وجهتا نظر للجنرال تناقضان المنطق الدستوري
28 حزيران 2008
نقطتان هامتان تصدرا لقاء الجنرال ميشال عون مع " قناة العالم الاخبارية
"، نشرت موجزاً عنها مجلة " لبنان الآن " الألكترونية بتاريخ 28 حزيران
2008، الأولى هي ورقة التفاهم التي وقعها التيار الوطني الحر مع حزب الله
عام 2005،
والثانية هي العلاقات مع سوريا..
في الأولى، يدافع الجنرال عن ورقة التفاهم فيقول:
"هذه الورقة طرحت بين تيارين كنموذج لاتفاق على أن تطرح على المجتمع
اللبناني بأكمله، فهي لا تقتصر على الشيعة والمسيحيين، بل يمكن
طرحها على جميع الطوائف والأحزاب اللبنانية,,"
تعليقاً على هذا نقول:
- خلال ثلاث سنوات متتالية من العراك السياسي المضني، اثبتت الوقائع ان
ورقة التفاهم كانت بين تيارين يمثلان ذاتيهما وليس الطائفتين إذ تم رفضها
من غير المنتسبين إلى هذين التيارين اللذين لم يتمكّنا من فرض وجهة
نظرهما على باقي أبناء طائفتي الشيعة والمسيحيين.. زد على ذلك، رفض باقي
الطوائف اللبنانية الأخذ بحيثيات ما جاء فيها من تجاوز لأصول العيش
المشترك الذي يفرض تكاملاً جديّاً بين الجميع..
- من خلال هذه الورقة، أوكل رئيسا التيارين، الجنرال عون وحسن نصرالله،
نفسيهما القفز فوق الدستور اللبناني وخاصةً ما جاء في مقدمته، في بند
إلغاء الطائفية السياسية، وأعادا عقارب الساعة الطائفية إلى العهود
السحيقة في تاريخ لبنان.. وهذا ما أنتج، مع الأسف، ما يعانيه اللبنانيون
اليوم من تشقق [ ولا نقوق شقاق ] في طوائفهم وخاصةً الطائفة المسيحية
والطائفة المسلمة التي يقوم على توافقهما يقوم النظام الديمقراطي
اللبناني..
- من هنا نجد أن ورقة التفاهم هذه، وعوض أن تبني ما هدفت إليه، كما يقول
الجنرال عون، قدّمت حوافز إضافية للتقوقع الطائفي، الذي كنا قد شاهدنا
انفكاكاً كبيراً عنه في مظاهرات وحشود ثورة الأرز الكبرى التي جمعت بين
جميع الطوائف اللبنانية تحت شعارات الاستقلال الثاني، وأعادت من جديد رعب
الاقتتال الطائفي البغيض الذي لم يفلح النظام السوري من تثبيته في
المجتمع اللبناني..
من هنا أيضاً، نرى كيف أن تشبُّث أصحاب ورقة التفاهم، التيار الوطني الحر
وحزب الله، في تحقيق أهدافهما، المثبتة في ورقتهما، بواسطة العنف السياسي
أولاً والعنف العسكري تالياً، ولم تسمح باستكمال مسيرة الاستقلال الثاني
وقيام دولة القانون بل على النقيض من ذلك، أعاقت المسيرة وحاولت فرض
قانونها الخاص..
قد يكون لهذه "الورقة" حسنةٌ وحيدة هي تأكيد أهداف ثورة الأرز وتشبُّث
أهلها بها بل والوقوف في وجه موقعيها ومنعهم، بالرغم من دموية سياستهم من
تحقيق أهدافهم التي بات الكل عليمٌ بخلفياتها.. الشخصانية والعقيدية مهما
غُضِّيَت بالحقوق الطائفية أو الوطنية..
في الثانية، وحول العلاقات مع سوريا، يشير الجنرال:
" وجهات نظره حول مستقبل العلاقات اللبنانية السورية لا تتفق مع نظرة
واشنطون وباريس. فالولايات المتحدة لا تزال تعتبر سوريا مصدر قلق
وعدم استقرار للبنان".. بينما هو يبحث عن علاقات جيدة مع دمشق وقال: "
نحن لا نريد إذاء سوريا بل نريد علاقات جيدة معها".
جميل هذا القول وهو يدل على كياسة ودبلوماسية ولكن، ألم يسأل الجنرال
نفسه ولو مرة واحدة: هل تريد سوريا علاقاتٍ جيدة مع لبنان؟ فّإذا كان
الجواب بنعم فلماذا تشبثت سوريا بإيديها وأقدام جنودها في أرض لبنان لمدة
ثلاثين سنة كاملة!
وأضاف قائلاً: "كل خطابك السياسي منذ العام 1988 لغاية 2005 يدعو إلى
خروج سوريا من لبنان على أن تقيم معها أفضل العلاقات بعد أن تخرج"..
ها هي قد خرجت فلماذا لا تتجاوب سوريا مع تمنيات الجنرال وتقيم العلاقات
الحسنة مع حكومة دولته؟ ألا يذكر كيف رفضت سوريا استقبال رئيس حكومة بلده
وكيف نعت رئيس سوريا رئيسَ حكومة بلده بالعبد المأجور؟ ترى هل من الكياسة
والدبلوماسية أن يقبل شتائم رئيس سوريا وازدرائه بحكومة بلده ويدافع عنه
عوض أن يتخذ منها ذرائع أو يبتكر ذرائع للتهجّم على رئيس حكومة بلده؟
ثمَّ ،
هو لا تريد إيذاء سوريا! عجباً: هل هو على يقين من أن سوريا لا تريد
إيذاء لبنان؟ وهل بعد كل الأذى الذي لحق بالشعب اللبناني وأرضه من سوريا
ليس في حسابه أذىً أم أنه يحسب خروجها من لبنان "قسراً " هو بمثابة عفوٍ
عام عن موبقاتها!
عجيب أمر هذا الجنرال الذي يضع نفسه فوق الجميع.. يفصل الأمور على مقاسه
ويلبسها ويريد إلباسها الجميع..
وبعد ذلك يضيف: " كنت أتمنى من بقية الأطراف اللبنانية التي تدير حالياً
السلطة أن يوافقوا جميعاً على دعوة سوريا إلى طاولة الحوار والدخول معها
في نقاش حول كيفية العلاقة، إلاّ أن استمرار الاتهامات وموضوع المحكمة
الدولية ومسلسل الاغتيالات الذي وقع بعد خروج سوريا، لم يسهم في انجاح أي
حوار مع دمشق".
العجب العجّاب في اقتراح هذا الجنرال.. أهكذا في نظره تتعامل الدول مع
بعضها: يجتمع الجميع إلى طاولة حوار وتناقش عليها كيفية العلاقة!
لقد اجتمع اللبنانيون حول طاولة حوار وطني واتخذوا عددا من القرارات
الوطنية من بينها قرارات تتعلق بالعلاقة مع سوريا، لكن هذه الأخيرة
رفضتها جملةً وتفصيلا وبادرت إلى تأزيم الوضع السياسي بل وأوعزت إلى حليف
الجنرال في ورقة التفاهم باستدراج إسرائيل إلى شن حربٍ مدمرة وقاتلة ضد
لبنان وشعبه وقطف رئيس سوريا الانتصار في رد العدوان لنفسه وكأنما كتب
على لبنان وشعبه، والجنرال من بينهم، أن يدفعوا دماءهم أبنائهم ويتقبلوا
دمار وطنهم كرمى لسوريا وهي لا تشبع! وهذا برأي الجنرال إذىً يوقعه لبنان
بسوريا!
أما عن الاتهامات ومسلسل الاغتيالات فلا يرى فيها الجنرال أي أذى يناله
لبنان وشعبه فهو على ما يبدو، دليل رفض لبنان رفع أذاه عن سوريا، إن
بتوجيه الاتهامات أو ب‘صرار حكومة لبنان على قيام المحكمة الدولية..
ويضيف: ان العلاقة مع دمشق بشكلها الحالي تضر بالمصلحة اللبنانية من
جهنين، " المعاداة المباشرة لسوريا واستعمال لبنان كمنصة للاضرار
بسوريا".
العجب أيضاً كيف يرى هذا الجنرال بعين واحدة فقط ( رحم الله الرئيس شمعون
والرئيس كرامي ) هي عين سوريا.. فلبنان في نظره يعادي سوريا وليس العكس..
تُرى هل فقد الجنرال بصيرته بعد فقدان بصر عينه اللبنانية حتى بات لا يرى
غير ما يراه جهابذة سوريا أم أنه لم يفقد الأمل بعد من تخليها عنه
ومساعدته في تحقيق أحلامه؟
أما استعمال لبنان كمنصة للإضرار بسوريا فهذا ساطع تماماً إذ أن العالم
الحر كله يستعمل لبنان منصة، ليس للاضرار بسوريا بل لوقف إضرارها بلبنان
ولا سبيل لنكرانه.. ولولا إن بعض المدافعين عن سوريا، استردوا ولاءهم
الوطني لما كان للأزمات السياسية المتكررة التي تعصف بلبنان قد استمرت
إلى اليوم.. وليسأل الجنرال وحليفه في ورقة التفاهم من أضرّ ويضر بمصالح
الآخر لبنان أم سوريا!
وحبذا لو اتفق أصحاب ورقة التفاهم على إدراج النظام السوري إلى تفاهمهما
رسمياً، عوض أن يكون استراتيجياً باطنياً، ربما كان وفرّا على الجميع بعض
الاغتيالات والدمار.. ولربما أيضاً ما احتاج لبنان إلى تدخل دول الأرض من
أجل زحزحة النظام السوري عن دعمه لهذين الحليفين..
وحول رؤية الجنرال لعملية الاصلاح للوضع الداخلي أشار الجنرال :
" ثلاثة قوى تقف في وجه عملية الاصلاح وهي الاقطاع السياسي وزعماء
الحروب وأصحاب الصفقات"،
نعلّق على هذا: في المطلق، الجنرال مصيب في عرضه في البندين الأول
والثاني، وهكذا أمر بات معروف من القاصي والداني وربما كان من أسس
الديمقراطية أيضاً.. لكن إشارته إلى زعماء الحروب فهذه هي الأدهى في
نظرنا أيضاً لكن، ينسى الجنرال أن حلفائه في العارضة، ما عدا البعض
القليل منهم، هم زعماء حروب بامتياز.. فالاستاذ نبيه بري وحسن نصراللله
وباقي زعماء الأحزاب كالقومي والشيوعي والبعثي وغيرهم، كلهم من زعماء
الحروب.. كما لا يجب أن ننسى أن الجنرال نفسه كان آخر زعيم حربٍ تولى
السلطة في البلاد كرئيس حكومة مؤقتة لها هدف وحيد هو تأمين انتخاب رئيس
جديد للبلاد يخلف الرئيس الجميل، فأخل بواجبه وأقام حرباً على جميع
الأحزاب الوطنية ودك معاقلها ومرافئها ولم يوفر سوريا فشن عليها حربَ
تحرير غريبة عجيبة أثمرت ضحايا بالمئات ودماراً لا يقاس.. ولاحقاً،
استدرج القوات اللبنانية التي أمنت وصوله إلى موقعه وشن عليها حرب تحرير
وحرب إلغاء أنتجت ألاف الضحايا من المسيحيين ودكت ممتلكاتهم بالجملة..
هذه الحرت فاقت بضراوتها جميع الحروب السابقة التي دارت على أرض لبنان
وضد شعبه..
من المؤسف حقاً أن يصر الجنرال على وضع نفسه فوق كافة الشبهات وهو الذي
إلى اليوم لا زال يناقضها بطروحاتٍ لم تعد تقنع صغيراً أو كبير..
فالمسيحيون والمسلمون لم يعودوا يروا في طروحاته إلاّ ما يجعل لبنانهم
موقع إرهاب دولي يتولاه حلفاؤه ومن شعب لبنان مكسر عصى لطموحاته
واستراتيجيات حلفائه.. سوريين كانوا ام ايرانيين أو حتى اسرائيليين!
السؤال الكبير اليوم: هل يقبل اللبنانيون بعد كل هذا ويعيد انتخاب هذه
الطغمة من السياسيين أم أنه سيعيد النظر، ليس في المبلغ الذي سيتلقاه
نظير انتخابه أحدهم بل نوع الرجال المطلوب وجودهم لادارة شئون دولته!
صانك الله لبنان
لاحظ س. حداد |