اقرأ المزيد...

لاحظ س. حداد

التيار السيادي اللبناني في العالم / نيوزيلندا

التغيير والإصلاح لا يتم بواسطة فرمانات!

( ثلاث أجزاء )

5أغسطس 2008  

بعد كل اجتماع لتكتله، يتحفنا الجنرال بنظريات إصلاحية يريد اعتمادها وصولاً إلى التغيير المنشود،

ويصدر ما يشبه الفرمانات الهمايونية التي يتراكضُ أتباع السلطان العثماني أو الفوهرر الألماني،

إلى التقيّد بها وتنفيذها استنساباً ومرحلياً!

أولى هذه النظريات كانت : نظرته إلى الديمقراطية وفهم معانيها،

ثاني هذه النظريات كانت : نظرته إلى المقاومة وسلاحها،

الثـالثة والأخيـرة كانت : نظرته إلى المعتقلين في السجون السورية... 

في هذا الجزء الثالث نتناول مطالعة الجنرال المعلم ميشال عون حول والمعتقلين اللبنانيين في سوريا...  

من المفارقات الإصلاحية التي يتبناها الجنرال أن يتحول مدافعاً شرساً عن المفقودين السوريين في لبنان وأن لا يطرف له جفن عين أمام دموع أهالي المخطوفين والمعتقلين في السجون السورية، وبينهم عدد لا يستهان به من الجنود الذين حاربوا الجيش السوري تحت رايته في حرب التحرير وحرب الإلغاء وحزب الاستيلاء على قصر الرئاسة الذي أسماه يوماً بيت الشعب..

نريد أن نذكر الجنرال ان الكثير من اللبنانيين الذين اختطفتهم القوات السورية في لبنان اجتازوا، في طريق اعتقالهم، ثلاث مراحل بدائية.. تبدأ أولاً في إلقاء المختطف في دهاليز مواقع استخباراتهم، الموزعة في كافة المناطق اللبنانية، حيث يُصار إلى التحقيق البدائي معه، ثم يرحّل إلى معتقل عنجر حيث كان يلاقي من العذاب ألوان ومن بعد يتم ترحيله إلى السجون السورية المعروفة وغير المعروفة مثل المزة الشهير أو صيدنايا أو غيره من سجون المدن الكبرى في شمال سوريا..

هنا تبدأ المرحلة الثانية حيث كان المختطف، الذي أصبح الآن معتقلاً، يتعرّض لشتى أنواع التعذيب والإذلال، وأحياناً دون توجيه تهمةٍ ما أو محاكمة.. من نتائج التعذيب، وعلى أيدي محققين مزاجيين، يستدرج المعتقل إلى إلباس نفسه تهمةً لا يعرف كنهها تماماً.. وما عرفاناه عن أنواع التعذيب أساليب يندى جبين الانسانية خجلاً منها.. 

خلال هذه المرحلة تبدأ دورة الابتزاز السرية لذوي المختطفين.. وتبدأ من أصغر جندي أو مأمور في السجن لتصل إلى أرفع العسكريين رتباً.. فحالما يبشار ذوو المعتقلين بالسؤال عن أولادهم تبدأ عملية الابتزاز دورتها معهم، فهم لن يمانعوا قط في دفع أية مبالغ لقاء معلومة صغيرة تفيدهم بوجود أولادهم، حتى وإن كانت أحياناً كثيرة كاذبة.. كم وكم من السجناء والمعتقلين الذين علموا ذووهم بوجودهم بعد إنكارِهِ من قبل السلطات السورية اضطرت هذه السلطات إلى وضعهم في سجونٍ سيارَة ومتنقلة في المناطق السورية!

كم وكم من الأهالي وعدوا بتسليمهم أولادهم بعد دفع فديةٍ ما ولم يتحقق الوعد.. وكم وكم من الأهالي دفعوا ألاف الدولارات دون ن يتمكنوا من رؤية أولادهم.. لكن لا ننسى أن العديد منهم أفلحوا في استرجاع أولادهم إلى أحضانهم بوساطة بعض النافذين في سوريا وبواسطة نافذين في لبنان، سياسيين وغير سياسيين.. والأمثلة على ذلك كثيرة ومتعددة يرويها ذوو المعتقلين بعد عودتهم إلى وطنهم.. وعلينا أن نذكر هنا ان معظم الذين كُتِبَ لهم النجاة من المعتقلات السورية ( السجون )، حتى مع الوساطات، كان عليهم إمّا أن يوقعوا بيانات الكتمان وإمّا أن يقبلوا تجنيدهم لأمرة المخابرات السورية..  

أما المرحلة الثالثة فهي تُخصر ببند واحد لا غير..   

جميع المعتقلين الذين لا يسأل عنهم ذويهم ولا يطالب بهم أحد أي الذين لا إمكانية لابتزازهم وقد طالت مدة إقامتهم ولا مجال للإستفادة منهم، أو قد اكتظ المكان بهم، أو حتى الذين سبقَ أن أُنْكِرَ وجودهم، فإنهم يُساقون جماعات إلى سجن تدمر الصحراوي حيث يعانون حر الصحراء وبردها ويعاملون معاملة الأرقاء فيُستخدموا في أعمال شاقة تنهي حياتهم الشقيّة، دون رحمة أو شفقة، كما تنفق الحيوانات غير ذات النفع لأصحابها.. كم وكم من السجناء والمعتقلين في السجون السورية الذين قد يُبدوا بعض الرفض لأحوالهم غير الإنسانية سيقوا إلى تدمر انتقاماً وكيداً بمن إليهم انتسبوا من أحزاب وقيادات سياسية لبنانية..

هؤلاء جميعاً يريد الجنرال تناسيهم أو يريد أن يقارنهم بالسوريين  المفقودين في لبنان.. وهذا الجنرال اللبناني جداً نذكّر أن المخابرات السورية وأجهزتها الأمنية كانت متولية حفظ الأمن في لبنان ونردد هنا القول المتعارف عليه: أن لا شعرة تسقط من رأس أي لبناني في لبنان دون علم السوريين بها.. فهل يريد الجنرال أن يربط المطالبة باللبنانيين المعتقلين في سوريا بمن فقدتهم سوريا في لبنان؟ إذن، لنتطلع إلى أوجه الشبه في هذه المقارنة..

صحيح أن هناك مقابر جماعية في لبنان لكنها تضم جثث الذين عارضوا النظام السوري! ربما، لكن بعضهم من حلفاء سوريا أيضاً.. ولن يجد في هذه المقابر أية جثة لأي سوري.. فليتفضل الجنرال بالكشف على جميع هذه المقابر ابتداءً من محيط بلدة عنجر البقاعية وسيجد العشرات من الجثث التي فقد أصحاها حياتهم تحت التعذيب المخابراتي.. وأيضاً سيجد في مقابر أخرى جثث جنودٍ لبنانيين فقدوا حياتهم بعد انهزامه أما الجيش السوري الذي أعلن حربَ تحريره منه..

أجل، نحن نريد فعلاً أن يتكرّم الجنرال بالطلب إلى الأمم المتحدة وجماعات حقوق الانسان الدولية بتولي البحث ونبش المقابر الجماعية، وسنتناسى موضوع حرمة الموت، كي نبرهن للجنرال أن جميع المفقودين السوريين كانوا قتلى الدفاع ‘ن أنفسهم في معاركهم الشرسة ضد المقاونات اللبنانية وفي شتى المناطق اللبنانية، ابتدأً من صيدا والشوف والجنوب ومروراً في البقاع وانتهاءً بالشمال..

قد يكون في ذهن الجنرال، من هذه المقارنة، تكريم جثث السوريين المدفونين في الأرض اللبنانية كما كرّم الفلسطينيون والمنظمات والأحزاب اللبنانية رفاة 199 شهيد كانوا دفنوا في مقابر إسرائيل الرقمية.. ولربما كان في ذهنه أيضاً، تكريم رفاة الجنود السوريين الذين سقطوا سهواً أثناء الاجتياح الاسرائيلي للبنان عام 1982 والذين لم يتمكن الجيش السوري من لملمة جثثهم أثناء هربه من مواجهة إسرائيل وكان أن تُرِكوا على قارعات الطرق ينزفون الدماء حتى الافناء.. نقول سهواً لأن إسرائيل كانت قد أعلمت أسد سوريا بأنها لن تتعرض لجنوده ما لم يبدروا هم بإعتراض سيرها إلى اجتثاث قوى المنظمات الفلسطينية.. ولا يسعنا هنا سوى التذكير بخطابات ومناظرات النظام السوري عن حماية الفلسطينيين الخ...     

المخطوفون والمعتقلون في السجون السورية لا يمكن مقارنتهم بالمفقودين على الأرض اللبنانية لسبب بسيط هو أن ليس هناك من مفقودين سوريين في لبنان.. وإذا كنت لا تصدق، عليك الاتصال ببالقاضي الكبير عدنان عضّوم أو الرئيس سليم الحص اللذين قررا عدم وجود معتقلين لبنانيين في سوريا وبالتالي، وفي خبرتهم الكبيرة وباعهم الطويل في هذا المجال سوف يقدموا البيان الكافي والشهادة الشافية وكفى الله شر نبش القبور!  

أمّا ذوو المعتقلين في سوريا، فهم لا شك قومٌ حالمون ويكفي من الجنرال أن يدفع لهم بعض التعويضات! وفي المقابل على دولة لبنان أن تدفع، ليس بدل أتعاب جنودها الميامين بل أيضاً ثمن من فُقِدَ منهم! صحيح أن الذين استحوا ماتوا!,,, 

صانك الله لبنان

المقالات التي ننشرها تعبر عن آراء أصحابها ولا نتحمل مسؤولية مضمونها