الكلدان الآشوريون السريان شعب واحد  يسمى بالشعب الآرامي

 

اقرأ المزيد...

  حسين ديبان

     كاتب فلسطيني

hdiban69@yahoo.com

00971507724499


لماذا يطلبون الله في الملمات

051217

 

 

دائما وعبر تاريخ هذه الأمة، كان رجل السياسة يستنجد برجل الدين اذا مااستعصى عليه شيئ ما، أو واجه مشكلة ما، فإذا أراد قتل معارض لجأ لرجل الدين كي يفتي له بكفره وإلحاده وبالتالي يمنحه شرعية إلهية لقتله، وإن أراد هذا الحاكم أن يفعل أمرا يتناقض مع الأعراف والشرائع السائدة، فليس له إلا رجل الدين ليفصل له فتاوي حسب مايطلب، فيصبح الفعل الجرمي شجاعة والفعل المذموم محموداً، وتصبح الخسة والنذالة أصالة وشهامة، ولن يجد رجل الدين حرج أو عناء فيما يبحث عنه من فتاوي وتشريعات لهذا الحاكم أو ذاك، في كتاب يجد فيه هؤلاء كل مايرغبون به من غطاءات الهية لأفعالهم الإجرامية القذرة. 

ولأن النظام الدكتاتوري في سوريا وجد نفسه في ورطة كبيرة بعد إغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري، ولأن هذه الورطة تكبر يوما اثر يوم ولم تنجح في تحجيمها كل محاولات ذلك النظام ورموزه، وفي ظل قناعة شعبية عربية شبه كاملة بأن هذا النظام هو من فعلَ تلك الفعلة الشنيعة، وكون مشاعر وأحاسيس هذه الجموع الشعبية لا تأبه للتحقيق الدولي ونتائجه أيا كانت النتيجة التي سيفضي اليها، فعليه، كان لابد لهذا النظام ورموزه أن يلجأوا الى التحليل الديني الأكثر تأثيرا وتخديرا لتلك الجموع لتغيير قناعاتها، مع يقينهم بأن هذا التحليل مع تأثيره السحري الكبير على تلك الجموع فلن يكون له أي آثار تذكر على سيرعملية التحقيق وتداعياتها، فكان أن دخل على الخط (مولانا) الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي بمحاضرة جمع فيها ما لا يُجمع وقال في سياقها مالا يقال ومالا يتقبله عقل ولا منطق، فأصبح التحرك الدولي للكشف عن قتلة رفيق الحريري في رأيه مخططا للقضاء على الإسلام والمسلمين.

  بدأ السيد البوطي محاضرته بالتأكيد على أنه لايجوز وطبقا لأحكام الشريعة الإسلامية قتل نفس بدون حق، أو بدون موجب قتل، ويتابع مولانا قائلا: مما لا ريب فيه أن أعظم جرم بعد جرم الإلحاد في ذات الله هو قتل نفس بغير حق، واذا كان السيد البوطي يتحدث كذلك فلاداعي لبقية محاضرته، فما الذي فعله الملحد ليكون جرمه أكبر من جرم قاتل النفس بغير حق؟.. إن شرعة من هذا النوع تضع (الملحد) ـ وهو انسان لم يفعل شيئا سوى إعمال عقله بالمعتقدات التي وجد قومه يؤمنون بها ـ في مرتبة جرمية قبل القاتل لَهِيَ القتل بعينه والجريمة بذاتها، لأن حق الإنسان في حرية اختيار معتقده هو حق مقدس لا يجوز الانتقاص منه، فكيف الحال مع ماقاله البوطي بأن اعتبر هذا الملحد مجرما لا بل وضعه أمام القتلة والمجرمين الحقيقيين؟.. واذا كان القاتل يُقتَل في شريعة البوطي، فكيف حال من وضعه البوطي في مرتبة جرمية أمام هذا القاتل، إنها دعوة علنية للقتل بدوافع دينية يصدرها البوطي الذي طالما تغطى بالوسطية والاعتدال، وهو وشرعته التي استند اليها من الاعتدال والوسطية براء.

 إنني أقر أن اغتيال الرئيس ياسر عرفات بواسطة السم إن ثبت ذلك هي جريمة يجب أن يعاقب مرتكبها، وكذلك اغتيال الملك فيصل ومفتي لبنان حسن خالد وكذلك الحال أيضا مع كل الجرائم التي ترتكب ضد الأفراد والشعوب بغض النظر عن ولاءات تلك الناس ومعتقداتها وأعراقها وأجناسها، ويجب أن لا نكون عنصريين في هذا المجال بحيث نعتبر قتل المسلمين جريمة ونبرر قتل غير المسلمين بوصفهم أناس لا يستحقون الحياة. إن حق الحياة هو حق مقدس لكل البشر مسلمين وكتابيين وبوذيين وهندوس وملحدين ووثنيين، ولا يستطيع كائنٌ من كان أن يصنف البشر على قياسه هو وشرعته هو، وإلا سيصبح حينها ليس محرضا على القتل بل قاتلا مجرما وجبت ملاحقته ومحاكمته. وإذا كان ثمة مجال لمحاسبة أحد هؤلاء المجرمين كما تسعى اليه لجنة التحقيق الدولية باغتيال الحريري، فيجب أن لا يطل أحدا برأسه ويطلب اعفاء القاتل حتى يتم كشف ومعاقبة كل المجرمين في كل الجرائم عبر التاريخ!.. إن المنطق الذي يتحدث به البوطي وكثير مثله هو منطق أعوج لا يستقيم ومنطق الحياة والعدالة، كما وانه لا يستقيم مع مايؤمن به البوطي نفسه من أن القاتل يقتل ولو بعد حين. ثم ما هذا الحب الذي فاجأنا به البوطي وحكام دمشق للرئيس الراحل ياسر عرفات، فلم يَخْلُ خطاب أو لقاء للرئيس الأسد ورجاله إلا وأتوا فيه على ذكر الراحل عرفات، فهل تناسوا أن نظامهم قد حاول قتل الراحل عرفات مرات عديدة ولم يفلحوا وللأسباب نفسها التي قتل الحريري من أجلها ـ الحرص على القرار الفلسطيني المستقل وعدم السماح بالتعامل مع فلسطين وأهلها كورقة ضغط وابتزاز بأيدي النظام السوري ـ مع الفارق بأن عرفات عمل لصالح فلسطين، والحريري عمل لصالح لبنان، وهل تناسوا كيف تم طرد عرفات من دمشق وكيف تم سجن مؤيديه وأنصاره ومازال بعضهم أسير المعتقلات السورية حتى الآن؟  وهل تناسوا كيف عملوا على شق صفوف منظمة التحرير الفلسطينية وإشعال نار الحرب الأهلية الفلسطينية بمالهم وسلاحهم؟ والأنكى من ذلك، هل نسي البوطي ماقاله بحق الشعب الفلسطيني وقيادته يوما ما من على منبر أحد مساجد دمشق الشهيرة قبل حوالي خمسة عشر عاما، حين اتهمهم بقلة الإيمان وإن ما يحصل لهم من مآسي يستحقونها بسبب قلة إيمانهم وابتعادهم عن ربهم؟.. وماذا عن الأوصاف البذيئة التي وصف بها يوما وزير دفاع النظام السابق مصطفى طلاس الراحل عرفات؟ إن الغرابة التي أبداها البوطي تجاه حماس الإدارة الأمريكية بخصوص مقتل الحريري وعدم مبالاتها بمقتل الآخرين هي ذاتها الغرابة التي أبديها الأن بخصوص هذا الإهتمام السوري المفاجئ بالراحل عرفات. إن الذاكرة تعجز عن تسجيل كل مااقترفه نظام دمشق ورجاله بحق الفلسطينيين وقائدهم الراحل، وبذات الوقت فإن الشعب الفلسطيني يحفظ بالعرفان والجميل المواقف العظيمة لشعب سوريا الأبي الكريم.

 نأتي لما صوره البوطي في محاضرته من انه مخطط للقضاء على الإسلام مستندا في ذلك لما قاله بوش الجد وبوش الحفيد أو الرئيس الحالي، وكذلك ماقالته مارغريت تاتشر في يومٍ من الأيام؛ والسؤال الذي يطرح نفسه هنا أنه لو كانت تلك الأقاويل على ندرتها في جانبهم وكثرتها من جانبنا مقياسا لسياسات الدول وتعبيراً عن مخططات مرسومة في أذهان أصحابها ينتظرون الفرصة لتطبيقها، فكيف لنا أن نبرر المقولات الراسخة في عقولنا شعوبنا وقادته وأولياء أموره من أن لا دين عند الله إلا الإسلام، وأن الكتابيين من المسيحيين واليهود هم أهل ذمة وأناس من الدرجة الثانية وجب أسلمتهم أو قتلهم أو إخضاعهم لدفع (الأتاوة) وهم صاغرون، وأن غيرهم من أصحاب الديانات التي تسمونها وضعية هم كفار ومشركون وجب قتلهم، وإن الأرض كلها هي ديار للإسلام وجب على المسلمين الجهاد حتى يرفعوا رايات إلههم فوق أطرافها الأربع؟.. ألا يحق للغرب أن يفسر كل هذه القناعات الراسخة في عقولكم على أنها مخطط إسلامي للسيطرة على بلاد الأرض وإخضاع شعوبها؟أم حلال لنا أن نتخيل مخططات وهمية من بضع مقولات اعتذر أصحابها عنها ونحرم بذات الوقت على الآخرين أن يعتمدوا منطقنا الأعوج في التفسير والتركيب والتحليل على الرغم مما تعج به شرعتنا وأدبياتنا من أفكار ومقولات تنفي وتقصي وتستأصل الأخر المختلف؟ إن المسلمين في الغرب (الكافر) يتمتعون بحرية تحلم أن تطالها يا بوطي، وخطباء المساجد في الغرب يخطبون خطبا لا تتجرأ يابوطي أن تقول جزءا يسيرا مما يقولون وأنت في بلدك وبين ناسك! أعتقد بأنه يكفي يا مولانا استدعاء الله في كل ملمة تصيبكم وتصيب إلهك الحقيقي، يكفي هذا التشويه والتجهيل المنظم لعقول البشر، يكفي هذا التحريض على الآخر وتخويف شعوبكم منه هربا من استحقاقات ستدفعها انت ونظامك إما عاجلا أو آجلا.

وللحديث بقية..

المقالات التي ننشرها تعبر عن آراء أصحابها ولا نتحمل مسؤولية مضمونها