأحداث في
وجهيها المحلي والعالمي.. والأمل كبير في ثبات نتائج هذه المصالحات التي
يجب أن ترتد بالخير على الوطن وجميع فئات شعبه..
حسنات المصالحات التي تمّت إلى اليوم وتلك المُزْمع عقدها، تبرهن أن لا
عوائق حقيقية تمنع هذه القيادات عن التلاقي على حلّ الخلافات ووقف
الاشكالات، المسمات فردية، التي أفرزها التباين السياسي بينها الذي ذهب
ضحيته العديد من الأبرياء..
التفاؤل يبقى، أن تكون هذه المصالحات نقاط انطلاقٍ حقيقية نحو حل كافة
أشكال التباين في الرؤى السياسية التي تباعد بين الأفرقاء فيتحوّل الجميع
إلى تثبيت حق الوطن في الحياة.. بهذا تكتمل حسنات هذا الشهر الفضيل.. وكل
عام وأنتم بخير..
المصالحات في الجناح المسيحي،
المصالحات في الجانب المسيحي تختلف نوعياً.. فالقيادات المسيحية ليست على
خلافٍ مذهبي ظاهر أو مُبطن بينها.. البعض منهم فقط يريد، ليس استبعاد بل،
إلغاء دور القيادات الروحية وفي آن، وعندما يُحجر عليه جرّاء تتطاولاته،
يعود إلى الاستنجاد بها..
فالخلافات إذاً، لا يعدو كونها خلافاً في الرؤية السياسية فقط لذلك، لا
نرى فائدة ترجى من محاولات الرابطة المارونية إجراء مثل هذه المصالحات..
السبب في ذلك، إن تحرّك الرابطة يحظى ويتم تحت رعاية القيادة الروحية
التي لا يستنكف هذا بعض القادة عن إعلان رفضه نصحها بما لا يوافق هواه
السياسي.. والثابت أن نصح القيادة الروحية هذا متأتٍ من قناعتها
بسلوكيتها التاريخية ومصداقيتها في الحفاظ على الوطن موئلاً لجميع
أبنائه، مسيحيين ومسلمين وباعترافهم..
وعليه، نرى أن سعي الرابطة المارونية لن يصل إلى الهدف المنشود ما لم
يتراجع ذاك البعض عن تطاولاته على قيادته الروحية ويعلن قبول نصحها؛ وهذا
لم يعد ممكناً وربما أمسى مستحيلاً، بعد أن تبددت كافة صِلاته مع هذه
القيادات وثَبُتَ أنه بات على قناعة نهائية برؤيته السياسية المعتمِدة
معاداتها كلياً.. إضافةً إلى هذا فإن عودة هذا البعض إلى حظيرة الكنيسة
يهددها تخلي مناصري رؤيته، بكل مَن اشتملت أو احتضنت من تكتلات وحلفاء،
ذوي النيات السيئة، ومِن أصحاب غايات في ضرب الوحدة المسيحية استدراجاً
للتسلّط عليهم من خلال هذا البعض..
ولهذا، نرى أن أية مصالحة مع ذاك البعض تصبح غير مجدية طالما ستصبح
دعماً لمواقفه ضدّ قياداته الروحية، بل على العكس تماماً ستصبح مؤذية
وتتيح فرصَ إضافية لهذا البعض للتمادي بتطاولاته إظهاراً لبطولاته..
نحن نرى إمكانية استدراك أحد الأطراف المسيحيين لمواقفه، من القيادات
الروحية، سوف يجد الأحضان الدافئة لضمه مع ما له من عنفوان إلى أي حيث
يجب أن يكون أي صدر الكنيسة.. وهنا لن يتبقى للضائع الأكبر أية فرصة
للتراجع وسوف يستعمل نظريته العسكرية التي تربى عليها أي أفضل وسيلة
للدفاع هي الهجوم..
هكذا نجد أن المصالحات لدى الجناح المسيحي لا غاية لها، من حيث المبدأ
سوى مصالحة واحدة ويتيمة تبدأ بمصالحة مع الذات تنتهي بمصالحة مع القيادة
الروحية والاعتذار منها والرضوخ لنصحها وتبني ثوابتها.. بهذا لن يعود من
موجب لأية مصالحة مع باقي أفرقاء الجناح المسيحي إذ أن الجميع كانوا ولا
زالوا سبّاقين في التظلل برعاية قياداتهم الروحية..
أما سيئات المصالحات وتأثيرها في الانتخابات النيابية، فيمكن اختصارها
على الوجه التالي
في الجناح المسلم، لن يكن هناك كبير تأثير لهذه المصالحات في الرؤى
السياسية لأيٍّ من الأفرقاء السياسيين.. كلُّ فريق يستأثر بمن ناصروه في
الماضي ولن يتخلوا عنه في المستقبل، أي في الانتخابات النيابية المقبلة..
لعل الاختراق الوحيد سيكون جرّاء انتفاض الفئة التي حُرِمت حقوقَها في
التمثيل النيابي، في الانتخابات الماضية، نتيجة تدخلاتٍ كبرى مخابراتية
ضاغطة أو مسلحة فارضة.. وكذلك تحوّل بعض الحلفاء النفعيين الحاليين
باتجاه الوطن نتيجة خسارتهم السابقة أو تمنياً بربحٍ مستقبلي يحفظ ماء
الوجه أمام مناصريهم ومحازبيهم..
لهذا نرى أن الوجه الآخر لهذه المصالحات، وإن بدا للبعض تناظراً سقيماً،
إلاّ أن سيئاته سوف تصيب الفريق المتصلًب وذا الصَلف غير المحدود في
الصميم وتحجّم من توقعاته الانتخابية.. كما ستؤثر جيداً في تماهي الفريق
المتفاهم في عنترياته وتزيد من تهديداته العلنية والمبطنة.. وهنا يأتي
دور الفريق الرئيس، في الجناح المسلم، الداعي إلى "لبنان أولاً" أن يثبت
صلابة أيمانه في هذا الشعار ويستقطب متفلتات الفريق الآخر..
أما في الجناح المسيحي، وبعد أن تبيّن لنا أن لا مصالحات متوافرة تعيد
الضائعين إلى الحظيرة، لم يعد هناك من داعٍ بين طرفي نقيض السياسة.. ومن
الواضح تماماً أن الحقد الأعمى لكل ما هو خارج نطاق أبداعات أولئك
الضائعين بات كسلاسل حديدية استعملت زمناً في وادي قزحيا..
لذا، من البديهي أن الفريق القابع سعيداً في حظيرة القيادات الروحية
للمسيحيين، سيتابع سيره ويسعى إلى استقطاب كل من تخلّف عن الرَكب الوطني،
بخاصة أصحاب الإرث الأبعد جذوراً في تاريخ النضال المسيحي، وإذا ما تحقق
هذا الأمر فإن مَن تبقى لن يجدوا سوى خفي حنين المعتقل في فيافي الحليف
الأكبر وسوف لن يلقى مِن مَن يدعي الدفاع عنهم سوى النكران سيما وأنه
أذاقة من أطراف لسانه ما لم يستطيعوا التذوّق.. فيلقوا به في الظلمة
البرانية حيث صريف الأسنان..
أما المستقلون، في الجناح المسيحي والمسلم على حدٍ سواء، فعليهم ائتمان
مَن يجدوه أهلاً لتمثيلهم وتحقيق قيام دولتهم ووقف الحروب واستدراها إلى
قراهم واقتصادهم ومستقبل أولادهم.. بهذا يؤدون دورهم للعلى.. وهذا أضعف
الأيمان..
إن الوقت إن لم تقتله قتلك..
صانك الله لبنان |