حبيب تومي / اوسلو/ عضو الهيئة العليا للتنظيمات الكلدانية حبيب تومي / اوسلو/ عضو الهيئة العليا للتنظيمات الكلدانية

اقرأ المزيد...

 

 

habeebtomi@yahoo.no


العرب مع الديمقراطية شئ ما يشبه شئ

 27 / 04 / 2010

الديمقراطية تعني حكم الشعب ، وعملية الأنتخابات هي الف باء الديمقراطية ، وتداول السلطة سلمياً وديمقراطياً هي من ابجديات الديمقراطية ، ومن تلك القاعدة تتأسس وتزدهر وتتوسع الى كل مجالات الحياة . العقل العربي عصي على فهم الديمقراطية وهضم مفرداتها ، فالثقافة العربية عبر التاريخ تشير بوضوح بأن العرب شغوفون بديمقراطية السيف ، قرأت مرة هذه الواقعة : اراد معاوية بيعة يزيد ابنه وليأخذه  للعهد . فكثر الأخذ والرد وانقسم الناس بين مؤيد ومعارض ، فقام واحد وخطب قائلاً :

 أمير المؤمنين هذا ( وأشار الى معاوية ) .

فإن مات فهذا ( وأشار الى يزيد ) .

 فمن أبى فهذا ( وأشار الى السيف ) .

فقال له معاوية : أجلس فأنت سيد الخطباء .

نعم هذه الذهنية هي سائدة بين محافل كثيرة إن لم تكن هي النظرة السائدة في عقلية العالم العربي برمته . وإن تجارب تداول السلطة في هذا الجزء من العالم ماثلة امامنا فمن الخلافة الراشدية كان سبب وفاة ثلاثة خلفاء هو الأغتيال ، وإن اول خلفاء العباسيين لقب نفسه بالسفاح ، كما ان معظم الخلفاء العباسيين كان القتل والأغتيال السبب الرئيس في وفاتهم ، فالخليفة المتوكل يقتله ابنه المنتصر والخليفة المنتصر يغتاله طبيبه المرتشي ، والمستعين بالله يقتله ابنه المعتز بالله ، والخليفة معتز بالله يقتله المهتدي بالله ومن لم يكن مصيره الأغتيال فيكون مصيره إما سمل العيون او القتل بالسكاكين او التسمم .

 أما في عصرنا الحديث فقد رأينا ما حل بالعائلة المالكة من قتل والتمثيل بجثثهم، وبعد توالي الأنقلابات كان القتل سيد الموقف ، فعبد الكريم قاسم لم يسعفه عفوه عن رفاق دربه ان ينتقموا منه بأقرب فرصة ممكنة ورمي جثته بنهر دجلة ، وفي حكم صدام تجلى العنف العراقي بأوضح صوره ، ثم كان العنف الدموي الذي تسيد على كل اللغات بعد نيسان 2003 فالقتل على الهوية كان سيد الموقف والى اليوم هذه هي اللغة السائدة .

وحين التكلم عن الديمقراطية كان تركيعها من قبل العالم العربي بتوريث الأبناء او بالفوز بنسبة 99,99% التي اشتهر بها العرب بكل جدارة فأفرغت الديمقراطية من مضامينها السياسية والأنسانية .

إن هذه المقدمة المطولة هو لتبيان الخلفية الثقافية للعالم العربي ، فكل ذي سلطة في هذه الأصقاع  يرى ان الحكم من حقه وليس من حق سواه ، وإن ما يعرف بالديمقراطية اليوم هي من اجل وصوله الى كرسي الحكم والى الأبد .

جاءت امريكا من اقاصي الأرض وأسقطت حكم صدام الديكتاتوري ، وهي تعتقد ان العراقيين لهم تاريخ مجيد ولهم وحضارة تاريخية، وبلادهم غنية بالثروات التي تنشلهم من الفقر والبطالة ، وعسى ان يكونوا مثل اليابانيين والألمان ويسعون الى بناء وطناً متطوراً ديموقراطياً يكون مثالاً يحتذى به في المنطقة والعالم ، وها هي امريكا تشد امتعتها وتهئ نفسها للرحيل ، وساساتنا الكرام لا زالوا يتناكفون وهم مخمورون بعبقة الكعكة  ومنظرها الساحر  .

 في انتخابات سابقة اخفق علاوي في الأنتخابات رغم وجوده في كرسي رئاسة الوزارة ، وتسليماً لمنطق لغة الديمقراطية نزل الرجل من كرسي الحكم  وسلمه لمن فاز في الأنتخابات ، واليوم ونحن في سنة 2010 تجري الأنتخابات وتسفر عن نتائج وتفوز قائمة العراقية التي يرأسها الدكتور اياد علاوي في المرتبة الأولى من بين القوائم المتنافسة ، والدستور والقانون والتقليد يقضي بأن يقوم علاوي بتشكيل الوزارة ، وإن اخفق في تحشيد الأكثرية في البرلمان بعد مشاوراته مع مختلف القوى عندئذ يكلف شخص آخر ان كان المالكي او غيره ، وهذه ابسط  قواعد اللعبة الديمقراطية . لكن بدلاً من التسليم بنتيجة الأنتخابات وتسليم السلطة للفائزين حدثت امور عجيبة غريبة منها السباق المارثوني   لساستنا نحو دول الجوار العربية وغير العربية لنيل بركاتهم ولكسب دعمهم .

 اليس من المخجل بحق ساستنا وقد انتخبهم الشعب العراقي ووضع بهم ثقته ؟ فلماذا الأستنجاد بالجيران ايها السادة ؟ عندما فاز احمدي نجاد في الأنتخابات في ايران هل سافر الى العراق ليأخذ بركاتهم ؟ وهل استشار العراقيين في امور تخص ايران ؟  فلماذا تتركون الشعب الذي انتخبكم وتهرولون الى الجيران ؟

ثمة تفسير واحد لهذه الهرولة وهي من اجل التشبت بالكرسي ومن اجل تركيع الديمقراطية ومن اجل الأستحواذ على اكبر حصة من الكعكة .

من جملة المعوقات امام انتقال السلطة ديمقراطياً اخترعت وسيلة الفرز اليدوي للاصوات ، وهي قصة لا تنتهي ، ان وضع المعوقات لوضع العصي في دولاب الأنتقال السلمي السلس للسلطة ، وانتهاج  ثقافة المحاصصة القبلية والمذهبية والعرقية والدينية السائدة في العراق هي امتداد للثقافة القبلية القديمة وجهود لتركيع الديمقراطية الفتية في العراق .

المشهد العراقي اليوم يستند على التراضي والموافقة على الحصة من الكعكة ، فأين اصبحت الديمقراطية والأكثرية البرلمانية والأقلية؟ وأين اصبحت المعارضة إن كان الأمر يتلخص في ترضية الجميع على تقاسم الكعكة ؟ أما ترضية الناخب العراقي المسكين وانتشاله من واقعه المزري ومن همومه اليومية فقد اصبح في خبر كان .

 فالكرسي ومكاسبه التي يسيل لها اللعاب اصبحت تشغل مخيلة ساستنا الذين انتخبهم الشعب ليوفر لهم الكهرباء والماء الصافي، والصرف الصحي والتعليم والسكن والعلاج  وقبل كل شئ إحلال الأمن والأستقرار في البلاد وتوفير العمل للعاطلين ومكافحة الفساد المستشري والرشاوي ووو..   والقائمة تطول في امنيات الناخب العراقي التي يحلم بها  . لكن بعد ان فاز ذلك الذي ملاْ الدنيا بشعاراته وخطبه وصوره الملونة والدعاية المحمومة والسباق المارثوني والشعارات الدافئة والأخوة الحميمة للمواطن التي كان يطلقها المرشح في مسرحية الدعاية الأنتخابية ، فالفائز بعد فوزه يدير ظهره لذلك الناخب المسكين ، ويقول له :

 ((عزيزي المواطن العراقي انت حبي وحياتي وتاج رأسي ، لقد انتهى دورك والى اللقاء في حلقة قادمة بعد اربعة سنوات إنشاءالله)) .

  العملية السياسية غارقة في فوضى المناورات والتصريحات والخطوط الحمراء وفي استخدامات الفيتو من قبل اكثر من طرف والتشبث بالكرسي الى آخر الأنفاس ، ثم الأستقواء بالجيران لترضيتهم ولكسب ودهم ، وتبادل المنافع والمكاسب بين الفائزين ، ونسيان بأن هنالك شعب قد انتخبهم وينتظر تشكيل حكومة ، هذه الفوضى هي عملية التفاف على الديمقراطية وتركيعها وتفريغها من محتواها الإنساني ، وبدلاً ان تكون نعمة للشعب تنقلب الى نقمة .

 الديمقراطية ان تشكل حكومة من الأكثرية وأن تشكل حكومة ظل من المعارضة وإن تكون هذه المعارضة السيف المسلط على رقاب الحكومة لمراقبة ومحاسبة كل تصرفاتها ، لكن حينما تكون الحكومة بعد تقاسم مصالح وتراضي بين الفرقاء المتنافسة سوف يجري السكوت على كل الزلات وعلى كل الفضائح  والرشاوي والخروقات بل والجرائم ومن باب (شيلني وأشيلك) ، الم اقل ان الديمقراطية مع العرب شئ ما يشبه شئ ؟

المقالات التي ننشرها تعبر عن آراء أصحابها ولا نتحمل مسؤولية مضمونها