عاشت الأمة الآرامية بجميع طوائفها حرة أبية
 

حميد عواد*

 

*مهندس و أكاديمي باحث في الشؤون اللبنانية


حتى يبقى رفيق الحريري حيّاً يرزق

080211

عام 2005 في اليوم الذي كرّس لتبادل العشاق و المحبين عرابين المحبة و الوفاء، زوّد عشاق الإرهاب و الكيد و الغدر و الضغينة و الحقد و الإجرام عملاءهم بطنّ من المتفجرات ليترصّدوا و يغتالوا بوحشية زلزال التفجير رجلاً كبير القلب، عصامياً مكافحاً مجتهداً صادقاً، تدرّج في تسلّق سلّم النجاح حتى بلغ قمم المجد و غدا عن إستحقاق قائدأ رؤيوياً و عنفوانياً ملهماً للأجيال، لكن مثيراً بشموخه لغيظ أباطرة الإستبداد، إنه رجل الدولة المرموق لبنانياً و عربياً و عالمياً رفيق الحريري.
لقد سلخوه عن وطنه، في ذلك اليوم المشؤوم، و فجعوا محبيه الكثر و هزّوا أركان جنّة العمران و موئل الأمل و الخير.
كان، رحمه الله و طيّب ذكره، رجل دولة متألقاً يستشرف المستقبل و يحضّر له البشر و الخطط و العدة ليضمنه مشرقاً و مزدهراً.
طمح إلى إحياء رسالة لبنان الحضارية بعد طول تشويه، فعزّز الوئام و مدّ جسور التفاهم و الثقة بمساهمة في هندسة "إتفاق الطائف"، كما منح من خلال "مؤسسة الحريري" نعمة تحصيل الدراسة الجامعية لأكثر من خمسة و ثلاثين ألفاً من الشباب و الصبايا فضخّ في قلب و عروق الوطن نفحة حياة منعشة و قوة دفع لا يستكين لها نبض.
فكان ذلك أسمى و أجدى إستثمار يمكن توظيفه لتموين المستقبل و إغناء دور و تراث لبنان في الريادة و الرقي.
إقتحم رفيق الحريري قبب النجاح بقبوله تحدّ لم يجرؤ عليه غيره، فتعهّد بإنجاز بناء فندق بسرعة قياسية و كان على مستوى التحدي فوفى بعهده و بنى أساساً متيناً لصدقيته و زرع بذوراً خصبة لنجاحه اللاحق و أثبت أنه رجل المهمات الصعبة كي لا نقول المستحيلة.
بعد تسجيله النجاح تلو النجاح و بنائه شبكة شركات متنوعة و عقده علاقات شخصية وطيدة مع قيادات عربية و عالمية بارزة، و بعد إعتياده على لذة حصاد غلّة الخير و متعة إنجاز المشاريع العمرانية و فرح تحقيق الأحلام واقعاً، إختلجت في وجدان رفيق الحريري ذروة النشوة بتحقيق حلم إعادة بناء لبنان، دولة سيدة حرة مستقلة و حاضرة عمرانية رائعة تليق بعزة و طموح أبنائها.
فكرّس الرفيق بمحبةٍ و تفان ٍ قدراته و أرصدته المادية و المعنوية لخدمة وطنه و خاض المعترك السياسي فمحضه إخوانه اللبنانيون الثقة و عقدوا عليه الآمال، فقاد كتلة نيابية عريضة و ترأس غالبية المجالس الوزارية و أنطلق بمشاريع الإعمار في ظلّ هيمنة سورية خانقة كبّلت المؤسسات و أعاقت النهوض.
و رغم ذلك حقق الرئيس الحريري إنجازات ضخمة بفضل تصميمه و مثابرته من جهة، و صبره و حنكته و حكمته في التعامل مع ديناصور النظام السوري من جهة أخرى.
و لأن حلم هذا القائد متوّج بإكليل الحرية و السيادة و الإستقلال لوطنه، و لأن نضال الأحرار لنيل هذا الهدف ما إستكان، تبنى المجتمع الدولي هذا التوق المشروع و شقّ طريقه بإصدار قرار مجلس الأمن 1559.
و كان غضب الديناصور لمحاولة إخراجه من مرعاه الخصب مروعاً، فقذف ألسنة لهبه على موكب الرئيس الحريري بتفجير إرهابي ضخم إستشهِد على أثره الرئيس الحريري و الوزير باسل فليحان و لفيف من المرافقين و المجاورين لموقع التفجير.
فُجعت النفوس الحرة و الأبية في لبنان لفقدان الرئيس الحريري و صحبه وكان غضبها بحجم الإنفجار الآثم فبعد مأتم حاشد تقاطب أبناء العزة و الحرية و الكرامة من كل أنحاء لبنان و طافوا في تظاهرة ضخمة أستحقت تسمية "ثورة الأرز" يوم 14 آذار 2005، طالبت بخروج جيش النظام السوري من لبنان و محاكمة المتورطين في تدبير هذه الجريمة الشنعاء.
و هكذا حقق شهيد لبنان بمماته إنجازاً جليلاً يضاف إلى إنجازاته الباهرة خلال حياته، ألا و هو إنبعاث الوحدة الوطنية بين معظم شرائح الوطن.
لكن للأسف البالغ إن الذين يضمرون صيغة مخالفة لتطلعات اللبنانيين في العيش الآمن و الهانئ في كنف دولة قوية ديمقراطية سيدة حرة مستقلة ما زالوا يدورون في فلك رعاتهم، متمسكين برؤيتهم الهجينة للوطن و بتحصنهم في معاقلهم الخارجة عن سلطة الدولة و بإنسلاخهم عن بقية المواطنين.
و قد بلغت حدة ممارساتهم حداً خطيراً بات يهدد الكيان و يمهد للغور بالوطن من جديد في غياهب عهد الطغيان الذي ودّعوه بالرياحين و أكاليل الغار في تظاهرة "الوفاء" في 8 آذار 2005 .
واجب كل لبناني التيقظ للمكائد التي تحاك لإغتيال الوطن و للإنقضاض على إنجازات القوى السيادية و إغتصاب ودائع لفيف شهداء الإستقلال المنتشل.
و حفاظاً على تراثنا العريق المجبول بالعزة و الكرامة و الحرية و كرمى لإزدهار مستقبلنا و أمانة لتطلعاتنا و وفاء لتوصيات شهدائنا الأبرار، لنشبك السواعد و نقف صفاً واحداً و سدا منيعاً لإسقاط تعديات الردة الرجعية و لنواكب مسار المحكمة الدولية للقبض على رؤوس شبكة الإجرام لننعم بالأمان.
و لنستلهم مناقب و خصال الشهداء النبيلة لننقّي ضمائرنا، و لنستمدّ عوامل القوة و أسرار النجاح من مزايا القدوة في المبادرة الناجحة و العمل الخيّر رفيق الحريري فيبقى في وجداننا حيّاً يرزق.

المقالات التي ننشرها تعبر عن آراء أصحابها ولا نتحمل مسؤولية مضمونها