عاشت الأمة الآرامية بجميع طوائفها حرة أبية
 

حميد عواد*

 

*مهندس و أكاديمي باحث في الشؤون اللبنانية


سوريا:هل تتلاشى الدوّامة وتنجلي الرؤية عن منفذ منقذ؟

دوّار الصراع في سوريا جذب فصائل خارجيّة وزجّها في خضمّ النزاع المأساوي وغير المتكافئ الذي كان يمكن تلافي ويلاته من إزهاق للأرواح وخراب وتشرّد وبؤس لو أنّ النظام احتكم إلى الحوار ولم يقمع انتفاضة شريحة وازنة من الشعب بالقوّة والسلاح.

"وارث" الحكم عن أبيه أوحى عند تسلّمه مقاليد الحكم أنّه سيفسح المجال لإشراك قادة الفكر والرأي من "نقّاد" مساوئ احتكار السلطات من أركان "السلالة" المعروفة مع بطانتها تحت مسمّى "الحزب القائد" ومحور الممانعة. لكنّه ما لبث أن تقمّص بطش أبيه ورمى مفتتحي المنتديات السياسيّة في السجون سنين عديدة فيما أفرج بعفو "خاصّ" عن مجرمين ك"شاكر العبسي".

واستفاقت غريزة القمع الدمويّ الذي قضى على المنتفضين ضدّ حكم الأب سنة ١٩٨٢ (٢-٢٩ شباط) في حمص وحماة فتجدّدت المأساة في عهد الإبن.

لكنّها توسّعت وتحوّلت مواجهة بطش قوى النظام تدريجيّاً إلى مقاومة مسلّحة مؤيّدة مبدئيّاً واستهدافاً لكنّ تنوع تركيبها واختراق النظام مع عصب ارهابيّة لها بلبلها وأضعف قرارها واستقطب جهوداً لتنظيمها وتنسيق نشاطها وتنقية صفوفها من العناصر الهجينة.

كما استثار تحفّظات ومحاذير وتردداً لدى الدول الغربيّة في مدّها بسلاح كفيل بحماية الثائرين وصدّ هجمات جيش النظام وحلفائه المزوّدين بأحدث الأطرزة من الأسلحة والتجهيزات.

قد يختلف طابع النظم الاستبداديّة بين ثيوقراطيّة و "قوميّة" لكن جوهر طبعها وسلوكها هو الشراسة وقمع وخنق الرأي المخالف وسفك الدماء. وعندما ينبذها ويعاقبها ويقاطعها المجتمع الدوليّ تستجمع قواها ومصادرها ورشاواها وأقنية تواصلها السرّية وتصيغ الأحلاف.

إنّ حلف النظامين الإيرانيّ والسوري نُسج على هذا المنوال لصبّ روافد المصالح "المشتركة" في الجعبة الإيرانيّة الواسعة الاستيعاب. وبتأثير هذا الاحتكاك لمع العصب المذهبي في النظام السوري بعدما كان كامناً ومنكوراً.

يستند هذا التحالف إلى تمويل وتسليح وتنسيق عضوي استخباري وعسكري بلغ درجة الاندماج وإلى تموين ودعم روسيّين. وطبقاً لرجاحة الثقل الإيرانيّ نما نفوذ نظامه وتعاظم ودفع هذا الأخير إلى "الدفاع" عن امتياز مكتسباته بدعم شامل ل"محميّه" بلغ حدّ "إيفاد" "صريح ومعلن" لمقاتلين من "حرّاس ثورته" المستنسخين في لبنان بتفويض مذهبيّ لدعم جيش النظام السوري.

وكان لهذا الإمداد أثره الحاسم في اكتساح "القصير" الذي يُصوّر الآن ك"تمرين" لما قد يحصل خلال اقتحام "محتمل" ل"الجليل".


ولمزيد من اكتساب الخبرة في الاقتحام جُيّر الإمداد لجبهة حمص وربّما حلب حاليّاً أو لاحقاً.

وهذه "الحميّة" سبّبت استقطاباً مضادّاً وصل حدّ دخول "حركة طالبان" على الخطّ وبداية انخراطها في المعترك ضدّ جيش النظام وحليفه.

طرأ هذا الحدث فيما يصطدم الجيش السوري الحرّ ب"جبهة النصرة" (التي تزعج تدابيرها وسلوك مثيلاتها في "تطبيق الشريعة" السكّان المحليّين ممّا دفع أيضاً مقاتلي حزب الاتّحاد الديمقراطي الكردي إلى الاشتباك مع "مجاهديها" وطردهم من مدينة رأس العين في محافظة الحسكة الحدوديّة) على خلفيّة السيطرة الميدانيّة وقد زاد الوضع تأزّماً اغتيال هذه الجبهة لأحد أعضاء القيادة العليا لهيئة أركان الجيش الحرّ.

إنّ بروز وتفاقم هذا الخصام يستنفد من طاقة الجيش الحرّ ويلهيه عن معركته مع النظام لكنّه يطمئن الدول الراغبة في دعمه والمتردّدة في الإقدام على تزويده بالأسلحة والأعتدة المتطوّرة خوفاً من تسرّبها إلى منال "شاهري الجهاد" و"الجهاد المضاد".

تنظيم ائتلاف المعارضة ضروري لإشراك كافة شرائح المجتمع في صياغة نظام حكم مدنيّ جديد ورشيد يؤمّن انتداباً أميناً للسلطة عبر أفراد وهيئات موثوقة ويكفل سريان القانون وانسجام سلطات متوازنة ويوفّر الحرّية والعدالة والكرامة ويحمل لقاح مناعة تحبط وتخيّب انقضاض عصب السفّاحين. بناء هكذا صرح ديمقراطيّ يضمن عدم تكرار ما حصل في مصر حيث قفز فريق الإخوان المسلمين الأكثر تنظيماً إلى الواجهة بعد ادّعاء التقشّف والتزهّد بالمناصب وامتطى موجة التغيّير واندفع بزخم حركة تيّار الجماهير وانقضّ على السلطة.

فما إن وصل إلى قمّة الهرم حتّى انكبّ ممثلوه على احتكار السلطات واختطاف المناصب وتعديل الدستور و"أخونة" المناهج التعليميّة لدسّ عقيدتهم وترسيخها في مرافق ومؤسّسات الدولة بدءاً بالرئيس مرسي وصولاً إلى مجلس الأمّة ومجلس الوزراء حتّى استنفدوا حيلهم وطاقاتهم دون إحراز نجاح يُذكر.


ومع استيعاب الصدمة وانتعاش الوعي انتفضت بقيّة شرائح المجتمع مطالبة بعزل الرئيس مرسي وهكذا كان بدعم الجيش بعد رفض الرئيس تكراراً القبول بالدعوة إلى انتخابات مبكّرة والاستجابة لمطالب الجماهير المعترضة.

نفَس هذه الانتفاضة لا بدّ أن يلفح ليبيا التي تهزّها فوضى الفصائل المسلّحة وضعف مركزيّة السلطة وصولاً إلى تونس حيث اصحاب الغرائز البهيميّة المتخلّفة ينكّلون تباعاً بالقيادات العلمانيّة المعارضة (إغتيال محمد البراهمي بعد شكري بلعيد).

تُجمع الدّول النافذة من اميركا وأوروبا إلى الدّول العربيّة وروسيّا على تركيز الجهود لإرساء حلّ "سلميّ" للأزمة السوريّة مدوّن بدم الضحايا وممهور بتطلّعاتهم يضمّد الجراح ويصلح الخراب ويغسل الرواسب وينتج مشاركة شاملة لكلّ شرائح المجتمع السوري في بوتقة نظام ديمقراطيّ يضمن الحرّيات ويؤمّن تداول السلطة.

بروز قيادات جديدة منفتحة في المنطقة قد يسهّل الولوج في سبل الحلول لكن تعقيدات الانخراط في هذا النزاع متشعّبة وإنجاب توازن يحفظ للفرقاء الأساسيّين موقعاً نافذاً ليس بالأمر الهيّن.

المقالات التي ننشرها تعبر عن آراء أصحابها ولا نتحمل مسؤولية مضمونها