اقرأ المزيد...
هل تحرر لبنان فعلاً ؟
حياة عون نيسي
بيروت في : 12/9/2005
هل خرجت سوريا جيشاً و مخابرات ، أم ما زال ظلها الآثم جاثماً على قلوبنا كنا
نظن في الماضي أن حالة الذّل عند رؤسائنا ناتجة عن الخوف من السوريين ، من
بطشهم و هيمنتهم السياسية و الاقتصادية و الامنية .
اما الان وقد عاد السيف الذي كان مسلطاً فوق رقابهم الى غمده ، مما يخافون ،
ولماذا لم يأت التغيير المنتظر ؟
ربما لا يجدر بنا ان نسأل لأن الحقيقة أنهم صنيعة السوريين ، تعوّدوا
الإرتهان حتى غدت طبيعتهم ، كما أن سنين الخضوع الطويلة أماتت في قلوبهم كل
إنتفاضة كرامة ولو ضئيلة .
ماذا ينتظر اللبنانيون من العهد الجديد أم هو ليس بجديد ، ما دام الجالسون
على الكراسي هم هم ، لم يتبدلوا من أعلى الهرم الرئاسي الى أسفله .
و ممن ننتظر الثورة على الوضع اليائس ، أمن نفوس تعايشت مع الخنوع حتى أصبح
شعارها الأبهى ، وتواطأت على شعبها ووطنها حتى أضحى غريباً عنها .
كيف يستفيق لبنان من كبوته في ظل هكذا حكام ، و كيف تستعيد الدولة اللبنانية
هيبتها و حريتها و سيادتها و استقلالها ، وهي تتآكلها مشاكل كثيرة يتطلب حلها
رجالات قرار ، يتمتعون بصلابة و جرأة و لا ترعبهم ضغوط إقليمية و محلية ،
فدولتنا الضعيفة ، ربّت في أحضانها أفاع سامة ، كناية عن دويلات صغيرة ، نشأت
في قلبها الكبير و على اطرافها المبعثرة فنهشت من سيادتها ببطء ، و تغذّت
بدمها حتى فسد ، خاصة وأنها تحولت من تجمعات حزبية صغيرة ، وبؤر طائفية
ملوّثة ، الى مراكز عسكرية مسلحة و محمية من السوريين و غيرهم من الأقارب .
لم تحتجّ الحكومات السابقة المغلوبة على أمرها في الماضي ، لكن الغريب أنها
تعتبر هذا الوضع طبيعي ، فكيف تظن أنها حكومة شرعية ، و قرار الحرب والسلم
ليس في يدها ، بل عند أركان هذه الدويلات .
هل من العدل
مثلاً أن تواجه المخيمات الفلسطينية اسرائيل من لبنان ، أم من الصواب أن تظلّ
المقاومة الاسلامية المعتبرة دولياً في قمة لائحة الارهاب ، هي مركز الثقل مع
اسرائيل؟ و هل من الجائز ان يستمر حكامنا بإغماض أعينهم عن الحقيقة ، إن
بمباركتهم ، أو بتغاضيهم ؟ لكن انعدام وجود رجال القرار في الدولة اللبنانية
، هو الذي يسمح باستمرار هذه الحال ، فمعظمهم لا زالوا ضمناً مرتهنين لسوريا
و مخابراتها ، مما يجعلهم في خوف دائم على مراكزهم الثمينة ، لا يغضبون أصحاب
نعمتهم ، و لاشيء يناسب سوريا أكثر من ذلك ، لأن نشوء دولة لبنانية مستقلة
وقوية يتنافى مع مصالحها السياسية و المالية وكما جرت العادة تأتي الحلول
دائماً من الخارج ، فالدولة الفلسطينية وعَت أخيراً أنها يجب ان تتصرف حيال و
جود هذه المخيمات على أرضنا النازفة ، خاصةً وأن نزاعات دامية تتآكل اللاجئين
، وهي تسعى اليوم لحل هذه النزاعات عبر تمثيل ديبلوماسي مع لبنان ، فسلاح
المخيمات لم يكن له دور مقاوم ولا وظيفة تحريرية ، بل كان مسيئاً للفلسطينيين
واللبنانيين على السواء طيلة خمس عشرة سنة كاملة.
اذا المطلوب اليوم سد هذه الثغرات الأمنية ، و جمع السلاح الثقيل ، الذي
يتزايد كل يوم على مرأى و مسمع المسؤلين اللبنانيين و السوريين ، طبعاً هذا
يحتم على الدولة اللبنانية تقديم حمايتها للمخيمات ما دامت تستضيفها على
أرضها ، على أمل التخلص منها نهائياً ، خاصةً وأنها تحوي مجرمين مطلوبين من
العدالة خارج لبنان و داخله.
أما من جهة حزب الله فالحل يأتي مع القرار 1559 ، الذي يطالب بحل الحزب و
تجريده من سلاحه ، ولكن من يجرؤ في الداخل على تنفيذ هذا القرار ، خاصةً
عندما تهدد المقاومة الاسلامية بمواجهة مع الجيش اللبناني – مع عدم اهلية هذا
الجيش سلاحاً و عتاداً – وأيضا ًبقطع يد كل من يحاول ان يمسّ الحزب ، و
غيرها من النوايا غير الحسنة ، كالحديث عن أكثرية اسلامية بنسبة 70% و أقلية
مسيحية بنسبة 30 % أيريدون بهذا أن يصلوا الى ديكتاتورية الأكثرية و ذمية
الاقلية ، وإن كان هذا صحيحاً –رغم ان الإحصاءات مشبوهة – فمن أوصلنا الى أن
نكون أقلية ، أليست الهجرة المسيحية في وجه العمالة السورية و غيرها التي
تفرض نفسها رغماً عن أنوفنا و بموافقة مسؤولينا ، لأن لبنان لم يعد يتسع لنا
مع المتطفلين من جيراننا .
أهي لعبة خفية طويلة الأمد يراد بها إفراغ الوطن من مسيحييه – سكانه الاصليين
– كي يصبحوا فعلاً أقلية غير مؤثرة في وجه إقامة دولة لبنان الاسلامية و هي
حقيقة لم ينكرها حزب الله يوماً ؟
و هكذا نصل الى المشكلة الأهم في لبنان وهي التعددية ، لكن حكامنا المسيحيين
هم الطرف الوحيد الغافل عن واقعه ، لم يشبعوا بعد من التغني أنهم هم من أحيا
اللغة العربية و إنهم من أهمّ مؤسسي الجامعة العربية – التي تنكر حقوقهم – لا
يعون اأن عالمهم ينهار من حولهم وأن بوتقة العرب تقيّدهم بأغلال الأسر ،
وتتوعدهم بحكم الأكثرية و بنسف الميثاق الوطني الذي يقتضي حكم لبنان بالتوافق
و المناصفة و العدل بين أبنائه ، كأيّ بلد متعدد الثقافات و الهويات و هذا
طبعاً بمباركة سورية داعمة لاتفاق الطائف الذي عظم شأن المسلمين و جعل من
المسيحيين دمىً متحركة لا شأن لها .
قد تكون سوريا خرجت من لبنان عسكرياً لكنها بالتأكيد لم تخرج من عقول حكامنا
، وهي ليست بحاجة أن تبقى على مخابراتها داخل الدولة ، لأن المسؤولين
اللبنانيين أنفسهم ، تحولوا الى مخابرات سورية ، يحملون عارهم كل يوم بوجه
الشرعية الدولية و قراراتها ، و ما لم يتخلصوا من هذه التبعية المريضة لن
يتحرر لبنان من سوريا حتى ولو كانت خارج أراضيه ، لأن بلداً لا يحكمه رجال
قرار ، مستقلين بافكارهم و أرواحهم لن يعرف الحرية مطلقاً ، و سيبقى عرضة
لتدخلات خارجية ، و كما يقول الشاعر :
"ما كانت الحسناء ترفع سترها لو أن في هذه الجموع رجالا "