عاشت الأمة الآرامية بجميع طوائفها حرة أبية
 

حميد عواد*

 

*مهندس و أكاديمي باحث في الشؤون اللبنانية


لبنان محميّة تراث عالمي

سرّ المعرفة يكمن في توق متأجّج ومتنبّه إلى التجواب في آفاق العالم للتواصل مع بشره وإكتشاف خزائنه والتنقيب عن كنوزه.

وسكّة التطور تحرث حقول المعرفة والإختبار وتستغلّها وتُجوِّد البذار والشتول لإعادة زرعها وإنتاج جيل يتفوّق على ما سبقه ويمهّد السبيل للإرتقاء نحو الأفضل.

لكنّ نجاح هذه الجهود المطّردة يتطلّب تنشيطاً وتحفيزاً وصقلاً متواصلاً لطاقات الدماغ البشري.


فالبلادة الذهنيّة والعقم الفكري والتقلّص الثقافي والتكلّس العقلي يُميت خلايا الدماغ ويُغوِّرها في سبات موت سريري.

أمّا التحريض الغرائزي فيحاصر الفكر ويسدّ مجاري اليقين ويعطّل العقل ويهشّم الفهم ويلهب النزعة البهيميّة.

الإنسياق الغرّار وراء مشعوذين "يضربون المندل" ويحقنون سمّ الحقد في دسم القداسة المزيّفة، يورّط في التخلّف والتناحر وإرتكاب جرائم فظيعة.

السيول المتدفّقة من حمولة الربيع العربي تسرّب إليها وركبها بعض المشعوذين الذين يفسدون وعودها.

العالم المتحضّر يترصّد هذه الأخطار فيما يدعم بحذر الإنتفاضات الشعبيّة على أنظمة الطغيان والفساد للتأكّد من عدم إنحرافها نحو طغيان خطير يدّعي الإنصياع للإرادة الإلهيّة وتنفيذ أوامرها وبسط ملكها على الأرض معتبراً معترضيه كفّاراً يحلّل سحلهم.

المتبصّر يدرك أنّ التصميم الإلهي يحتضن كلّ البشر ويهدف إلى تهذيب السلوك الإنساني وإشاعة الإنسجام والوئام والتحابب والتعاضد بين الأفراد والجماعات على إختلاف أعراقهم وثقافاتهم وعاداتهم ولم يقصد أن تعطيه كلّ جماعة وصفاً وتفسيراً حصريين يجعلها "خاصّته" ويرذل ما عداها.

الصدامات ناشئة من تناقض تيارات الحداثة الحضاريّة وتلك "المدفونة" في "مقابر" البداوة المحفورة بكلمات ملتبسة التفسير أو خاطئة التعليل يُفرَض الإلتزام بها دون نقاش.
"فرسان الجاهليّة يمتطون صهوات جيادهم" مُستنفَرين لشنّ هجماتهم على مناوئيهم من "قبائل" أخرى ومن المعاصرين مقترضين من صناعة العصر سلاحها وبعض تقنيّاتها لا فكرها وروحها.

بدل التمثّل بعظماء التاريخ مفكّرين وفلاسفة وعلماء والمشاركة الإيجابيّة في النهضة الكونيّة إغناءً وتطويراً تتحنّط عقول المتخلّفين كمومياءات راقدة في دهاليز التاريخ تشرئبّ منها لمقاومة التغيير وتجميد زخم التقدّم.

الأنظمة العسكريّة الإستبداديّة المتدثّرة بالشعارات القوميّة والعقائديّة رغم محاربتها لأصحاب النزعات التكفيريّة أسهمت بجورها وفسادها بتمهيد فرص إستغلال هؤلاء سيّئاتها لترويج "بضاعتهم" مدّعين أنّهم المنقذون.

لكنّ أنظمة أخرى ثيوقراطيّة وسلاليّة تتنافس فيما بينها بشراسة وتحاول حماية بناها بإبعاد كأس التحوّل الديمقراطي وتداول السلطة إمّا بإستعداء الدول الكبرى او إسترضائها و"تنفيعها" ومنحها إمتيازات من ناحية وتبنّي الإنتفاضات الشعبيّة من ناحية أخرى مؤمّنة، عن تصميم مسبق أو سوء تقدير، التغطية لعُصب متزمّتة إرتدّت عليها أوسترتدّ لاحقاً للإطاحة بها وإستبدالها بما هو أسوأ.

الحكمة تقتضي تفادي أخطاء بالغة السوء أرتكبت سابقاً والمبادرة إلى إلتزام وحماية مبادئ حقوق الإنسان نصّاً وروحاً وثقافة وتنفيذاً وعدم التهاون مع منتهكيها ومنع هؤلاء من التسرّب إلى الصروح الحضاريّة لتخريبها ومنها صيغة لبنان الإنسانية السامية التي جعلته قبلة الأنظار وموئل حرّية لاحرار الشرق لكن وللأسف هدفاً لمتطرّفيه الذين لا يطيقون سعة الفكر والإنفتاح والأراء الحرّة.

مطلوب من أحرار لبنان وعشّاق صيغته بذل كل جهد وتضحية مهما غلت للتشبّث بأرضه وحماية نظامه ونسق عيشه المثالي.
يكفي الإصغاء إلى نداءات الشهداء الأبرار الدائمة التردّد في وجداننا والمحفورة على مدى تقويمنا الزمني لنعي ضخامة التضحيات المبذولة لصيانته.

إذا قُيّض للجهل أن ينجح في إفساد الحياة في لبنان فليدرك العالم أن مجتمعاتهم تتعرّض لهجمات مماثلة.

لذا سلامة لبنان من سلامة مجتعات كلّ الدول بل المجتمع البشري الشامل.

حريّ بلبنان أن يُعلن محميّة تراث عالمي وليتقاطب أحرار الدنيا لصدّ التعدّيات عليه!

المقالات التي ننشرها تعبر عن آراء أصحابها ولا نتحمل مسؤولية مضمونها