بقلم : حبيب تومي / اوسلو/ عضو الهيئة العليا للتنظيمات الكلدانية

اقرأ المزيد...

habeebtomi@yahoo.com


حوار الأديان ؟ عن اي حوار تتحدثون ايها السادة ؟

 11 / 10 / 2009

الأعلام المرئي والمقروء والمسموع يتحفنا كل فترة بجرعة اخبار تتناول حوار الأديان والثقافات المختلفة ، وغالباً ما تعقد هذه الأجتماعات والمؤتمرات التي تبحث ذلك في الدول الغربية ، وهي تتناول بشكل رئيسي اوضاع المسلمين في الدول الغربية ، والمرء يتساءل ما جدوى عقد تلك المؤتمرات في تلك الدول ؟ اليست تلك الدول تقوم بواجبها الأنساني على اكمل وجه وتتعامل مع جميع البشر بما فيهم المسلمين بمنطلقات وقوانين مستمدة من لوائح حقوق الأنسان وحقوق المواطنة ؟

 كان آخر تلك المؤتمرات الذي انعقد في جنيف يوم 01 / 10 / 2009 وجاء في الأخبار :

(((انطلقت في العاصمة السويسرية جنيف أمس، أعمال مؤتمر «مبادرة خادم الحرمين الشريفين لحوار أتباع الأديان والثقافات وأثرها في إشاعة القيم الإنسانية»، وسط تفاعل عالمي قاده رجال دين وعلماء وأكاديميون وخبراء، من مختلف الشعوب والثقافات، مشكّلين بذلك صورة حية للانسجام والتوافق بين مختلف شعوب الأرض على اختلاف ألوانهم وأجناسهم.

 ويمضي الخبر الى القول :

ومن أجل الحوار وأهميته في بناء جسر التواصل وإشاعة السلام ومكافحة ثقافة الكراهية والعنف والإقصاء، وأهمية العدل في التعامل مع القضايا المختلفة بين شعوب المعمورة، أتى المشاركون أمس إلى مؤتمر جنيف الذي تنظمه رابطة العالم الإسلامي، وذلك لسبر أغوار مبادرة خادم الحرمين، وإظهار آثارها في إشاعة القيم النبيلة. ))) .

إنه كلام جميل ومريح ، ولكن اين هذا الكلام من الواقع المرير الذي يمر به العالم الأسلامي بشكل عام والدول العربية بشكل خاص ؟

سؤالي :

 لماذا تعقد هذه المؤتمرات في الدول الغربية التي هي مثال يحتذى به في كيفية التعامل مع الأقليات ؟ وفي مجتمعاتها تُمد جسور التواصل والتفاعل بين مختلف الأديان والثقافات . فلا يثار فيها ثقافة الكراهية والعنف والأقصاء . فالأفضل والأصوب  ان تعقد مثل هذه المؤتمرات والأجتماعات في الدول العربية فمعظمها تُنهتك فيها حقوق الأنسان وحقوق الأقليات الدينية والعرقية ولا حدود لاشاعة وترويج  ثقافة الكراهية والعنف والأقصاء في هذه البلاد . 

في كثير من هذه البلاد يحزم المسيحيون ، وغيرهم من الأقليات الدينية ، امرهم لمغادرة هذه البلاد بعد ان اصبح من المتعذر عليهم العيش فيها ، حيث يستشري فيها مظاهر العنف الأجتماعي والأرهاب والقوانين غير المنصفة بحق هذه المكونات الدينية.

يتساءل المرء عن الفرضية التي تقول :

                                   ((( العيش أينما نرغب عنصر أساسي في حرية الأنسان )))

وهذا جزء من برنامج الأمم المتحدة ، ويملئ القلب بالتفاؤل للمستقبل في العيش الكريم ، وهنا يأتي الكلام في المقام الأول عن المهاجرين الذين يغادرون اوطانهم تحت وطأة  العوز المادي او التعسف السياسي او التفرقة الدينية او العرقية أو اسباب اخرى من التي تتعلق بحرية الفرد وحقوق المواطنة .

الأنسان المسلم المهاجر الى البلاد الغربية المسيحية ( العلمانية ) ينال فيها كل حقوقه المدنية اسوة بالمواطن الأصيل في هذه البلاد . لكن حينما ينتقل الحديث عن المواطن الأصيل ( من الأقليات الدينية ) في الدول العربية يتراءى امامنا مشهد مختلف يحمل في طياته شتى ضروب التفرقة العنصرية ومظاهر العنف الأجتماعي ، والسبب يكون مرة قومياً او لغوياً ، وفي مرة اخرى وهي الأوسع  والأشمل هو الفصل العنصري ( الديني )  لغير المسلم .

المراقب لاحوال المسيحيين في الشرق الأوسط يرى امامه بوضوح أن مستقبل المسيحية في هذه الديار ، وفي العالم العربي بشكل خاص ، ان مستقبلها مظلم وهي  داخلة في نفق معتم دون ان يلوح بصيص من النور في نهاية النفق ، فالمراقب لوضع الأقباط في مصر وما يتعرضون له بشكل يومي من عنف اجتماعي ، ومن انحياز حكومي ، ومن قوانين غير منصفة وتضيق الخناق على توسيع وبناء الكنائس في هذه الديار التي كانت اصلاً دولة مسيحية قبل القرن السابع الميلادي .

في نفس السياق ما يتعرض له المسيحيون  في لبنان من اغتيالات وعنف وما آل اليه احوال لبنان من تردي الأوضاع ، بعد ان كان لبنان يشكل  الواحة الخضراء للديمقراطية والحرية في قلب الوطن العربي ، نلاحظ اليوم  تراجع هذه الدولة والسعي الحثيث لازالة وجهها المسيحي من خارطة المنطقة ، اما ما يجري في العراق فليس ثمة حاجة للأشارة الى عمليات  القتل والتشريد والارهاب والنهب والسلب لممتلكات المسيحيين والأقليات الدينية الأخرى كالمندائيين والأزيدية ، وكانت الحصيلة النهائية هي إفراغ المدن الرئيسية العراقية للاغلبية السكانية من تلك الأقليات ، وهذه الحالة لم يكن لها مثيل في سالف الدهور من تاريخ العراق إلا في عهد تيمورلنك المعروف في عملياته الأنتقامية .

في إشارة الى استيلاء الأخوة المسلمون على ممتكلات المسيحيين قام جار مسلم بالسكن في بيت الصديق ( ن ) حينما ترك هذا بيته المؤثث بعدما وصلته تهديدات ، وبعد اكثر من سنة ونصف السنة من السكن في الدار المؤثثة بدون ايجار ، علق الجار المسلم على واجهة البيت يافطة مكتوب فيها :

                                                                  ( الدار للبيع )

 وحينما عرف الصديق ( ن ) بذلك اوكل احد المحامين لاخلاء البيت من جاره العزيز الذي سكن في البيت مجاناً وبعد ذلك اراد بيعه .

 هذه الحادثة ليست فردية فهنالك امثلة كثيرة على هذه الشاكلة وهي معززة بالوقائع والأسماء . ثمة من يقول بأن هذه العمليات وعمليات القتل والنهب شملت شتى شرائح الشعب العراقي بغض النظر عن الأنتماء الديني والطائفي ، ولقد نشر الكاتب الجليل هورمان صباح على موقع عنكاوا المقال الموسوم " عذرا .. أرجو أن لا تُخلط الأوراق "

http://www.ankawa.com/forum/index.php/topic,351096.0.html

وكان المقال رداً على مقالي الموسوم: لماذا يسكت المسلمون على قتل المسيحيين والمندائيين والأزيدية ؟

وهو مقال مملوء بروح المودة والتفاهم ، والكاتب يشير الى ان الأرهاب طال كل المكونات دون استثاء والقول صحيح يحمل كثيراً من المصداقية والواقعية ، لكن يبقى السؤال التالي بحاجة الى جواب :

 ما مدى اثره الأرهاب على على تلك المكونات ؟

أقارب وأصدقاء رجل أعمال مسيحي، ينتحبون بالقرب من نعشه إثر مقتله على أيدي مسلحين بكركوك

 كان عدد العوائل المسيحية في البصرة سبعة آلاف عائلة وأنا شخصياً عشت تلك الحياة الجميلة المستقرة التي كانت البصرة هي الواحة الجميلة للعيش المشترك لكل المكونات ، ولكن ماذا بعد موجة الأرهاب ؟ النتيجة انه لم يبق في هذه المدينة سوى 500 عائلة مسيحية وإذا لم اكن مخطئاً في الحساب فإن الباقي منهم سبعة 7%  فقط وهذا النسبة مقاربة من احصائية العوائل الصابئة المندائيين فلم يبق منهم الا مئات العوائل بعد كان  تعدادها بالألاف من العوائل .

 وسؤالي للاستاذ هورمان صباح هل ان تعداد المسلمين  في البصرة الذين طالهم القتل والتشريد هجروا بيوتهم ولم يبق منهم سوى سبعة بالمئة ؟ هذا هو الفرق بين المكونات الكبيرة والمكونات الصغيرة التي تعتبر الحلقات الضعيفة في المجتمع اخي الفاضل هورمان صباح .

 أن المشكلة الحقيقية هي ان الأسلام قد وقع في احضان الأصولية المتعصبة ، وإن الأقليات الدينية في هذه البلاد واقعين بين فكي كماشة ، منها قوانين دينية تعود شرائعها 1400 سنة خلت وقوانين وضعية فيها جانب علماني ، لكن هذه القوانين غالباً ما تتنحى جانباً  امام قوة الشريعة الأسلامية وأمام التدفق الكبير للفتاوي الدينية . وفك الكماشة الآخر هو المجتمع الذي يغلب على ثقافته لغة التفوق  والتي تفيد بأن المسلمون العرب هم خير امة اخرجت للناس ، وهي تتناغم مع الشريعة الموسوية  باعتبار ان اليهود هم شعب الله المختار ، وبرأيي ان الصراع الدموي القائم  بين المسلمين واليهود هو انعكاس  لثقافة الطرفين الدينية  بتفوق عنصرهما على بقية البشر ، وهي استجابة روحية سيكولوجية لتلك المنزلة التي منحها الله لهما بحسب العقيدة الدينية لكليهما .

إن الحوار بين الأديان ينبغي ان يكون في بلاد العرب وفي  السعودية بالذات ، فالمملكة العربية السعودية تبني الجوامع في البلاد الغربية المسيحية ولكنها لا تقبل ببناء كنيسة واحدة على اراضيها فكيف يكون حوار الأديان ؟ وعن اي حوار يتحدثون ان كانت النتيجة معلومة وحسب  الشريعة التي تقول :

( إذا تريد ارنب  اخذ أرنب ،  وإذا تريد غزال اخذ ارنب ) ، فما جدوى الحوار إن كانت النتيجة محسومة ؟

 المسلمون يتمتعون بحرية في بلاد الغرب المسيحية وهم مهاجرون اليها ، فيما يُطرد المسيحيون والأقليات الدينية الأخرى  من البلاد العربية وتحت شتى الظروف الاجتماعية القاهرة وقوانين غير منصفة وهم ليسوا مهاجرين انما هم سكان اصليين في اوطانهم .

إن الحوار ينبغي ان ينتقل الى الدول العربية ، وينبغي على الأقل الأستفادة من تجارب دول  وأنظمة اسلامية تتسم بجرعة من العلمانية العادلة ، وكمثال على ذلك الحكم العلماني في تركيا والحكم العلماني في سورية والحكم العلماني في كوردستان .

الحوار الحضاري بين مختلف الأديان والثقافات ستكون ندية وعادلة حينما تبحث حقوق المسلمين في البلاد الأخرى وحقوق المكونات غير الأسلامية في ظل الحكومات الأسلامية ومنها الدول العربية وفي مقدمتها العراق الذي اصبح اخطر بلد على الأقليات الدينية ويجري تفريغة منها بوتيره عالية هي اقرب ما يكون الى  التطهير العرقي .

المقالات التي ننشرها تعبر عن آراء أصحابها ولا نتحمل مسؤولية مضمونها