عاشت الأمة الآرامية بجميع طوائفها حرة أبية
 

حميد عواد*

 

*مهندس و أكاديمي باحث في الشؤون اللبنانية


الوحش يفترس حتّى مروّضه

 أسلم الحلول للمشاكل والخلافات هو الحوار و"التفّهم والتفاهم" بتحكيم المنطق وإدراك حدود الحقوق والواجبات.

 الظلم والقهر والتنكيل والحرمان والاستبداد والذلّ هو خليط متفجّر يحشو أحشاء المظلوم مرارةً وغضباً ينتظران صاعقاً وشرارةً ليتفجّرا ثورةً نجاحها مرهون بالحفاظ على نقائها وتوفّر قيادة متفانية وفطنة وشجاعة.

  الثورة المسدّدة نحو الأهداف المحقّة تبلغ غاياتها خاصّة إذا افتداها أهلها وقادتها ببذل تضحيات نفيسة.

 لكن إذا أصابها الوهن والتشتّت و"غزاها" الإنحراف ألمّ بأهلها الخيبة والإحباط والضياع.

 كما أنّ "الفورة" التي لا تستند إلى قضيّة محقّة تتحوّل إلى فوضى خلّاقة مآسٍ وحروب وفقر وجوع ونزوح.

 الثورة على النظام في سوريا غُزلت خيوطها وخيوط غريمها على محاور إقليميّة مذهبيّة متنازعة وتسلّل إلى متنها منحرفون همّشوا الممثّلين الأصلاء لمعارضي النظام وسطوا على حيّز كبير من الأراضي السوريّة مشكّلين عقبة كأداء تعترض مسار كلّ مبادرة لحلٍّ سلميّ يوقف النّزف ويؤدّي إلى ترميم الفسيفساء التي تشلّعت.

  وفي العراق أدّى إسقاط النظام البعثيّ وحلّ كلّ مؤسّساته، دون تأمين بديل ملائم ومؤهّل وقادر على إنجاز وإحلال التحوّل الديمقراطيّ، إلى تفكّك الموزاييك البشريّ الذي يتركّب منه المجتمع العراقيّ وإلى فتح المجال لإختراق إيرانيّ رجّح كفّة نفوذه وأشعل حرباً أهليّة مذهبيّة أبرزت دوراً متعاظماً لجماعة من المتطرّفين المنحرفين نصّبوا أنفسهم حماةً لأهل السنّة وتوسّعوا في انتشارهم داخل الأراضي السوريّة.

  كذلك في ليبيا عدم التحضير الكافي لإعداد فريق من الأركان الكفوئين لإيكالهم إدارة المرحلة الإنتقاليّة لإعادة بناء الدولة بعد إسقاط القذّافي والتسليح العشوائيّ لمختلف المليشيات أغرق ليبيا في دوّامة دمويّة شبيهة بحرب عصابات تتناتش السيطرة على آبار البترول وأرصدة النفوذ في الدولة الليبيّة.

  تتفق الدول على أولويّة اجتثاث الإرهاب وتقصف تجمّعاته من الجوّ لكن تفشّيه في مناطق سكنيّة سيطر عليها تجعل المهمّة صعبة

ما لم يكن التصدّي البرّي له فعّالاً وحاسماً. إيران وروسيا تستفيدان من الأجواء السائدة لتبرّرا التزامهما الوثيق الإنخراط لحماية النظام السوري بينما تحالف الدول الغربيّة والعربيّة تدعم معارضة معتدلة نافستها فصائل متطرّفة ارتكبت الفظائع.

  لا شكّ أنّ تهافت الدول الإقليميّة لإقتطاع أنصبة من النفوذ في الأنظمة الجديدة تتعارض مع بناء هيكليّة ديمقراطيّة استهدفها التغيير أساساً هو عامل نسف الجهود وعمّم الفوضى في الدول المأمول ترميمها "بحلّة" جديدة معاصرة.

 إستشراء الفوضى أمّن مناخاً خصباً لنمو إرهاب لفح لظاه دولاً إقليمية وخارج منطقة الشرق الأوسط أيضاً وسبّب أمواجاً من النزوح البشري الهائل من مناطق الصراع (أهمّها سوريا) نحو أوروبا إضطرت إلى البدء باحتوائه خاصّة بعد تركيز الأضواء الإعلاميّة على صورة جثّة الطفل إيلان كردي (غرق معه أخوه وأمّه) الذي جسّد مأساة المخاطرين بأرواحهم وأموالهم بركوب مراكب مكتظّة معرّضة للغرق  خلال إبحارهم مع "قباطنة" يقلّونهم "خلسةً" من تركيا وشمالي أفريقيا نحو الجزر اليونانيّة والإيطاليّة.

 فيما يغرق اليائسون في لجج المتوسّط يغرق اللبنانيّون في اكوام النفايات (ومنها الأطعمة والأدوية الفاسدة) والعتمة والعطش وزحمة السير والتلوّث وفساد البيئة السياسيّة والإدارات العامة والمخاطر الأمنيّة والبطالة والعوز والحاجة إلى العناية الصحّية والتعليميّة وتوفير فرص العمل.

 لقد رمى العديد من السياسيّين في لبنان ولاءهم الوطنيّ ومصالح المواطنين والدستور والقوانين في ""سلّة النفايات" خاصّة الذين    اختطّوا بسلاحهم الفئويّ فتاوى دستوريّة غير مألوفة تجعل من إرادة أوليائهم القدر الذي لا يُردّ. فالمشاركة في عرفهم هي بصم الآخرين على ما يرتأونه وإلّا  يصبّون ضغوطهم لشلّ عمل المؤسّسات وتعطيل الإستحقاقات وتفويت المنح والهبات والقروض والمشاريع المنتجة  كما هو حاصل حاليّاً

 لا ينفع انتظار نقل اللبنانيّين قضاياهم إلى الشارع للتعبير عن نقمتهم كما بدأ يحصل ولا يفيد محاولات ركوب موجات الإعتراض وإدعاء أبوّتها لتبرئة الذمّة فالأوضاع لا تطاق والكلام عن "ابتزاز" مشاريع استخراج الغاز والنفط للحصول على عمولات و"استخلاص" المال من النفايات فاحت رائحته وراجت أخباره.

 الدول الصديقة على استعداد لتقديم المساعدة للتخلّص الملحّ من النفايات (شحنها خارج لبنان أو استحضار باخرة تعالج على متنها والمساهمة في بناء معامل تحويليّة) وقد ذكر السفير سمير شمّا عن عرض من الحكومة اليابانيّة لبناء معمل تحويليّ نام في أدراج المجلس النيابيّ لسنوات

 فقط فاقد الوعي أو الإحساس أو المخدّر ضميره لا يأبه  لما يجري في المنطقة وللضغوط التي تنوء بثقلها على اللبنانيّين فإلى متى الإصرار على إبقائهم "أيتاماً" بلا رئيس للجمهوريّة؟

 هل من مستشعر للخطر الذي تنبئ عنه التبليغات الإجراميّة والإرهابيّة التي بدأت ترد من إصابة طائرة نائب رئيس مجلس الوزراء  السابق ورئيس منظمّة "الأنتربول" الحالي الياس المرّ برصاصة "غامضة" المصدر في طريق عودته من دبي (وهو الذي استُهدف بسيّارة مفخّخة في العام 2005 ونجا بأعجوبة) إضافة إلى اغتيال الشيخ وحيد بلعوس؟ 

 *أكاديمي مواظب على تحرّي الشؤون اللبنانيّة

المقالات التي ننشرها تعبر عن آراء أصحابها ولا نتحمل مسؤولية مضمونها