الطبقة السياسية في العراق تتحاور عبر المفخخات والعبوات الناسفة
حبيب تومي / اوسلو في 24 / 12 /
11
تشكلت الدولة العراقية الحديثة في سنة 1921 من قبل بريطانيا وعلى خلفية
تفكك الأمبراطورية العثمانية ، وتتويج الملك فيصل الأول ملكاً على
العراق ، يمكن الزعم ان هذا الملك ، الذي لم يكن عراقياً لكنه عمل من
اجل وحدة العراق ومن اجل إرساء دعائم دولة عراقية حديثة ، وبعد 38 سنة
سقط النظام الملكي بيد مجموعة من الضباط المغامرين لمعظمهم افكار قومية
عروبية ، عازفين على وتيرة الوطن العربي الواحد دون الألتفات الى مصلحة
الوطن العراقي اولاً ومن ثم الوطن العربي ، وكانت الأفكار الناصرية
العروبية لاهبة لمشاعر الملايين في العالم العربي ، وبعد ذلك كانت
سلسلة من الأنقلابات ، الى ان استقر البعث في الحكم ، لكن فترة البعث
كانت ايضاً زاخرة بالحروب والصراعات الداخلية ، فكان العنف في معظم
المراحل عناوناً رئيسياً للمشهد العراقي بدل الأستقرار والبناء .
بعد 2003 لم يختلف المشهد ، بل اخذ منحاً خطيراً حينما رتبت الأمور بجهة
الأستقطابات المذهبية وان المناصب والسلطة يجري توزيعها وفق المحاصصة
الطائفية .
لم تنتهي يوماً العمليات الإرهابية بشتى اشكالها الدموية لكن يمكن الزعم ان
وتيرتها قد خفت مقارنة مع السنين 2005 و 2006 ، وفي كل الأحوال بقيت مظاهر
تقسيم مدينة بغداد مثلاً فلا زالت الحواجز الكونكريتية تتاخم المعالم
البارزة في بغداد منذ 2003 م .
الأنتخابات وصناديق الأقتراع لم تكن حاسمة في إنهاء النزاعات على السلطة ،
ففوز العراقية بالأكثرية لم يؤهلها لتحكم لتكن على رأس الحكومة ، بل كانت
الأجتهادات والتحالفات على هامش النتائج هي التي قررت من يكون على رأس
السلطة ، ومن هنا احتدم الصراع وزادت وتيرته ، لكن تدخل الجهات التي يهمها
الأستقرار في العراق ، ومبادرة البارزاني ، كانت الكفيلة بإخراج العراق بعد
تعلقه في عنق الزجاجة ، وانشرحنا لحلحة الأزمة السياسية وشكلت الوزارة بعد
توافقات مارثونية صعبة .
لكن التوافقات الهشة كانت في كثير من مفاصلها مبنية على نظرية ( السكوت)
على فضائح او فساد الآخر ، فالمصلحة الوطنية كانت آخر المراهنات بل يمكن
الزعم انها مفقودة . إن اي خلاف او تلكؤ في العملية السياسية تكون مصاحبة
لسلسة من التفجيرات الدموية إن كانت بأحزمة او عبوات ناسفة او لاصقة او
بالسيارات المفخخة .
ليس بعيداً إن اخذنا اقليم كوردستان مثلاً ، فإن الخلافات مع الأحزاب
الحاكمة تحل في داخل البرلمان او باجتماعات واتصالات جانبية او بمقاطعة
اجتماعات البرلمان او الوزارة ، ولم نسمع ان اي طرف يستخدم العنف الدموي
لحل معضلاته السياسية .
إن لغة العنف هي المفهومة بالعراق ، ومع الأسف ان المواطنين الأبرياء هم
الضحايا ، اما الساسة فلهم سياراتهم الواقية ضد الرصاص ولهم حراسهم ، فيكون
الضحية المواطن المسكين .
إن لغة العراق في تفضيل العنف هي السائدة ، وإن تقسيم العراقيين الى
مجموعات كل منها يريد فقط ان ( يحود النار لكرصتة ) ومن بعدي فلا نزل قطرٌ
. هكذه كانت ثقافة العراق في العصر الحديث فها هو المرحوم الملك فيصل الأول
يكتب في مذكراته السرية (حنا بطاطو ، العراق ج1 ص44 ) :
(( أقول وقلبي ملآن أسى أنه في اعتقادي لا يوجد في العراق شعب عراقي بعد ،
بل توجد كتلات بشرية خيالية خالية من اي فكرة وطنية متشبعة بأباطيل دينية ،
لا تجمع بينهم جامعة ، سماعون للسوء ، ميالون للفوضى ، مستعدون دائماً
للانقضاض على اي حكومة كانت ، نحن نريد والحالة هذه ان نشكل من هذه الكتل
شعباً نهذبه وندربه ونعلمه ، ومن يعلم صعوبة تشكيل وتكوين شعب في مثل هذه
الظروف ، يجب ان يعلم ايضاً عظم الجهود التي يجب صرفها لأتمام هذا التكوين
وهذا التشكيل )) .
اجل لم يتبدل شئ جذرياً فالوطن مقسم بين ولاءات دينية ومذهبية طائفية ، وهي
مرشحة للاستخدام بيد اي فريق لا يعجبه الوضع ولم تصله قطعة من الكعكة التي
يريديها .
وفي المرحلة العصيبة الراهنة نلاحظ تخبط العملية السياسية وكأن الساسة
المتربعين على قمة هرم السلطة يسترخصون دماء الناس ويحلو لهم مشاهد برك
الدماء والأشلاء المتطايرة ، حقاً انه توحش ودموية لا مثيل لها دون ان
نلاحظ اي عقاب صارم لمرتكبي هذه الجرائم .
العراق اليوم تحوم في اجوائه السياسية مشاكل كبيرة ، انسحاب القوات
الأمريكية والشكوك في قدرة وجاهزية القوات الأمنية العراقية ، الخلافات
الحادة بين كتلتي العراقية ودولة القانون ، كتبت
صحيفة تلغراف البريطانية تناولت الأحداث المتسارعة في العراق، منذ انسحاب
القوات الأمريكية ، تحت عنوان: "تفجيرات العراق.. نوري المالكي يعلب بالنار
عبر إضرام العنف المذهبي." وبدورنا نتساءل من يتحمل مسؤولية دماء الأبرياء
.
هل من اجل المناصب يمكن ان نحطم الوطن ؟
إن كل المسؤولين ينطقون على الدوام بكلام فلسفي منسق وجميل في مواعظ
ونصائح للوطنية والإخلاص للوطن وللشعب ، لكن كل ذلك ممكن بشرط ان لا يمس
الكرسي الذي يجلس عليه فهنا الخطوط الحمراء حيث يذوب الوطن والشعب في بودقة
المصلحة الشخصية او المذهبية هذا هو الواقع ، وفي العراق على مستوى
المسؤولين توظيف كبير لمسألة الطائفية المذهبية هذا هو الواقع ، وما يقال
عن مصلحة الوطن العراقي فإنه كلام الليل يمسحه واقع اللهاث وراء المصالح
الخاصة .
الأخلاص للوطن مفقود بين الساسة الذين يقفون على رأس السلطة .
ولو كان هناك إخلاص ووفاء للوطن لما كان العراق لحد اليوم بعد تسع سنوات
غارقاً في الظلام وغارقاً في الفاساد الإداري والمالي .
ولما كانت السدود الكونكريتية حاجزة بين ابناء الشعب الواحد في المدينة
الواحدة وفي المحلة الواحدة .
ولما كانت بغداد تقبع في المركز 220 في اخر المدن التعيسة في العالم .
العراق بلد ممزق بكل معنى الكلمة ويتحمل وزر ذلك الحكومة العراقية
والبرلمان العراقي والرئاسة العراقية . إنهم جميعاً شركاء في تمزيق الوطن
وليس في إرساء دعائم بنائه . |