رسائل قصيرة (1)
15 حزيران 2008
حكومة وحدة وطنية أم حكومة طائفية؟
ما يحاول رئيس المجلس النيابي فرضه على الرئيس، المكلف تأليف الحكومة، من
تجاوب مع ابتزاز المعارضة الممثلة بالجنرال ميشال عون، يُعتبر بحق امتهان
لموقع رئيس الحكومة وإخضاعاً استباقياً لرغبات هذا الرجل في كل ما قد
يُصار بحثه في المجلس الوزاري حيث أنه من المؤكد أن الرجل سوف لن يستنكف
عن إثارة الأمور المعيقة لسير عمل الحكومة وهذه قطعاً سوف تستدعي تدخلاتٍ
لا تنتهي، وينتهي الأمر بإظهار بطولاته الخاصة فيقدم موادَّ دسمة لتجييش
أنصاره واستعادةً لثقة الرأي العام اللبناني..
لسنا نفهم كيف أن رئيس المجلس، الذي يُفتَرض به بعد قطر وانتخاب رئيس
الجمهورية، أن يكون دوراً توفيقياً إلحاحياً لسلوك جادة الديمقراطية التي
تبناها خطاب الرئيس؛ لسنا نفهم تخليه عن هذا الدور، أقله بصفته المركز
الأرمق بعد رئاسة الجمهورية والجدير بتبني نهجه، والعودة إلى لعب دور رأس
المعارضة الذي عطل مسيبرة الدولة لعدد من الأشهر طويلة..
فعوضَ أن يبادر السيد بري إلى إقناع مندوبه السابق في المعارضة ويثنيه عن
وثباته الوهابية إلى التعقيد، نراه يسترجع له وزناً فقدَه بتعنثه
المستَغرب بل يعيد تحميله بيضة قبّان الحكم بأكمله..
تُرى هل يفتقد السيد بري الامساك بأزمة الأزمة المتجددة فيسترخي مستريحاً
على أريكة الاستقبالات أم أنها كانت فترة نقاهة من غبار معركة شوارع
بيروت وتحضيراً لأدوات المعارضة الداخلية استعداداً لتعطيل مجلس الوزراء
المنتظر من الداخل.. سؤال برسم متتبعي مجريات الأمور!
ونحن، إذا ما تعمدنا فهم البند - ثانياً في اتفاق الدوحة القائل:<...
تتعهد كافة الأطراف بمقتضى هذا الاتفاق بعدم الاستقالة أو إعاقة عمل
الحكومة>، تتبيّن لنا الكيفية التي يمكن أن تتجمّد جهود هذه الحكومة، في
أيِّ وقت وتحت أيةِ ظروف تراها المعارضة معارِضةً لطروحاتها.. إنها حقاً
بدعة شيطانية مبتكرة لم تتطرٌق إلى ذهن ميكيافللي..
نقاط فوق الحروف:
- إن الحكومة الموعودة، إذا ما أتت على ما يصبوا إليه السياسيون، بخاصة
أولئك المتطرفون مذهبياً وطائفياً، سوف تكون المرحلة قبل الأخيرة لضرب
الوحدة الوطنية الحقيقية بين كافة الطوائف والمذاهب اللبنانية التي تقطن
وطن الأرز.. لذلك، أنَّ مَن استلم السلطة الاجرائية، موالاة أو معارضة،
سوف لن يجد أمامه سبيلاً للدفاع عن النفس سوى الانكفاء إلى طائقته
ومذهبه.. ومن البديهي أن تقتصر منجزات هذه الحكومة على الخدمات التي سوف
يجهَد الجميع إلى ارتهان الشعب لارادتهم الانتخابية وحدها الأمر الذي
سينتج عنه من فرز مذهبي بغيض وطائفي مرعب..
- أية حكومة وطنية يمكن تشكيلها مع هذا الكم الهائل من الهموم الطائفية
والانتخابية التي تعشعش في أذهان من يُفتَرض بهم أن يديروا دفة الحكم في
بلادنا.. وما نفهمه، مما نراه من إرباكات مصطنعة تحاول المعارضة طرحها في
سوق التداول والتشاور في الشأن الحكومي لا يعدو كونها صدمات متجددة
لخلخلة التوازن القائم سياسياً ولمصلحة الإطاحة بالتوازن الطائفي
القائم.. كما أن تهاون الرئيس المكلّف بتشكيل الحكومة المستمر وعدم
اتفاقه مع رئيس البلاد لوضع النقاط فوق حروفها وإصدار التشكيلة المناسبة
لحكومة العهد متناسياً، تماماً أنه يمثل الأغلبية النيابية ومن حقه
الدستوري أن يختار من سوف يتعامل معه لتنفيذ خطاب قسَم الرئيس.. هذا
التصرف، في نظرنا، لم يعد تصرّف رجل دولة عهدنا بعضه في رئاسته للحكومة
السابقة!
- وإذا كان هذا الرئيس المكلّف سيستمر في لعب دور المراضاة وجبر الخواطر،
سوف نجده مجبراً وليس مخيراً في اتخاذ القرار المناسب وسوف يخسر، بكل
تأكيد، دعم اللبنانيين ويزيد من استدراجات المعارضة لتحجيم موقعه وقراره
معاً..
- في مخيلة بطاركة السياسة الطوائفيين اليوم أن يحققوا أكبر سطوع ممكن
لتمثيلهم الطائفي في الانتخابات النيابية المقبلة، بحسب القانون المنادى
به، حينها يتم الفرز الطائفي بل المذهبي تماماً ومن ثم تصبح المطالبة
بالتغيير أثمن وأوضح وتقع البلاد في مهب الرياح المذهبية الحقيقية
المستنجدة بالخارج المتحفِّز للانقضاع على الكيان اللبناني والاستيلاء
على الوطن..
اللافت للاهتمام هو ما أُشير إليه مؤخراً في لقاء غبطة البطريرك الماروني
مع رئيس الجمهورية عن الدعوة إلى قمةٍ روحية تدعم مسيرة الوحدة الوطنية..
نأمل، على أيةِ حال، ألا يُجهض بطاركة السياسة، خاصةً منهم من نصّبوا
ذواتهم، وينقضوا على توجهات القمة الروحية.. كما نأمل أن تتخذ هذه القمة
بأمال الشعب اللبناني الحقيقية في تثبيت رسالة لبنان السلامية..
نأمل أن يدرك جميع اللبنانيين أن وقت التأمل في مصير وطنهم قد حان وأن
عليهم، هم النخبة الصامتة والمتألمة والرافضة لكل مفاعيل التعبئة
الطائفية المدمرة التي يقودها السياسيون فيرفعوا الصوت عالياً ورافضين
طروحاتهم ويختياروا من بينهم من يمثلهم وينطق باسمهم ويحقق آمالهم في
تحقيق ديمقراطية حقيقية نابعة عن إرادتهم الوطنية وليس من شهوات طائفية
أثبتت على المدى فشلها في قيادة البلاد وجرّتها، طوال السنين البائدة،
إلى هم عليه اليوم..
نتمنى على الشعب اللبناني الأبي أن يعي معنى ما نقوله ويفكر بجدية
أكبر في محض ثقته إلى من لا يرفع شعارات التمثيل الطائفي فيدرك إلى أي
منقلب هم به ذاهبون.. فهل يؤمن شعبنا حقاً برسالة وطنهم الأسمى - رسالة
سلام كونية - ويقيم الدليل النهائي، ومن على أرضها على صدقيتها.. وعلى
هذه تقوم الوحدة الوطنية!
صانكالله لبنان |