حبيب تومي / اوسلو/ عضو الهيئة العليا للتنظيمات الكلدانية حبيب تومي / اوسلو/ عضو الهيئة العليا للتنظيمات الكلدانية

اقرأ المزيد...

 

habeebtomi@yahoo.no


الرئيس البارزاني واستراتيجية تقرير مصير الكورد هل هو انجاز المستحيل ؟

 16 / 12 / 10

عام 1834 كتب الكرواتي لجودفيت كاج : ( إن شعباً بلا قومية مثل جسد بلا عظم ) ، وقد تجلى عصر القومية بقوة بعد ان تمكنت النزعة القومية من تفتيت الأمبراطوريات وتبني على انقاضها الدول القومية الماثلة امامنا في العصر الراهن . ومع النزعة القومية بدأت يقظة الشعوب والتهبت المشاعر فعكفت على اكتشاف ماضيها القومي وتقاليدها ودأبت على دراسة لغاتها الآيلة نحو الأندثار لتنفخ فيها روح الحياة والديمومة ، وألفت القصائد والأناشيد القومية ونبشت الآثار القديمة لاستنباط الأعلام والشعارات ، وكان دولنة القومية هو المحور الذي تستقطب حوله كل الأمنيات والشعارت التي تتسم بالنزعة القومية ، والحصيلة فإن الرقم يقترب من 200 دولة مبثوثة في القارات الخمس والتي ترفرف اعلامها اليوم على مبنى الأمم المتحدة .

بتجربتي الشخصية لا ازعم بل أجزم بأن للكورد نزعة قومية عفوية قلما تضاهيها مجموعة بشرية أخرى في منطقتنا ، لقد تبرعمت المشاعر القومية وقتما رفع الأكراد مطالبهم سنة 1920 الى سقف تقرير المصير ، لكن الرياح لم تجري بما تشتهي مراكبهم بسبب المصالح الدول الكبرى المنتصرة في الحرب بريطانيا وفرنسا على وجه الخصوص ، وهي التي رسمت الخارطة السياسية للمنطقة وكان تأسيس الدولة العراقية جزء من تلك الخريطة ، فالأستراتيجية التي رسمت بعد الحرب لم تنطوي على تأسيس دولة كوردية .

هذا التعامل غير المنصف ساهم في نمو النزعة القومية ، وظل هاجس الحقوق والحكم الذاتي وتقرير المصير للشعب الكردي يدغدغ المشاعر القومية لهذا القوم وعلى مدى عقود طويلة كانت حبلى بثورات وانتفاضات ومعارك ومفاوضات .. محورها يدور حول حقوق ومصير الشعب الكوردي . وبعد هذه المرحلة كانت تتواتر المطالبة بالحكم الذاتي او بتقرير المصير وتجابه بالرفض من قبل الجيران في انقرة وطهران وبغداد ، ومع سيرورة الزمن وتوالي الأحداث الدرامية على الساحة الكوردية ، تتولد لدى هذا الشعب تجربة مريرة مع الجيران وتنشأ ازمة ثقة ليس من السهولة إزالتها .
الحزب الديمقراطي الكوردستاني من الأحزاب الليبرالية الديمقراطية ، وقومي على فرض ان القومية تعتبر حاجة عملية تتأسس على النزعة التلقائية للهوية المشتركة تشد الأكراد على بعضهم تحت مظلة اللغة والثقافة والمشاعر إضافة الى المصالح الأقتصادية والسياسية ، وسوف لا تجابهنا صعوبة في اكتشاف تلك النزعة في الشارع الكردي في مدنه وقراه . كما يعتبر الحزب التنظيم السياسي الرئيسي التاريخي الذي جسد مطامح الشعب الكوردي القومية ، وقد اسسه القائد الكوردي المعاصر ملا مصطفى البارزاني في 16 آب 1946 وهذا التاريخ يصادف ايضاً ولادة مسعود البارزاني في جمهورية مهاباد في ايران والتي تقلد فيها القائد الكوردي الراحل مصطفى البارزاني منصب قائد القوات المساندة للجمهورية التي تأسست في مدينة مهاباد ولقبت بجمهورية كوردستان والتي سوف تزول بعد حوالي ستة اشهر من تأسيسها .

وبعد حوالي 64 سنة من تاريخ التأسيس سوف يعقد هذا الحزب مؤتمره 13 في مدينة اربيل وينتخب رئيساً له الأستاذ مسعود البارزاني ونائباً له الأستاذ نيجرفان البارزاني وهو ابن المناضل المعروف أدريس البارزاني . وسوف يحضر جلسة افتتاح المؤتمر رئيس الجمهورية جلال طالباني ورئيس الوزراء المكلف نوري المالكي، ورئيس مجلس النواب اسامة النجيفي، وزعيم القائمة العراقية اياد علاوي، ورئيس المجلس الاسلامي العراقي عمار الحكيم اضافة الى قادة سياسيين آخرين.

وفي هذا المؤتمر سوف يطرح الأستاذ مسعود البارزاني مشروع تقرير المصير ، وباللغة الكردية وما ترجمته:

 "بالاتكال على الله سنطرح مسألة تقرير المصير للشعب الكوردي امام اعضاء المؤتمر باعتباره حقا جوهريا واستكمالا لجهود المرحلة السابقة".

وأضاف بارزاني في كلمته "ظلت المؤتمرات السابقة للحزب تؤكد ان الشعب الكوردي يملك حق تقرير المصير. اليوم يرى الحزب ان المطالبة بحق تقرير المصير والكفاح السلمي لبلوغ الهدف تنسجم مع المرحلة المقبلة". وفي نفس المؤتمر يقول البارزاني "لنا الحق في اتخاذ قرار تحديد مصيرنا كجميع الأمم الأخرى"، الجدير بالذكر ان مصطلح تقرير المصير هو من ابداع الرئيس الأمريكي وودرو ويلسون في اعقاب الحرب الكونية الأولى، بأن يقرر كل شعب مصيره بنفسه .

من الطبيعي ان تتفاوت الأصداء وردود الأفعال على هذا المشروع بين مؤيد ومحايد ومستنكر بدعوة أن الأعلان هو خطوة في طريق الأنفصال عن الوطن العراقي . فكانت مبادرة الأستاذ نيجرفان البارزاني وهو نائب رئيس الحزب الديمقراطي الكوردستاني الى القول :

ان تصريحات رئيس الاقليم مسعود بارزاني حول حق الكورد في "تقرير المصير" لا تعني الانفصال عن البلاد بل البقاء "ضمن العراق الموحد".

مضيفاً : "من حق الشعب الكوردي المطالبة بحق تقرير المصير ولكن نحن قررنا البقاء ضمن العراق الموحد" مستطرداً:

ان "مسألة حق تقرير المصير للكورد، مثل اي قومية اخرى في العالم، قد تبناها الحزب الديموقراطي الكوردستاني، وهي حق طبيعي للشعب الكوردي، ولكن قرارنا هو ان يكون لنا حق تقرير المصير وان نبقى داخل العراق على اساس النظام الفدرالي".

وسوف نضرب صفحاً عن الإشارة الى تلك الردود لكي نبقى في المسالة الأهم ، وهي استحالة او إمكانية تطبيق مشروع تقرير المصير .

على ارض الواقع تتجلى امامنا تجربة كوردية فريدة تشكل محط اعجاب وتقدير الكثيرين ، منها المناخ التعايشي بين المكونات الكوردستانية وإنصاف الأقليات القومية والدينية

 (((اجل ان اقليم كوردستان قد انصف كل المكونات الكوردستانية باستثناء الشعب الكلداني ، الذي لا تتعامل معه حكومة الأقليم كمكون عراقي وكوردستاني مستقل ، فالقومية الكلدانية هي ثالث قومية عراقية ويجري تهميش حقوق الشعب الكلداني في مسودة الدستور الكوردستاني ، وفي الحياة السياسية لاقليم كوردستان تحت ضغوط الأحزاب الآشورية . وانا شخصياً استغرب هذا التهميش من قبل قيادة وحكومة وبرلمان اقليم كوردستان والحزب الديمقراطي الكوردستاني ، ونأمل ان ينصف شعبنا الكلداني في اقليم كوردستان اسوة بالمكونات الأخرى بمنأى عن اية وصاية ))) 

 واهم من ذلك فإن الأقليم قد حقق ارضية من الأمن والأستقرار ، ونجم عن ذلك ان يصبح الأقليم مركزاً جاذباً للاستثمارات الأجنبية ، ولفتح القنصليات الأجنبية فيفيد السيد فلاح مصطفى رئيس دائرة العلاقات الخارجية في الأقليم بأن ثمة 18 دولة لها تمثيلها الدبلوماسي في الأقليم وثمة دول اخرى تعلن عن استعدادها لفتح ممثليات لها في الأقليم ، ومن جانب آخر لا يمكن حجب العملية الديمقراطية للانتخابات والنقل السلمي للسلطات ، وحينما يقوم الرئيس مسعود البارزاني بالزيارات الى الدول يكون استقباله بمستوى رؤساء الجمهورية ، وثمة مظاهر وشواهد كثيرة في اقليم كوردستان تؤشر بجلاء على وجود نموذج لـ ( دولة) تحمل الكثير من سمات الأستقلالية وتمارس صلاحيات لا تختلف كثيراً عن دولة مستقلة .

من الجانب الآخر نسمع في اقليم كوردستان باستمرار تداول مصطلح الدولة العراقية الفيدرالية ، وهذا يفسر على ارض الواقع ان اقليم كورستان جزء من العراق الأتحادي لكن باختياره طوعياً ، ويفسر الأستاذ مسعود البارزاني هذه الحالة بقوله:

 "بقاء الكرد ضمن اطار العراق مرهون بالتزام الاطراف العراقية الأخرى بالدستور العراقي، ومتى ما تم تغييره فان الكرد سيتخذون قرارهم بشأن ذلك".

ويضيف أن : "الكرد ليسوا مستعدين للعيش تحت حكم الشوفينيين، ولكننا سنبقى في عراق فيدرالي ديمقراطي ملتزم بالدستور".

إن هذا يفسر بأن الديقراطية بمقدورها ان تضمن سلام وتعايش الجميع حينما تغدو اداة بيد دولة القانون التي تلجأ الى العقلانية في تصريف الأمور ومنطلقة للعمل بين مكونات المجتمع عبر مؤسسات عاملة بموضوعية ونزاهة ، إن الأبتعاد عن هذا الطريق يمزق الصفوف ويشرذم المكونات .

في الجوانب الأكثر حساسية بين الحكومة المركزية وحكومة اقليم كوردستان تبقى تلك المتعلقة بالمناطق المتنازع عليها والتي يتوقع ان يحسم امرها بتفعيل المادة 140 من الدستور العراقي وإجراء الأحصاء العام ، وقانونية اتفاقات الطاقة التي ابرمتها الحكومة الكردية مع الشركات الأجنبية وغيرها من المسائل المتعلقة ، ولكن تبقى في مقدمة تلك المسائل العالقة قضية كركوك التي كانت تتوقف عند لهيبها كل الأتفاقيات بين الحكومات العراقية المتناوبة والقيادة الكردية ، فهذه المدينة التي يسكنها نسيج مجتمعي متكون من معظم الأطياف العراقية ، ليس من السهولة حلحلة مشكلتها ، وقد أشار اليها القائد الكوردي الراحل ملا مصطفى البارزاني واعتبر اي تنازل عنها بأنها خيانة ، واليوم جدد الرئيس مسعود البارزاني تمسكه وموقفه الثابت من المطالبة بالحقوق الكردية في كركوك وقال:

 « نريد أن نجعل من كركوك نموذجا للتعايش السلمي بين جميع المكونات .

وإذا القينا نظرة على الأهمية الأقتصادية لمدينة كركوك فإنها ستشكل الشريان المغذي للاقتصاد بالنظر الى اراضيها الزراعية الخصبة وثروتها من الغاز الطبيعي والبترول الذي يقدر مخزونة بحوالي 13 بليون برميل ، وإذا اهملنا الجوانب الأخرى للمدينة فستكون ثرواتها من الذهب الأسود هي العمود الفقري لتحقيق التقدم والتنمية بكل مفاصلها . في مسألة تقرير المصير ثمة من يرى ان للاكراد نصيب كامل من الثروة الأقتصادية ومن المناصب السيادية السياسية في الدولة العراقية ولهم كامل السيادة على اقليم كوردستان ، فماذا الذي ينقصهم ليطالبوا بتقرير المصير ؟ كما يؤخذ عليهم انهم بالمقابل غير مستعدين للتنازل عن اي شئ . يقول الكاتب سمير عطا الله في جريدة الشرق الأوسط اللندنية :

هل الآن أفيق إلى أنه كانت هناك حلول أخرى غير الضرب والقصف ومقاتلات السوخوي، في جنوب السودان وشمال العراق؟ ألم نتأخر قليلا؟ ألم نكن نعرف أن قصف الأكراد وقصف الجنوبيين بتلك الوحشية يحولانهم من مواطنين إلى انفصاليين؟
اما التشابك المجتمعي فثمة ما يربو على المليون من الأكراد يعيشون في المدن العراقية ، وفي المقابل ثمة مئات الآلاف من العرب والتركمان والكلدان وبقية المسيحيين في اقليم كوردستان ، وثمة من يرى بأن هذا التداخل المجتمعي سيكون حائلاً دون تطبيق مشروع تقرير المصير .

ومن الجوانب التي توصف بأنها من المعوقات في طريق تكوين دولة كوردية في المنطقة بحيث تفلح هذه الدولة بضم مدينة كركوك الى الدولة الجديدة ، وبالمقابل ستخسر نسبة 17% من حصتها من الثروة النفطية العراقية .كما ان حال تشكيل هذه الدولة ستكون محاطة بجغرافية سياسية معادية ، وستنبت دولة كوردية ضعيفة بين دول عريقة قوية ترتبط بمصالح كبيرة مع الدول صاحبة القرار كالولايات المتحدة والدول الأوروبية ، ولا يمكن لهذه الدول ان تضحي بمصالحها من اجل دولة كردية ناشئة ، فمن يغامر بالأعتراف بهذه الدولة التي لا حول لها ولا قوة ؟

وهل ترضى تركيا وأيران قيام دولة كوردية تدغدغ مشاعر القومية للمكون الكوردي عندهم ؟ وفي النتيجة يسعى ذلك المكون ان يحذو حذو الدولة الكوردية الناشئة ؟

وسوف نبقى دائماً في حقيقة مفادها ان المشاعر القومية والمشتركات اللغوية والتراثية والثقافية لا تعترف بالحدود الجغرافية ( المصطنعة ) ولهذا لا يمكن ان نقدر حجم تخوف الدولة التركية بشكل خاص من خروج المارد الكوردي من قمقمه .

أجل ثمة معوقات ليست بالهينة ، ولكن ماذا عن تجربة هذا الشعب ؟ ماذا عن الماضي الذي استنبت هذا الواقع ؟

نعود الى عنوان المقال المبني على التساؤل في ان يشكل تقرير المصير إنجاز المستحيل ، لقد قرأنا في تصريح البارزاني ان الحزب يرى اليوم ان المطالبة بحق تقرير المصير والكفاح السلمي لبلوغ الهدف تنسجم مع المرحلة المقبلة". فالكفاح السلمي نفسره بالأسلوب الديمقراطي بمنأى عن لغة البندقية التي خيمت على نوعية نضال الشعب الكردي في القرن الماضي . ولا شك ان الدبلوماسية الكردية قطعت شوطاً كبيراً ، ليس مع الدول الكبرى والبعيدة عن المنطقة فحسب، بل مع الجيران ايضاً وبضمنهم تركيا وأيران ، وإن اقتنعت هذه الدول بعدم خطورة الجار الجديد سوف تقبل بالواقع حتى لو كان ذلك على مضض .

إن القيادة الكوردية الى اليوم قد اثبتت حنكتها ودرايتها واستطاعت اجتياز كل الحواجر والعوائق وأفلحت في ايصال اقليم كوردستان الى مرحلة مهمة من التقدم والرقي ، وافلحت في تعزيز الأستقرار والسلام في ربوع الأقليم ، كما كان لها دور كبير في إخراج العراق من عنق الزجاجة في مسألة التوصل الى انهاء الأزمة الحكومية التي طال امدها ، وكان لها دور كبير في تقديم العون والمساعدة الى المكون المسيحي الذي طاله الأرهاب في المدن العراقية ، هذا أضافة الى تحقيق نوع من العلاقات المتوازنة مع الجيران ومع الدول العربية . وبعد ذلك هل ستفلح القيادة البارزانية مع الحكومة والحزب الديمقراطي الكوردستاني في ايصال المركب الكوردي الى مرافئ هيئة الأمم ؟

 

المقالات التي ننشرها تعبر عن آراء أصحابها ولا نتحمل مسؤولية مضمونها