بقلم : حبيب تومي / اوسلو

اقرأ المزيد...

 

habeebtomi@yahoo.com


 سيبقى عمو بابا حمامة للسلام في سماء الوطن العراقي

 1 / 6 / 2009

 عمو بابا ـ عمانوئيل داود بابا ، هذا الأسم الجميل الذي ينساب كالنسيم على اديم العراق يحلق عالياً نحو السماء الصافية ، يرحل بعيداً نحو الحياة الأبدية ، لكنه باقياً في روحه ومحبته وتألقه على مدى عقود من التاريخ المعاصر للرياضة العراقية .

 لقد احبه الجميع فأمسى حمامة السلام الوديعة التي كانت تجلب معها غصن الزيتون الأخضر  كرمز للحياة والمحبة والوئام بين القلوب . عمو بابا هو الرمز الوحيد الذي احبه الجميع ، أبناء الأديان العراقية والقوميات العراقية والمدن العراقية من الكبار والصغار ، اسم عمو بابا كان شمساً دافئة في شتاء عراقي دائم على مدى عقود ، فكانت تلك الشمس محل توافق ووئام فالجميع يتدثرون بدفئ  العراقي الأصيل عمو بابا .

 كانت لهجته العربية الفريدة محببة والكل يسمع اليه بانتباه ، إنه يسترسل بكلامه بتلقائية وعفوية ، فليس في قاموسه كلمات المقدمة والمجاملة الفارغة ، وتراه يوماً يرفعه الجمهور على الأكتاف ويوماً يُنعت بأقسى النعوت . وفي مقابلة من مقابلاته الكثيرة ، ساله احدهم عن سبب تهجم الصحف عليه بعد إحدى المباريات التي كانت نتيجتها سلبية ، فأجابه :

 بانكم الصحفيين تكتبون مقالين في آن واحد  قبل المبارة ، واحد منهم مدح المدرب في حالة النجاح ، وآخر في تقريعه وذمّه إذا كانت النتيجة سالبة ، وهكذا بعد المباراة مباشرة ينشرون المقال الملائم للنتيجة .  

من الطبيعي ان نراقب حركات عمو بابا بملابسه الرياضية الجميلة , نستمتع بحديثه العذب حول مختلف القضايا ، ويوم كانت العقوبات الصارمة تطال اللاعبين بعد خسارة الفريق العراقي في اية مباراة دولية ، كان اللاعبون والمعلقون يحرصون على التصريح بكلمات مدروسة لكي لا تفلت كلمة غير مناسبة او غير مقبولة . وحتى هذه الفترة الحرجة كان عمو بابا يحرص ان يبقى كلامه مسترسل وعفوي ودون مجاملات ، من غير ان يضع قيود  او يتحفظ  في كلامه ومهما كانت النتائج .

  شاهدناه في هذه الفترة الحرجة يمر مع بعض الأعلاميين في ملعب الشعب بعد مباراة خاسرة فكانت تنهال على اللاعبين والمدرب القناني الفارغة والحجارة الصغيرة ، فكان عمو بابا يرفع يمناه في الهواء ويمد سبابته وهو ويقول بلهجته المحببة :

 أنا أعرف من يرمينا بحجارة واعرف من الذي علمهم وحرضهم ، وكان هذا الكلام كبير لا يتفوه به إلا عمو بابا ، وإن كان عدي صدام حسين قاسياً مع الجميع لكن مع عمو بابا لم يكن كذلك .

  كان عمو بابا مخلصاً لوطنه العراقي متشبثاً بترابه ومسترشداً بفناره ، لم يترك ارض الوطن  ولم تغريه العقود المربحة مع الفرق العربية او الأجنبية ، كما انه لم يهاجر مع العائلة الصغيرة ومع الأصدقاء والأحباب الى اوروبا او امريكا حيث الراحة والأستجمام  وحتى العلاج ،إنما  بقي ماسكاً بوشيجة الوطن العزيزة ، رغم المرض الذي كان يتنابه ، والمشاكل التي يمر بها الوطن ومدينة بغداد بشكل خاص .

  لقد بقي صديقاً حميماً قريباً من بغداد والموصل وكركوك والسليمانية والسماوة والعمارة والبصرة والحلة بقي قريباً وحبيباً لمنطقة الدورة والأعظمية والحبيبية والكاظمية والزيونة والغدير والبلديات وكراج الأمانة والباب الشرقي وشارع السعدون وشارع الرشيد وعكد النصارى وكرادة مريم وجسر الجمهورية وجسر الأحرار وملعب الشعب الدولي ، نعم ملعب الشعب الدولي، الذي كان محطته العراقية الأخيرة ، وكان مثواه في تراب هذه القطعة العزيزة من تراب الوطن العراقي الغالي .

تبقى روح عمو بابا حمامة السلام الوديعة التي ترفرف في سماء العراق الصافية والتي تبقى ازلياً تنتقل بين دجلة والفرات ترفرف بمحبة فوق اشجار النخيل على سهول وسفوح الأنهار وعلى ضفاف الأهوار الجميلة وعلى أشجار الصنوبر والسنديان  فوق وهاد وجبال كردستان الشماء .

ومن الأنصاف الأعتراف بجهود الحكومة العراقية وعلى اعلى المستويات بأنها قد انصفته حيث اقيمت له مراسيم تشييع ودفن مهيبة تليق بمكانة هذا الأنسان العراقي المخلص لوطنه العراقي ، فكان في هذا التشييع كبار المسؤولين في الحكومة العراقية ويتقدمهم الأستاذ عادل عبد المهدي نائب رئيس الجمهورية .

سيبقى مرقد عمو بابا في ملعب الشعب الدولي  رمزاً خالداً لاخوة العراقيين وتسامحهم عبر الأجيال القادمة من الزمن العراقي.

المقالات التي ننشرها تعبر عن آراء أصحابها ولا نتحمل مسؤولية مضمونها