شكراً
للزعيمين مقتدى الصدر وعمار الحكيم .. ولكن
القوش
في 20 / 11 / 2010
عام 1498 انطلق كرستوف كولومبوس باتجاه الغرب في بحر الظلمات ( المحيط
الأطلسي ) وفي نيته بلوغ شبه القارة الهندية وآسيا وذلك لكي يثبت كروية
الأرض ، وبأنه يمكن الوصول الى شبه القارة الهندية ليس بالتوجه نحو
الشرق فحسب إنما يمكن بلوغها بالتوجه نحو الغرب ايضاً ، وحينما وصل في
اكتوبر عام 1498 الى جزر بهاما وكوبا ، اعتقد ان وصل الى الهند عن هذا
الطريق ، وهكذا اطلق على السكان ذوي البشرة السمراء المائلة نحو
الأحمرار اطلق عليهم الهنود الحمر ، باعتبارهم هنود ولتمييزهم عن
الهنود السمر المائلة بشرتهم نحو الأصفرار . ونبقى مع كولومبو والقارة
التي اكتشفها وهو لا يدري بنفسه ، وسوف يغدو شمال هذه القارة في القرن
العشرين دولة عظيمة يطلق عليها الولايات المتحدة الأمريكية ، وما
يهمنا في هذه المقدمة الطويلة هو الهنود الحمر ( السكان الأصليين )
والذين اقرت الدولة الحديثة حقوقهم كسكان اصليين ، لهم حقوق اكثر من
المواطن الأبيض الذي هاجر اليها فيما بعد ، فالسكان الأصليين ( الهنود
الحمر ) هم الوحيدون الذين لا يترتب عليهم دفع ضريبة الأرض ، المترتبة
على جميع المواطنين باستثناء السكان الأصليين .
بعجالة ننتقل الى أرض النهرين العظيمين دجلة وفرات اي بلاد الرافدين ،
ولكن الى حقبة زمنية تعود الى اواسط القرن السابع الميلادي ، حيث كانت
القوات الأسلامية منطلقة من جزيرة العرب وهي في طريقها الى الفتوحات في
ارجاء الدنيا ، ومنها ارض بلاد الرافدين ( عراق اليوم ) ، وفي مدن هذه
الديار ، الحيرة والمدائن والأنبار والبصرة والموصل وتكريت وكركوك ...
وغيرها من المدن شاهدت القوات الأسلامية مدن يسكنها الكلدان المسيحيون
يتكلمون اللغة الكلدانيــة ، وتنتشر في تلك الأصقاع الكناس والأديرة
والمدارس ، وفي اماكن دخول تلك القوات بالذات المدائن والحيرة والبصرة
والأنبار وهي اليوم مدن العراق منها كربلاء والنجف والكوفة ، حيث كانت
تنتشر في هذه الأصقاع الكنائس والأديرة التي كانت تقدم المساعدات
الأنسانية للمسافرين على الطرق الصحراوية .
إن واحداً من المساجد التاريخية اليوم وهو جامع براثا بجانب الكرخ
ببغداد كان واحداً من الأديرة . وبعد 1400 سنة من دخول تلك القوات
لبلاد ما بين النهرين ، فإن المحصلة النهائية كان اندثار المكونات
الأصيلة ومحو ثقافتها ولغتها الكلدانيــة ودينها المسيحي ، واليوم شتان
ما بين وضع السكان الأصليين في اميركا وما آل اليه مصير السكان
الأصليين في العراق وفي البلاد العربية الأسلامية عموماً .
من الحماقة ان نطالب بعودة الدولة المسيحية الى العراق كسابق عهدها قبل
دخول الأسلام ، لكن من حقنا التمتع بحقوق المواطنة في وطننا العراقي
وأن يكون لنا حقوق كاملة متساوية مع حقوق المسلمين الفاتحين لبلادنا ،
ولا نطالب بزيادة الحقوق كما هي حقوق الهنود الحمر في اميركا والسكان
الأصليين في استرالياً ، لكن من حقنا ان يكون لنا حقوق دستورية في
الدولة العراقية الحديثة ، تضمن بأن يكون للمسيحي الحق في تسنم اي
منصب في الدولة بما فيها وظيفة رئيس الجمهورية او رئيس الوزراء او اية
مسؤولية سيادية أخرى ، وهذا سيكون شرفاً للعراق ان يكون لسكانه
الأصليين مثل هذا الحق .
السيدان الجليلان مقتدى الصدر وعمار الحكيم ( عذراً لاني لا اجيد
استخدام الألقاب الدينية )، ولكن اعرب عن شكري وامتناني كمواطن عراقي
مسيحي الدين ، كلداني القومية ، لموقفكما الأنساني والعراقي الأصيل
حيال ما تعرض له اخوانكم في كنيسة سيدة النجاة في منطقة الكرادة بقلب
بغداد . وهذا الموقف الأنساني عكسه ايضاً الأستاذ مسعود البارزاني
حينما فتح ابواب اقليم كوردستان امام المهاجرين المسيحيين من الكلدان
والسريان والآثوريين وكذلك موقف مام جلال وكثير من المسؤولين العراقيين
.
السيدان الجليلان مقتدى الصدر وعمار الحكيم
إن المقدمة التي كتبتها في هذا المقال المتواضع هي مدخل للمطالبة
بحقوق الأنسان بأبسط وأوضح صورها بعيداً عن التفسيرات الدينية ، فمن
بديهيات حقوق الأنسان مفهوم ( حق الحياة )، فمن حقوق الأنسان الذي
خلقه الله ان يعيش حياته ولا يحق لشخص آخر أن ينهي تلك الحياة وفق
مزاجه ومتى ما يشاء .
لكن ماذا شاهدنا على الساحة السياسية العراقية ؟
في الشهر الماضي شق مسلحون ( مسلمون ) طريقهم الى مذبح كنيسة سيدة
النجاة وقتلوا بدم بارد 58 من المصلين الأبرياء وأصابوا عشرات آخرين
بجروح مختلفة ، وبذلك تمكنوا من ايصال رسالة بأن المسيحيين في هذه
الديار حياتهم مهددة إن هم استمروا بمزاولة حياتهم الأعتيادية في بلدهم
العراق .
ان اكثر من 46 دير وكنيسة قد تعرض للاعتداء منذ نيسان 2003 م . صحيح
ان المسيحيين ليسوا الضحايا الوحيدين للأرهاب وعمليات العنف ، لكن تبقى
الهجمات التي تستهدفهم اشد إيلاماً ، فهذه الهجمات ليست متناسبة مع
حجمهم الديموغرافي ، فحينما يتضاءل تعدادهم الى النصف في العراق ، فإن
المكون السني او الشيعي لم يتضاءل الى تلك النسبة الخطرة ، وثمة مسألة
أخرى وهي ان المسيحيين ليس بينهم رابطة القبيلة او العشيرة كما هي
الحالة عند العرب والأكراد ، كما انهم يفتقرون الى ميليشيات مسلحة
تدافع عنهم ، وفوق ذلك فإن الحكومة لحد اليوم لم تثبت جدارتها وقدرتها
على الحفاظ وحماية المكونات غير الأسلامية بما فيها المكون المسيحي
الأصيل .
لقد عكست كلمة الأستاذ عمار الحكيم في كنيسة مار يوسف ببغداد ، في حفل
تأبين شهداء كنيسة سيدة النجاة ، عكست مشاعر إنسان عراقي وطني مخلص ،
إن مثل تلك الكلمات النابعة من القلب والضمير ، تغرس الأمل في النفس ،
وتعكس الوجه الناصح للاسلام بعكس المسلم الذي يدخل الى الكنيسة بغية
القتل والأرهاب ، إن هذه الصفحة الناصعة عكسها ايضاً الأستاذ مقتدى
الصدر حينما اعلن عن استعدادهم لتشكيل فرق مسلحة لحماية الكنائس .
إن مساعدة الأقليات الدينية من الأيزيدية والصابئة المندائيين
والمسيحيين بتكويناتهم القومية من كلدان وسريان وأرمن وآشوريين ، إن
مساعدة هذه المكونات للبقاء في الوطن العراقي سيعكس الوجه التاريخي
الناصح للعراق ؛ حيث بقيت هذه المكونات تساهم في بناء حضارات العراق
على مدى التاريخ ، واليوم يجب المحافظة وحماية هذه المكونات في وطنها
العراقي ، وهو واجب وطني امام كل مسؤول عراقي رفيع او مثقف اوشخصية
عراقية او حزب سياسي عراقي ، إنها مسؤولية وطنية يتحملها رئيس
الجمهورية مام جلال والأستاذ مسعود البارزاني رئيس اقليم كوردستان
والأستاذ نوري المالكي والدكتور اياد علاوي والأستاذ اسامة النجيفي ،
والسيدان الجليلان مقتدى الصدر وعمار الحكيم لما يملكان من مكانة رفيعة
بين جماهير الشيعة في مدن العراق .
إن كل الأطراف حريصة على إبقاء المكون المسيحي في الوطن العراقي ، لكن
نزيف الهجرة ما زال مستمراً ، والسبب برأيي المتواضع لا يقتصر على
العمليات الأرهابية فحسب فأقليم كوردستان بعيد عن تلك العمليات لكن
نلاحظ مع ذلك استمرارية الهجرة ، والسبب هو عدم توفر وظائف ملائمة ،
وعدم الألمام باللغة الكردية ، فإن شاء المسؤولون ايقاف الهجرة ينبغي
فتح جامعة للطلبة في منطقة بعيدة عن سطوة الأرهاب ، وتوفير اعمال
ملائمة ، ومعاملة هذا المكون معاملة انسانية كما هي في اقليم كوردستان
.
حينما يهاجر المسيحي او غيره من المكونات غير المسلمة الى بلد اوروبي
ويصادف امامه تلك المعاملة الأنسانية ، سيحث اهله وذويه واصدقائه على
اللحاق به ، إننا نفتقر في بلدنا الى معاملة انسانية تضمن للأنسان
كرامته الأنسانية .
نحن نتطلع جميعاً الى بناء وطن عراقي مزدهر يلعب دوره التاريخي في
التقدم والتطور الحضاري ، وهذا يتطلب من الجميع تظافر الجهود والتعامل
الديمقراطي ، إن جزءاً كبيراً المسؤولية يقع على عاتق المجتمع المسلم ،
ويتجلى امامنا في المشهد العراقي عنف وظلم اجتماعي ، فالمسيحي او
المندائي يصله العنف من جاره المسلم ، وهذه الحالة لا يمكن تعميمها ،
فهنالك جار مسلم وفي وأمين يحترم بل ويحمي جاره المسيحي او المندائي
.
إن رجل الدين المسلم يستطيع ان يلعب دوراً كبيراً في هذا المضمار ، فله
كلمة مسموعة لدى الأنسان المسلم البسيط ، ولهذا على رجل الدين المسلم
ان لا يزرع الضغينة والحقد وروح الأنتقام ، إنما يترتب عليه ان يغرس
بذور المحبة والوئام والتسامح بين ابناء الوطن الواحد إن كان مسلماً
او مسيحياً او يزيدياً او مندائياً .
إن الأستاذين الجليلين مقتدى الصدر وعمار الحكيم وكل الخيرين يستطيعون
ان يلعبوا دوراً هاماً في غرس الوعي وتسييد ثقافة التسامح والمحبة بين
المكونات العراقية كافة .
نحن نتطلع الى وطن عراقي ديمقراطي يكون واحة خضراء تزدهر فيها كل
المكونات والأطياف العراقية الدينية والمذهبية والسياسية والعرقية
والأثنية والقومية . |