الحوار الديمقراطي بين نينوى المتآخية
وقائمة الحدباء ضرورة وطنية ملحة
16
/ 09 / 2009
من لأخطاء المميتة التي ارتكبت بعد نيسان 2003 كان تقسيم العراق على
اساس طائفي ، ومنها كانت المحاصصة الطائفية التي مزقت اوصال المجتمع
العراقي وجعلت من السني يفتك بجاره الشيعي ، والعربي ينتقم من جاره
الكردي والمسلم يرهب ويغتال ويخطف ويفجر كنيسة جاره المسيحي ، وكانت
النتيجة الحتمية ان يحاول كل فريق الحصول على اكبر قطعة من الكعكة له
شخصياً ولحزبه الطائفي ولم يدخل في حسابه ما للمصلحة الوطنية العراقية
اي اعتبار يذكر ، وهي تأتي في نهاية القائمة في تصنيف المهم والأهم .
واحدة من افرازات ذلك التقسيم هو تحول المدينة الواحدة او المنطقة
الواحدة الى مناطق مقفولة لهذه الشريحة الطائفية او تلك إن كانت دينية او
قومية او مذهبية .
كانت المناطق المختلطة إن كان دينياً او قومياً او مذهبياً من اشد
المناطق التي طالها العنف المجتمعي وتحت شتى تسميات التقسيم ، والحكومة
لم تفلح بأي شكل من الأشكال من بناء جسور الثقة بين هذه المكونات ،
والسبب بسيط جداً لان التكوين الحكومي بل بناء الدولة العراقية اصبح
مبنياً على اساس المحاصصة الطائفية والمجاملات والترضية ، ولهذا كانت كل
الأجهزة الحكومية مخترقة ومظاهر الفساد المالي والأداري متفشية والحكومة
لا تريد ان تفقد موقعاً من مواقعها فتبقى عاجزة لانها لا تريد ان تغضب
هذا الطرف او ذاك مهما ارتكب من اخطاء .
من جملة القضايا التي بقيت عالقة هو المناطق المتنازع عليها وهي المدن
والبلدات التي يدخل في تكوينها التنوع القومي للعرب والأكراد بشكل رئيسي
وياتي في مقدمتها مدينة كركوك ثم مدينة الموصل وما يحيط بها من اثنيات
وقوميات وأديان .
عن موضوعنا في مدينة الموصل يلاحظ متابع المشهد من خارج المنطقة انها
قطيعة حقيقية بين القوتين المؤثرتين في المعادلة السياسية وهي قائمة
الحدباء التي فازت بالأكثرية في الأنتخابات المحلية التي جرت نهاية كانون
الثاني الماضي ثم قائمة نينوى المتآخية التي فازت بحوالي ثلث المقاعد ،
إن هذا الواقع ينبغي اخذه بنظر الأعتبار دون إغفال التركيبة السكانية
المتنوعة في القومية والدين والمذهب . فلا يمكن تهميش هذا الواقع وتجاوزه
في حالة الرغبة الحقيقية لتأسيس ارضية مشتركة تراعي مصلحة الجميع في كل
الميادين .
إن مدينة الموصل ومحافظة نينوى بشكل عام تعتبر من المناطق الساخنة في
العراق ، وهي مرشحة في اية لحظة ان تتصاعد تلك السخونة وتؤدي الى اندلاع
الحريق الذي يأتي على الأخضر واليابس . ومن المؤكد ان كل فريق يحاول
بطريقته الخاصة ان يبرر موقفه لكن في كل الأحوال ينبغي ان يكون الحوار
وتبادل وجهات النظر ومراعاة مصلحة كل الأطراف هي اللغة السائدة بين اقطاب
المعادلة ، فهنالك نقطة الوسط الذهبية التي ينبغي التوجه نحوها بشئ من
التضحية ونكران الذات .
إن مدينة الموصل جغرافياً متآخمة لواقع سكاني أقلوي ، وهذا الواقع كان
سائداً عبر التاريخ وسيبقى قائماً في المستقبل فلا مناص من أيجاد اللغة
المشتركة بغية التفاهم والتعايش . إن موصل تعتز بهويتها العربية ، كما ان
الكردي يتعز بهويته الكردية وهكذا الكلداني والتركماني وغيرهم من
المكونات ، لكن وضع مصلحة العراق الوطنية ينبغي ان تكون فوق كل
الأعتبارات .
كانت شعار قائمة الحدباء الوطنية يقول : نينوى سلة خبز العراق وسنعيدها
كما كانت بإذن الله .
وأنا اسال هذه القائمة التي فازت في الأنتخابات .
كيف ستعيدون مجد هذه المحافظة في توفير الخبز للعراق ، إذا كان ابن هذه
المحافظة لا يستطيع دخول مدينة الموصل وهي مركز محافظة نينوى ؟
إن ابناء الموصل من العرب ينبغي عليهم النظر على المكونات السكانية من
الأقليات العرقية والدينية بعيون عراقية محضة وبموجب قوانين المواطنة من
الدرجة الأولى وليس بمنظار الى ما يعرف بأهل الذمة لغير المسلمين .
إنه عصر حقوق الأنسان بشكل عام ، بما تمليه قوانين ومواثيق ولوائح حقوق
الأنسان وحقوق الأقليات ، ومن هذا المنطلق ينبغي ان تكون علاقة اهل
الموصل وأحزابها السياسية مع المكونات العراقية التي تشاركها الجغرافية
والتاريخ والسوسيولوجيا، إن كانوا من الأكراد او التركمان او الكلدان او
الآشوريين او الأرمن او اليزيدية او المسيحيين او الشبك او اي مكون آخر
من الأطياف العراقية الجميلة التي تتكون منها مدينة الموصل ومحافظة بينوى
بشكل عام .
كيف تكون محافظة نينوى سلة الخبز العراقية إذا كانت مقسمة ولا يستطيع
اليزيدي الذهاب الى الموصل لمراجعة الطبيب ولا يستطيع الألقوشي والتلكيفي
من صرف ما ينتجه من البرغل والحبية في علاوي الموصل ؟ وهكذا كل الشبكة
الأقتصادية والأجتماعية والثقافية ينبغي ان تكون هذه المدن مفتوحة لكل
المكونات .
لقد سمعنا تصريحات من بعض الأوساط الكردية في تشكيل محافظة موازية لمركز
مدينة الموصل في المدن والقصبات التي فيها اكثرية كوردية ، إن هذه
الطروحات وغيرها تأتي كردود فعل نتيجة التهميش وتجاوز الواقع الديمغرافي
لمحافظة نينوى عموماً . فلا مناص من وضع مصلحة الوطن العراقي نصب اعيننا
لكي نخرج بنتيجة وسطية تراعي مصلحة الجميع .
ويشعر كل كيان وكل مكون بأن هذه أرضه وهي مشتركة بينه وبين ابناء وطنه
العراقي من الأكراد والعرب والكلدان والسريان والأرمن والآشوريون
واليزيدية والشبك ، هذا هو الواقع وينبغي على الكل النظر على هذا الواقع
بشكل موضوعي لكي يعيش الجميع بوئام وتفاهم ، وبالرغم ان القوى الكردية
تتحمل شئ من المسؤولية لكن هذه المسؤولية يتحملها بشكل حاسم ومؤثر قائمة
الحدباء الوطنية التي تمسك بيدها الكثير من مفاتيح لحل كل المشاكل
المتعلقة في مدينة الموصل وفي محافظة نينوى عموماً والتي يقطنها اطياف
عراقية اصيلة .
ان بناء جسور الثقة بين الأطراف سيكون له مردود كبير على حل كل القضايا
العالقة ، وانتشار الأمن والأستقرار في مدينة الموصل وشعور الأقليات ، لا
سيما المسيحيين منهم بالأمان في هذه المدينة وسيكون هذا جزء من الحل وبعث
الثقة المتبادلة بين الأطراف ، وإلا كيف نمد جسور الثقة إذا كان اي شخص
من اقليات اطراف الموصل لا يستطيع دخولها بقصد العلاج او الدراسة او
الأتجار ؟
حينما كنت في العراق وفي محافظة دهوك سألت واحداً من التجار من اين
يحصل على بضاعته ، فأخبرني انه يتاجر مع الموصل لكن تتم عملية المتاجرة
عبر الهاتف فهو لا تخاطر بالخول الى هذه المدينة ، فهل هذه وسيلة لبعث
الثقة ؟
إن مدينة الموصل ينبغي ان تكون مفتوحة امام جميع مكوناتها لكي تكون
محافظة نينوى سلة خبز العراق بشكل واقعي وليس عبر الشعارت فحسب . |