عاشت الأمة الآرامية بجميع طوائفها حرة أبية
 

حميد عواد*

 

*مهندس و أكاديمي باحث في الشؤون اللبنانية


رصيد الوطن: أرواح الشهداء ووفاء الأحياء

عندما تعقد قوى شرّيرة متقنة التنظيم والتدريب والتجهيز عزمها الشرس على الهيمنة عبر الترهيب والتخريب وبخّ السموم في الأجواء وزهق الأرواح، يعصى عليها إختراق مجتمع وثيق التضامن فيما يسهل عليها الفتك بالمفكّك أوالضعيف المناعة والمحدود الإمكانات .

ظروف قاهرة وتعجيزيّة ومأساويّة طوّقت لبنان وأنتهكت حرماته ونكبت أهله وشتّتتهم وإختلست ولاء فصائل منه جُعلت مطيّة لسيطرة الطامعين فيه ومعيقاً لجهود أحراره المبذولة لإنهاض مؤسّسات الدولة وتمتين سلطاتها، فهان إستهداف قياداته السياديّة بسلسلة إغتيالات شنيعة.

بعد "إنبثاق" "تعليق" موّقت للنشاط الإجرامي إثر عقد إتّفاق الدوحة (21 أيّار 2008) دام حتّى تفاقم العقوبات الدوليّة وإحتدام الأزّمات الداخليّة على أُقنومي (أو إقليمي وسط وطرف) الهلال المذهبي الموشّح، إلتهب مجدّداً الشبق لتصفية الأُباة العاصين على طغيانهما داخل بلديهما وفي لبنان.

في إيران حصار للمعارضة لإخراسها وفي سوريا تخبّط في قمع دموي لثورة الشعب، أمّا في لبنان فأستهداف متجدّد لأركان ثورة الأرز وقادة بارزين من مؤسّسات الدولة.

تمهيداً للقتل تواتر التهديد والوعيد وشاعت في وسائل الإعلام أسماء المرشّحين للإغتيال من شخصيّات أمنيّة (ريفي والحسن) وسياسيّة(الحريري، السنيورة، جعجع، زهرا، سامي الجميّل،حرب) ممّا دفعهم لإتخاذ تدابير إحترازيّة فآثر رئيس الوزراء السابق سعد الحريري البقاء خارج لبنان.

وإستُهدفت هذه الشخصيّات بوابل من خطابات التهجّم والتخوين الصادرة عن أقطاب المحور الإيراني-السوري والأجرام التي تدور في فلكه.

تمخّضت هذه التهديدات عن محاولتي إغتيال للدكتور سمير جعجع والنائب بطرس حرب باءتا بالفشل.

لكن فشل هاتين المحاولتين لم يلجم زخم الهجمة الهمجيّة. بل إنّ إعتقال فرع المعلومات لمستشار الرئاسة السوريّة ميشال سماحة، متلبّساً بنقله "حمولة" أُفيد أنّها متفجّرات "تسلّمها" في دمشق، زادها إتّقاداً وإحتداماً لتتفجّر في سيّارة مفخّخة قضت على رئيس هذا الجهاز العميد وسام الحسن ومرافقه وسبعة أشخاص وأوقعت مئة جريح وخلّفت الكثير من الدمار.

إزاء هذا الإعتداء الأثيم، الذي أزهق نفوساً عزيزة وسبّب خسارة وطنيّة كبرى، نشارك أهالي الشهداء والمصابين مشاعر الأسى والمرارة والغضب آملين أن يبلسم تعاطف اللبنانيّين الجراح ويسكب العزاء في القلوب الثكلى كما نتمنّى للجرحى الشفاء العاجل.

كلّ من عرف الشهيد العميد وسام الحسن يشيد بمناقبيّته ودماثة أخلاقه وحدّة ذكائه وتفانيه في تأدية واجباته كرئيس لفرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي. كما أنّ الإنجازات التي حقّقها تشهد له بكفاءاته وحنكته وبراعته.

إنّ إكتشاف المجرمين موعد عودته من السفر المفترض إحاطتها بالسريّة وتقصّي تنقّلاته، تثبت أنّ عيونهم حاضرة في خبايا المطار وفي ذاكرة حواسيب الرحلات إذا إفترضنا أنّه عاد عبره كما أنّها متخفّية في ثنايا تحرّكاته ومسترقة السمع على أثير إتّصلاته.

وهذه عمليّة مخابراتيّة متطوّرة تتطلّب الكثير من التخطيط والتجهيز والتنسيق بين عدّة أطراف متغلغلة في مرافق الوطن ومعروف من يملك هذه الإمكانيّات والنفوذ الضروري لتطبيقها.

هذا الواقع الشاذ ينكأ جراحنا ويذكّرنا أنّ المطار مطوّق بمعقل فريق مسلّح "ذاتيّ النفوذ" ومتخفٍّ في داخله يحتلّه غبّ مشيئة قيادته وينفّذ أوامرها. منشآته وتجهيزاته وطائراته وطواقمه ومسافريه رهائن دائمين لديه.

لقد أستعرض في السابق "مناورة" مرئيّة (تنبئنا عن الخفيّة منها) أحضر خلالها شخصيّة أمنيّة سابقة من الطائرة إلى صالون الشرف وواكبه إلى منزله مؤمّناً له الحصانة من إستدعاء قضائيّ.

لذا ضمانة لأمن المسافرين لا بدّ من تشغيل مطار القليعات وإعادة إطلاق الخطوط البحريّة بين لبنان وقبرص وحتّى داخل لبنان بين مدنه الساحليّة لتسهيل تنقّل أهله وحلّ مشاكل إزدحام السير.

لقد أنهك اللبنانيين توالد المصاعب والمخاطر وتناسخ أشباح الإجرام، فإضطرّوا ودُفعوا للخروج من ديارهم بحثاً عن ملاذ آمن ولقمة عيش. وطفح كيلهم من تعصّب وشذوذ وتهوّر أصحاب الدعوات والعقائد العدائيّة المتطرّفة، ومن إستئثار فريق بالقرار الوطني بقوّة وتهويل سلاحه رافضاً الإنضواء في كنف سلطة الدولة الجامعة والحاضنة كلّ أبنائها. فيما ثابر على السعي بكلّ طاقاته لإحكام قبضته على كلّ السلطات وتوسيع رقعة إنتشاره وطغيانه على غيره لتهميشه وصولاً إلى بسط السلطان المطلق لمرشد بايعه الطاعة العمياء.

السعي الصادق للشراكة المنصفة في الحقوق والواجبات ينتج عن إنتماء أصيل ووفيّ وراسخ إلى وطن يصون تنوعّه ويسوس ابناءه بحدب وعدل إستناداً إلى دستور وأحكام نظام ديمقراطي يحفّز طاقاتهم وينشّط مبادراتهم وينظّم علاقاتهم.

المواطن الصالح يجيّر فوائد علاقاته الخارجيّة لخدمة وطنه ولا يقيّده بإرتباطاته الخاصّة ويسخّره لمصالح هجينة على حساب حريّة وكرامة وسلامة وعافية بقيّة مواطنيه.

حماية الوطن تتطلّب تضافر جهود المؤمنين به وتعزيز قواه الأمنيّة والعسكريّة الرسميّة المولجة بهذه المهمّة من تكليف شعبه. وكلّ من يرغب في التمرّس بهذه الحماية عليه الإنخراط أو التدرّب في مؤسّساته العسكرية ويكون الجميع جاهزاً للدفاع عنه وقت الملمّات وعندما يستدعيه واجب الدفاع عن وطنه.

إنتزاع العميد وسام الحسن إغتيالاً يخلع حجراً أساسيّاً من عقد البنيان الأمني الحامي للوطن ويذكّرنا بخسائر وضربات سُدّدت سابقاً إلى هذا البنيان العريق فقدنا خلالها الشهداء العقيد فرنسوا الحاج والرائد وسام عيد والنقيب سامر حنّا دون أن ننسى محاولة إغتيال الرائد سمير شحاده.

نوجّه تحيّة إجلال وتقدير وإكبار لكلّ شهداء الوطن، عسكريين ومدنيين، قياداتٍ وأفراداً، ونعاهدهم على مواصلة الجهود لحماية الوطن والحفاظ على صيغته الحضاريّة وإحباط خطط تشويهها.

المقالات التي ننشرها تعبر عن آراء أصحابها ولا نتحمل مسؤولية مضمونها