دستور الجمهورية اللبنانية ... وداعـاً
مسكين هذا الدستور، كم وكم عليه أن يتحمل من اعتداءات صبية السياسة
اللبنانية ومراهقيها، فالكل أصبح في تفسير مواده خبيراً وضليعا..
فيما خبراء الدستور الحقيقيين لا يُؤخذ برأيهم!
دستور لبنان،
صارَ أشبهَ باتفاقية تعهدات أشغال عامة بالتراضي تنفذها الدولة
اللبنانية.. المالك أو الطرف الأول هو الشعب اللبناني المُلزِّم
والمتعهدون هم السياسيون أي الطرف الثاني أو الملتزمون.. أثناء
التنفيذ، وما أن يتبين لأحد المتعهدين أن صفقته لن تأتيه بالأرباح
المتوقَّعة أو أن بإمكانه الاستفادة أكثر، يُبادر إلى توقيف العمل
واختلاق الأعذار ومتعللاً بارتفاع أسعار المواد عالمياً، ليس للتراجع
عن تعهده بل ابتزازاً رخيصاً للطرف الأول الذي لن يتمكن من الرفض
لترابط أعمال التنفيذ ببعضها وما قد يتسببه من أضرار في مجمل
الاتفاقية..
هذه هي حال دستور دولتنا اللبنانية أو اتفاقية عيشه المشترك اليوم..
جميع رجال سياسته يجهرون دون خجل بتفسيرات لمواد الدستور ويبتزون
الشعب اللبناني، الطرف الرئيسي فيه، الذي لم يعد يدري مَن يساير أو
إلى مَن يدفع لقاءَ وفائه بتعهداتٍ التزمها لتنفيذ ما أُعْطيَ له من
أشغال..
الجميع في هذه الإبتزازات سواسية.. بدءً من قمة الهرم وانتهاءً
بقاعدته..
رئيس جمهورية،
يعطي ذاته حق التصرف في مصير الشعب بأكمله ويجيِّرُ مستقبله إلى قرار
فئة تجيزُ لنفسها ابتداع دستورها الخاص وربط مصير الوطن وتأسر الشعب
بما ليس له علاقة بمصالحه بل تدمرها.. ويتخلى عن مسئوليته الأعلى في
إدارة البلاد ويناصب حكومة بلاده العداء، ويجنح إلى معادات أكثرية
شعبه الممثلة بنوابه.. ويبالغ، حتى اللحظة الأخيرة من ولايته الممددة
ابتزازاً، في تصلُّب المقيت رافضاً التدخل الفعلي، مع مَن أجازَ لهم
حق القرار عنه، وغير مبالٍ بالمخاطر التي سيترك وطناً إءتمن عليه
يتخبط فيها.. أول ما سيسجله تاريخ في أرشيف عهد هذا الرئيس، رفضه
إجراء مصالحة وطنية شاملة وجميع ما تبعها من إخلال في تعهداته نحو
الطرف الأول في اتفاقية تلزيمه رئاسة الدولة.. ولن نزيد!
من المؤسف حقاً أننا
مضطرّون إلى وصف هذا الرئيس بالدكتاتور المستنسخ عن دكتاتور النظام
السوري الصغير وأن سقوطه المهمَل الخجول ما هو إلاّ
استنساخ لسقوطٍ مستقبليٍّ لصنوه، على أيدي أحرار سوريا.
رئيس مجلس النواب،
علّةُ العلل في الإخلال بالدستور اللبناني كانت مبادرة رئيس مجلس
النوّاب إلى اختصارهم بشخصه، ويعطي نفسه حق تولي تفسير الدستور دون
الرجوع إلى نواب الأمة، تالياً كانَ قراره بعدم شرعية حكومة لبنان
دون محاسبتها وحجب
الثقة بها في المجلس النيابي.. ثم رفضه فتح أبواب مجلس النواب للقيام
بأي عمل تشريعي بحجة منع مشاركة الحكومة، غير الشرعية بنظره.. هكذا،
عطَّل هذا الموظف الكبير في النظام اللبناني إقرار كافة قرارات
الحكومة التنفيذية والخدماتية.. حتى أنه أسهم بشكلٍ مباشر في شلل
كامل نشاطات الشعب الاقتصادية والاجتماعية والانتاجية..
من المؤسف أن يتناسى رئيس المجلس أن تعطيله عمل نواب الأمة
اللبنانية هو جريمة دستورية، لو توفرت أدوات الديمقراطية الحقيقية
لَوَجبت إقالته ومحاكمته.. لكنَّ ديمقراطيتنا المعطلة منذ بدء عهد
الوصاية، وبالرغم من محاولات مستميتة لاسترجاعها فقد تمكن رئيس مجلس
النواب، في ابتزاز رخيص واستغلال موقعه الحزبي، حتى لا نقول الطائفي،
من الاستمرار في تعطيلها..
وللبيان نوضح أن الشعب اللبناني لا تنقصه النباهة لإدراك أبعاد
مواقف رئيس المجلس النيابي في تعطيل الدستور.. وأن الشعب اللبناني أو
الطرف الأول في تعهد التزام رئيس مجلس النواب يراقب ويسجل كل تصرفات
هذا الرئيس وبخاصة في فترة الاستحقاق الرئاسي ويعلم أن واجباته
الدستورية كرئيس للمجلس المعطَّل تنتهي، بحسب الدستور يوم 13 الجاري
أي قبل بدء فترة العشرة أيام الموجبة لانتخاب رئيس للجمهورية، وأن
دعوته تأجيل جلسة الانتخاب إلى يومٍ من ضمن الأيام العشر هي غير
قانونية وكذلك الحال بالنسبة إلى تأجيله الأخير إلى ما بعد الأيام
العشر المذكورة فهي غير قانونية وغير دستورية على الإطلاق..
هكذا نجد هذا الرئيس يحاول تدمير ما تبقى من الدستور اللبناني في
مهمة استثنائية قد تؤدي إلى تفكك الدولة والذهاب بنظامها الديمقراطي
وإحلال أنظمة دكتاتورية مكانه.. إنه أيضاً الدكتاتور الأكبر الذي،
إلى الآن، يزاول مهامه في تعطيل متعمد للدستور.. ونراها أيضاً
شخصانية كاملة نابعة من تراث الحرب التي أوصلت هذا الرجل إلى منصبٍ
يرغب في بقائه فيه ما دام حياً.. وإطلاق التصريحات الدفاعية الرنانة
من قبل نوابه لا تُبعده عن المحاسبة متى حان أوانها.
هذه هي الدكتاتورية الحقيقية التي يمثلها رئيس المجلس النيابي عنوةً
ولا يهمه أن يسقط من عديد النواب شهداءٌ أبرار لا ذنب لهم سوى تعلقهم
بالديمقراطية ولبنان. كما لا يهمه أن يحتجز العدد الأكبر، من نواب
الأمة الذين من المُفْتَرض أن يكونوا في عداد مجلسه، أن يحتجزوا
خوفاً ورعباً من الاغتيالات المتربصة بهم في حين أنه يتعصم في مجلسه
احتجاجاً على عدوان إسرائيل وحصارها لوطنه بعد استدراجها إلى الحرب
لاقتناصها أفراداً من جيشها، للمطالبة بفك أسر معتقل فردٍ من أفرادَ
مقاومته.. اعتقال فرد جريمة لا تغتفر واعتقال اكثرية نوابه موضوع فيه
نظر!
حزب الله وجنرال التفاهم ،
إن تعديات حزب الله على الدستور لا تحصى، فقد ولّـى حسن نصرالله ذاته
مرشداً أعلى للجمهورية وأوكلَ إلى نوابه، الدينييين منهم والمدنيين،
طرح ما يجدونه مناسباً لكل مرحلة من مراحل الأزمة الحالية.. في
الواقع نحن لا نجد ضروة في مجادلة هذا الحزب في تطاولاته المتعددة
والمتكررة على الدستور إذ نساويه بأهل النظام السوري الذين، مرّات لا
تحصى أيضاً رفضوا الاعتراف بالدولة اللبناني وبدستورها.. والاثنان
يتساويان أيضاً في الأهداف وربما الوسائل!
نفهم أن حزب الله، بعقيدته الفقيهية، يريد دولةً تحفظ وجوده كمقاومة
إسلامية وليس لبنانية في الدرجة الأولى وتتيح أمامه فرص الاستيلاء
على كامل السلطة، تدريجياً، لإقامة دولته الإسلامية.. لكن ما لا
نفهمه هو كيف يريد الجنرال ميشال عون، زعيم تكتل الإصلاح والتغيير،
بمساعدة حزب الله، إصلاح الدولة وتغييرها، وفي آن يغفل تماماً عمّا
يُخطط ويعلن عنه حزب الله صبح مساء.. والطرفان يتخذان، في جميع
تصرفاتهما التهديدية، من الديمقراطية التي يتيحها النظام اللبناني
غطاءً بات في منتهى الشفافية [ العلمية وليس السياسية] حتى لا يكاد
يغطّي ولو جزءً يسيراً من طروحاتهما.
إن دفاع الأشاوس من نواب حزب الله القائم دوماً على التذكير بالحروب
التي أقامها النظام السوري على اللبنانيين والمتعمّد "تربيح الجميلة"
بتحرير الأرض أصبح كابوساً مرعباً من أن يكون قادة هذا الحزب يصدقون
أنفسهم بأنهم فعلاً هم الذين طردوا إسرائيل من على أرض لبنان،
وبالتالي يمتلكون الحق في جرِّ اللبنانيين إلى مجاذر جديدة كتلك التي
عانوها في تموز الماضي ودفعوا جرّاءَها الغالي والنفيس.. نذكّـر هذا
الحزب أن كفى تشدقاً سئمه اللبنانيون الذين لم ينسوا قط، وإن تناسوا،
جميع مقترفات هذا الحزب الإرهابية ضد الشعب اللبناني الخ... [ نكتفي
من هذا الآن فلا حاجة إلى كشف جميع جرائم حزب الله التي بسبب الخوف
من كشفها وجرّه مع شريكه النظام السوري إلى عدالة المحكمة الدولية،
يذهب إلى المدى الأبعد في معارضة قيام الدولة].. علينا الافتراض
جدلاً أن ادعاء هذا الحزب هو صحيح فهل يجوز اجتراره صبح مساء؟
لم يعد خافياً على أحد الافلاس الكبير الذي يصارع الجنرال ميشال عون
من أجل إبعاد كأسه عن شفتيه.. فمواقفه المتشنجة بدأت تخفت قليلاً
لكنها آخذة في التماهي في اقتراحات غير دستورية.. فمِن اعتبار نفسه
الممثل الأوحد للمسيحيين إلى رفض مبادرات رأس الطائفة المارونية إلى
إلغاء وتجاوز كافة الأصول الدستورية باقتراحات لا تمت إلى النظام
الديمقراطي بأية صلة..
أخيراً، ليلة الأمس بالذات، حقق الجنرال مجمل نصوص ورقة تفاهمه مع
حزب الله.. لقد ألغى جنرالنا الكبير موقع رئاسة الجمهورية بعدم
مشاركته، هو ونواب كتلته، في انتخاب رئيس جديد للجمهورية.. علينا أن
نشكره ونشكرهم على بلورة ما كان شبه مُخفى عن الرأي العام اللبناني
بشكل عام وعن بعض المسيحيين بشكل خاص..
الصراع القائم حتى الآن تبلَّوَرَ أكثر من أي وقتٍ مضى على أن أطراف
المعارضة استكملت استعداداتها وتتحفَّز للوثوب إنقلابياً على السلطة
تنفيذاً لاستراتيجيتها المُعلنة من طرفين على الأقل هما حزب الله
والجنرال ميشال عون.. وعلى المسيحيين، وخاصة الموارنة، أن يُقرروا ما
إذا كان االجنرال يمثلهم حقاً ويحقق رغبتهم في إفراغ موقع الرئاسة
إلاّ من شخصه.. وكم نتمنى أن يُجرى اليوم بالذات استفتاءٌ شعبي في
نتائج إداء الجنرال الدستوري وما أوصل البلاد من إفراغ لأهم موقع
يتبوؤه مسيحي.. وربما أفضل أن يُجرى استفتاء رأي عموم المسيحيين وليس
الموارنة وحدهم وسنرى مدى الاحباط الذي أصبهم جرّاء هذا الإداء..
أطراف
الموالاة،
من يُطلق عليهم تسمية تجمع 14 آذار، القيّمين على السلطة، لا زالوا
متمسكين بحبال الديمقراطية ويتجنون استعمال سلطة القانون، محافظةً
منهم على إنجازاتٍ ضحوا دماً غالية جداً في سبيلها، ألا وهي إنجازات
ثورة الأرز الكبرى، حتى بات يصحُّ فيهم المثل: زادَ في الرقة حتى
انفلق... فمتى ينفلقون!
إن ما تتداوله صحافة ومحطات التلفزة في العالم بأسره أضحى اليوم أوضح
مما يُمكن إغفاله والتعامي عنه.. مندوبو دول العالم الحر ومبعوثوه،
كما قيادات الدول العربية ومبعوثيهم، يصولون ويجولون، إن على الساحة
السياسية اللبنانية أو إنطلاقاً من أعلى مقامات دولهم، وكل همهم
ينصبُّ على تدجين النظام السوري ومنعه من "التدخل" في شأن انتخاب
رئيس للبلاد.. بمعنى آخر إصدار أوامره إلى حلفائه "المعارضة
اللبنانية" بالتوقف عن تهديداتهم والقيام بواجبهم الدستوري في انتخاب
الرئيس العتيد للجمهورية.. لكن النظام السوري لم ولا ولن يقبل
الإصغاء للنصائح والرغبات الدولية ما لم يُصار إلى إلغاء البند
المتعلق بحصانة الرئيس من نصوص قرار إنشاء المحكمة الدولية التي
ستطيح، إن عاجلاً أم آجلاً، برأس هذا النظام.. وهذا بالضبط هو بيت
القصيد في رأس الأزمة اللبنانية كلها..
فهل يُعقَل أن يكون كل هؤلاء على خطاء ووحده النظام السوري على صواب؟
لقد تمكنت المعارضة من تعطيل وإفشال عقد جلسة برلمانية لانتخاب رئيس
البلاد.. وأثبتت أنها الأم المزيفة للبنان..
لقد قدمت الموالاة أكثر ما هو في حوزتها من تنازلات من أجل عقد هذه
الجلسة.. وأثبتت أنها الأم الحقيقية للوطن..
يبقى أن ينتصر الوطن ولكن،
من ينتصر؟ أهي
دكتاتورية الديمقراطية أم ديمقراطية الدكتاتورية؟
لقد
استعملت المعارضة جميع ضروب الدكتاتورية وأفلحت في ضرب الديمقراطية
باستعمالها تغطية لمعارضتها..
وتحملت المولاة جميع صروف الشهادة والمهانة والابتزاز والاستفزاز حتى
سقط آخر قناع لدكتاتورية وبات ضرباً لازباً عليها أن تأخذ الأمور
بأكثر ما يمكن من الجدية، فالقوم لن يألوا جهداً مهما كان كي يسقطوا
النظام ومعه الكيان..
جميع دول الأرض ذات النظام الديمقراطي لا تستنكف استعمال دكتاتورية
تجيزها القوانين عندما يتعرض نظامها أو أمن مواطنيها إلى الخطر.. فهل
هناك من خطرٍ أشد وادنى من خطر إطلاق الرصاصة الأولى؟
نلفت جميع السياسيين، وخاصة أؤلائك السياديين، إلى أن حان الوقت كي
يكتفوا بما قدمّوا من إيجابيات ولينطلوا إلى تنفيذ بنود الدستور
وينتخبوا رئيساً للجمهورية دون الالتفات مجدداً إلى طروحات تتنافى مع
هذا الدستور.. فهل تنقذوا الوطن قبا أن نقول للدستور وداعاً؟
صانك الله لبـنان
التيار السيادي اللبناني في العالم / نيوزيلندا |