الكلدان الآشوريون السريان شعب واحد  يسمى بالشعب الآرامي

 

اقرأ المزيد...

  حسين ديبان

     كاتب فلسطيني

hdiban69@yahoo.com

00971507724499


سوريا…قصة موت غير معلن!! 

حين قدم روائي وسيناريست عربي يقيم في دمشق أحد مسلسلاته الى دائرة الرقابة في الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون في سوريا، لم يخطر في باله للحظة واحدة بأن مسلسله سيكون مصيره الرفض من قبل تلك الدائرة، فهو لم يتحدث عبر شخصيات نصه بالسياسة، ولم يتطرق من قريب أو من بعيد لا تلميحا ولا تصريحا لجبهة الصمود والتصدي سابقا ولا لسيمفونية السلام الدائم والشامل والعادل في حينه، كما أن نص مسلسله كان يحاكي الراهن ولاعلاقة له بالتاريخ واسقاطاته على الحاضر السوري، والمسلسل لايُفهم منه أي سوء نية "لاسمح الله" تجاه الدولة السورية الحديثة، ولا يستشف منه أي مساس بقائدها المفدى ورموز بعثه الثوريين.

كل مافي الأمر أن أحد شخصيات مسلسله هو "معلم" في أحد المدارس الابتدائية فرضت عليه قساوة الحياة ومتطلباتها الكثيرة التي لا ترحم البحث عن عمل آخر، ولم يكن هذا العمل سوى أن يكون هذا المعلم واحد من الذين سهروا على نظافة شوارع مدينة دمشق عبر سنوات طويلة، قضاها هذا المعلم متنقلا من شارع الى شارع حتى عرفت ملامحه الطيبة كل تفاصيل الجغرافية الدمشقية،

لم يُكمل الرقيب قراءة الحلقة الأولى من المسلسل حتى ثارت ثائرته، وتورمت عروقه، ليعبر عن رفضه لهذا النص غير الواقعي وغير المسؤول حسب تعبيره، فاستدعى الروائي العربي الى مكتبه ليقول له ان نصك أيها الكاتب مرفوض لأنه يتجنى على واقع سوريا الحديثة المشرق في ظل القيادة الحكيمة، ففي سوريا الحديثة لا يوجد معلم مدرسة يضطر أن يعمل كعامل تنظيفات كي يتمكن من اعالة أسرته، فالسيد الرئيس وهو المعلم الأول أكد دائما على المكانة العظيمة والمتميزة التي يجب أن يتمتع بها المعلم، وهو الذي قال في المعلمين انهم بناة حقيقيون لأنهم يبنون الإنسان، والإنسان هو غاية الحياة ومنطلقها. لقد سقط سهوا بالتأكيد من كلمة رئيس سوريا الراحل أن هذا المعلم وبهذه المواصفات لايوجد إلا خارج حدود سوريا، أما في سوريا فالمعلم كما يعلم الجميع هو ذاك الموظف الذي لا تكفي الليرات القليلة التي يمُن بها عليه حكام دمشق لإعالة اسرته، لذا يلجأ غالبية المعلمين في سوريا الأسد للبحث عن عمل آخر، وهذا العمل الآخر ان لم يكن في مجال التنظيفات الليلية فهو بالتأكيد سيكون واحد من سائقي التاكسي في شوارع المدن السورية.

كان ذلك في عهد ديكتاتور سوريا الراحل، والآن وبعدأكثر من سبع سنوات وأكثر من استفتاء مخزٍ لم يتغير في سوريا شيئا سوى الإسم الأول للحاكم الأول، أقول هذا الكلام لأن ذلك المعلم الذي كان يعنيه الروائي العربي في نصه هو الأستاذ رضوان حسين "أبو اياد"، الذي فارق الحياة قبل أسابيع قليلة وبالتحديد في العاشر من آيار، بعد خمسة عشر يوما قضاها في غرفة العناية الفائقة في احدى مشافي دمشق، بعد أن دهسته سيارة مسرعة أثناء أداءه لعمله الثاني أي وهو ينظف شوارع دمشق.

رضوان حسين أبو اياد هو واحد من عشرات الآلاف من الناس الذين رماهم حظهم العاثر ليكونوا معلمين في سوريا الأسد، إلا أن مايجعل رضوان حسين استثنائيا بكل ماللكلمة من معنى أن خيارات كثيرة كانت متاحة أمامه لا تمنعه من أن يكون عامل تنظيفات ليلي فحسب وانما تجعله يستغنى عن مهنة التدريس أصلا، لأنه لو اقدم على واحد من تلك الخيارات ستفتح له أبواب الحياة الرغيدة على مصراعيها، ولكن أبو اياد كان يعلم ان تلك الحياة لاقيمة لها مادام سيكون ثمنها مبادئه الأصيلة التي عاش وتربى وربى الأخرين عليها. لقد شكل رحيل أبو اياد لكل من عرفه صدمة كبيرة وخسارة جسيمة لا تعوض، إلا أن عزاؤنا الوحيد هو بأؤلئك الطلبة الذين تتلمذوا على يد أبو اياد معنى ان يكسب الإنسان نفسه حتى لو اضطر ان يخسر العالم كله.

جاء على لسان ذات الروائي العربي في نعيه لأبو اياد بأنه كان أكثر من أم عظيمة وكبيرة وحنونة لكل من عرفه، وما أتمناه شخصيا أن يُعيد هذا الروائي في يوم ما أراه قريبا صياغة السيناريو القديم ليتناسب مع هول الفاجعة الكبرى التي ألمت بنا جميعا… يوم لايكون فيه رقيب في سوريا يسمح أو لايسمح بهذا النص أو ذاك… يوم لا يضطر فيه المعلم أن يكون فيه عامل تنظيفات لسنوات طويلة قبل أن تأتي سيارة مسرعة وتختطفه من أهله ومحبيه…يوم تصبح فيه سوريا العزيزة وطنا لأهلها جميعا وليس مزرعة خاصة لبشار وزبانية بعثه الفاسدين.

المقالات التي ننشرها تعبر عن آراء أصحابها ولا نتحمل مسؤولية مضمونها