بقلم : حبيب تومي / اوسلو/ عضو الهيئة العليا للتنظيمات الكلدانية

اقرأ المزيد...

habeebtomi@yahoo.com


الدلائل والمغزى في فوز الرئيس مسعود البارزاني في الأنتخابات بنسبة 70%  

 13 / 8 / 2009

التجربة الديمقراطية في اقليم كوردستان تسير بخطوات ثابتة ، فمتابع اللعبة السياسية في هذا الأقليم سيلاحظ الأقبال الجيد للمشاركة في الأنتخابات التي أجريت يوم 25 تموز المنصرم والتي وصلت الى حوالي  78% وهذا يدل على الرغبة الحقيقية للمساهمة في العملية الديمقراطية وفي اللعبة السياسية عموماً كما انه مؤشر على الوعي السياسي بإعطاء الأهمية لهذه الأنتخابات ، وهذه حالة صحية وضرورية  في العملية الديمقراطية .

في نفس السياق سيشاهد المراقب فروقاً شاسعة بينها وبين العملية الأنتخابية التي تجري في عموم العراق لانتخاب اعضاء البرلمان العراقي ، فبينما تبدو للمراقب دون عناء الأصطفافات والتكتلات والتحالفات الطائفية في الأنتخابات المركزية العراقية ، وتغليب مصلحة الطائفة على مصلحة الوطن ، يستشرف في تجربة الأنتخابات لاقليم كوردستان على منافسة سياسية حقيقية ساخنة  لقوى وأحزاب مشتركة في اللعبة السياسية ، تسعى في مباراتها للحصول على صوت الناخب الكوردستاني واضعة امامها المصلحة العليا لكوردستان ، مع تغيب واضح لاي شكل من اشكال الأصطفاف القومي او الديني او الطائفي  ، هذه هي الحالة الصحية والصورة الطبيعية المألوفة لترتيب المنافسات وهي صورة شائعة  في الدول الديمقراطية .

إن الملاحظات التي ابدتها المفوضية العليا المستقلة للانتخابات والنتائج التي اعلنت بعد وقت قصير على الأنتخابات تدل على شفافية العملية الأنتخابية ونزاهتها ، وقد تكون العملية لا تخلو من خروقات بسيطة فإنها غير مهمة فلم يكن لها اي تأثير يذكر على نتيجة الأنتخابات التي جاءت القائمة الكوردستانية بالمرتبة الأولى ، وجاءت قائمة التغيير بالمرتبة الثانية .

وفي هذه الأنتخابات فاز الأستاذ مسعود البارزاني بنسبة تبلغ حوالي 70%  من اصوات الناخبين ، إن هذه النسبة لفوز الأستاذ البارزاني تتيح لنا القول ان الأنتخابات كانت شفافة حيث لا وجود لنسبة 99,99%  المعروفة التي هي من سمة الأنتخابات في كثير من دول العالم الثالث .

،يقول الرئيس مسعود البارزاني لمجلة نيوزيك الأمريكية في 5 / 9 بصدد الأنتخابات :

: «إننا نحترم إرادة جميع أبناء شعب كردستان بمختلف انتماءاتهم وتوجهاتهم، ونعتبر عملية الانتخابات التي شاركنا فيها جميعا نعمة إلهية وظاهرة صحية وتقدما كبيرا جدا في تاريخ شعب كردستان».

ويضيف :

: إن المعارضة في نظري هي ظاهرة إيجابية في الحياة البرلمانية وهي نهج أرحب به في حياتنا الجديدة… وعن مسألة الفساد قال رئيس إقليم كورستان: سنشكل قريباً هيئة عامة للنزاهة مهمتها الاساس تلقي شكاوى أو ادعاءات وجود الفساد وفي أي من المرافق الحكومية والعامة والتحقيق فيها بكل شفافية .

 إن من يعتقد ان الماضي المجيد للعائلة البارزانية او مكانة الأستاذ مسعود هي التي اتاحت له الفوز اعتقد يكون مخطئاً في ظل المعطيات التاريخية السابقة في الدول الديمقراطية ، فرجل بريطانيا الأول في الحرب العالمية الثانية ونستون تشرشل ( ت 1965 ) الذي حقق الأنتصارات الباهرة لبريطانيا وقاد مواكب المحتفلين بالنصر في شوارع لندن عام 1945 م . لقد هزم هذا الرجل وحزبه في الأنتخابات التي جرت في اعقاب ذلك الأنتصار ، ولم تسعفه تلك المكانة المرموقة للفوز في تلك الأنتخابات . ولهذا لا يمكن الركون الى ماضي ومكانة الأستاذ البارزاني وجعلها السبب الوحيد الذي كان وراء فوزه في الأنتخابات .

لقد كان لشخصية الأستاذ مسعود البارزاني حضوراً واضحاً في توازنات العملية السياسية برمتها على الساحة العراقية ، وهو الذي تعاطى بأسلوب معتدل في القضايا الأقليمية والدولية ، رغم التعقيدات وتقاطع المصالح واستفحال المشاكل والأزمات والتوترات التي مرت على المنطقة وعلى العلاقات مع الحكومة المركزية خلال الأربع سنوات المنصرمة وقبلها دوره الفعال مع القوى وأحزاب المعارضة .

 لقد ترسخت مفاهيم ولغة العمل الديمقراطي بخطوات متدرجة لكنها بعزيمة وثبات ، وكانت بنفس المستوى التغيرات في الحياة الأجتماعية والأقتصادية لمحاربة الفقر والجهل ، والعمل على تقديم الخدمات  وترميم البنية التحتية .

في هذا السياق  لا يمكن ان نصف اقليم كوردستان بان كل شئ كان مثالياً في كافة الأصعدة  فلا نقول انه سنغافورة في عملية البناء او سويسرا في العملية الديمقراطية ، لكن نقول : بأن هنالك صحف تكتب وتشخص وهنالك الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني ، فالحديث عن وجود فساد لا يمكن ان يكون باطلاً ، فالمعلوم ان الفساد الأداري والمالي متفشي في العالم الثالث ، وهكذا يقول الأستاذ البارزاني في تصريحه الأخير :

: (( سنشكل قريباً هيئة عامة للنزاهة مهمتها الاساس تلقي شكاوى أو ادعاءات وجود الفساد وفي أي من المرافق الحكومية والعامة والتحقيق فيها بكل شفافية ))  .

عموماً كان هنالك نزوع نحو الأعتدال وتحقيق العادالة الأجتماعية ، وينبغي النظر الى التركيبة المجتمعية في هذا الأقليم حيث ان النظرة الدونية نحو المرأة السائدة في المجتمعات الأسلامية بشكل عام  ، إضافة الى الخلفية العشائرية التي تمجد قتل المرأة تحت ذريعة غسل العار ، وكان لحكومة كوردستان دورها الكبير في سن القوانين التي تمنع هذه الجرائم ، ثم كان هنالك الحرية الدينية التي تتيح للانسان البالغ اختيار دينه دون اي عقوبات قانونية . وهذه الحالة كانت مقدمة للنظر في مسالة الأقليات بمنظور علماني ديمقراطي .واستطاعت ان تجد لها صوتاً مسموعاً إن كان في مسالة التمثيل في البرلمان الكوردستاني او في مسالة التعامل الأنساني في مسالة الحقوق كموطنين من الدرجة الأولى او في مسالة الواجبات المترتبة على اي مواطن كوردستأني .

 لا بد لي ان انوه هنا : ان شعبنا الكلداني يقدم مطالبه بشكل ديمقراطي بتحقيق اهدافه في وضع اسم قوميتــــه الكلدانية في دستور اقليم كوردستان اسوة بما هو مدون في دستور العراق ، وكذلك يطلب على لسان احزابه السياسية المتمثلة في الهيئة العليا للتنظيمات الكلدانية ، والكنيسة المتمثلة في مقررات الأساقفة الكلــــــدان ، بأن يتلقى الموارد المالية الممنوحة للمكونات المسيحية بشكل مستقل لكي يتسنى للشعب الكلداني في ترميم كنائسه وتمشية اموره بعد العلميات الأنتقامية التي طالت هذا المكون العراقي الأصيل .

إن المؤشرات تشير الى تكوين حكومة في اقليم كوردستان لم يحسم امر رئاستها لحد الآن ، لكن يبدو في الأفق ظهور بوادر معارضة سياسية متحضرة لهذه الحكومة .

بقي ان نقول ان اقليم كوردستان عرف كيف يضطلع بمكانة دولية بارزة في المعادلات المحلية والأقليمية والدولية ، إن اقليم كوردستان رغم حداثة تجريته وامكانياته الذاتية المحدودة قياساً بما يحيط به من دول سياسية عريقة ، وانطلاقاً من مبدأ الثقة بالنفس تمكن الأقليم من من خلق تجربة كوردية متميزة كمشروع حداثي نموذجي في المنطقة ، فقد كان له خطوات جريئة في شتى نواحي الحياة بما فيها المجال الأقتصادي من حدوث ثورة عمرانية في الأقليم ومن تطوير صناعة واستثمار حقول النفط ، الذي يعود بالنفع العالم للعراق عموماً ولاقليم كوردستان خصوصاً .

إن مكانة البارزاني الأستاذ مسعود البارزاني قد ترسخت في قلوب ابناء الشعب الكوردي بعد ان وضع اقليم كوردستان في بحر السنين القليلة الماضية في مكانة سامية بحيث ينظر الى اقليم كوردستان الذي هو جزء حيوي من الوطن العراقي ليكون تجربة نموذجية يحتذى بها في المنطقة والعالم ، هذا هو مكمن تعلق اوساط واسعة من الشعب الكردي بانتخاب الرئيس مسعود البارزاني ليكون رئيس اقليم كوردستان لولاية ثانية .

المقالات التي ننشرها تعبر عن آراء أصحابها ولا نتحمل مسؤولية مضمونها