بقلم : حبيب تومي

اقرأ المزيد...

 

habeebtomi@yahoo.com


البارزاني : نشارك العراق .. والأستقلال طموحنا النهائي

اوسلو في 20 / 03 / 200

الجغرافية السياسية المحيطة بأقليم كردستان كانت على وجه العموم جغرافية معادية ، وفي محطات سياسية كثيرة كان الأتفاق يجري بين الدول المحيطة على قطع أنفاس هذه الرقعة من الأرض ووضع الخطوط الحمراء امام اي تطلع بتشكيل كيان سياسي حقيقي يشكل نبراساً للاكراد في الدول المجاورة ،  في الأنتفاضة ومن ثم خلق المشاكل ، فكانت الأستراتيجية الجامعة هي القامعة للتطلعات الكردية وتشكل المحور الذي يجمع الدول التي تتقاسم الشعب الكردي .

يتقاسم الشعب الكردي المصير مع الشعب العراقي عموماً ، وعلاقات اقليم كردستان مع الحكومة الفيدرالية كما يعرّفها الأكراد، او الحكومة المركزية كما تعرّفها الأوساط العراقية الحكومية، هي نقطة ساخنة على وجه العموم . ولا نريد في هذا المقال العودة الى الوراء ، بقدر ما نسعى للكلام عن الواقع الحالي المحدد فيما بعد نيسان 2003 م والى التكهنات المتوقعة للمستقبل المنظور .

 وجهة نظر اقليم كردستان التي يعبر عنها رئيس الأقليم الأستاذ مسعود البارزاني تعتمد على تحديد هوية العراق بأنه عراق فيدرالي ، ومن هذه الصيغة يريد الأكراد الولوج في شراكة متكافئة  بين شريكين هما اقليم كردستان وبين العراق الفيدرالي .

أما رأي الحكومة الذي يجسده الأستاذ نوري المالكي ، فيصور العلاقة بين الأقليم وبين الحكومة في إطار مفهوم اللامركزية الشبيه بما كان مطروحاً في اتفاقية 29 حزيران 1964 لتقسيم العراق الى مناطق لامركزية بضمنها المحافظات الكردية .

في هذا السياق كان تصريح الأستاذ مسعود البارزاني لصحيفة الشرق الأوسط اللندنية بقوله :

 هناك من يريد جعل كوردستان محافظة تابعة لبغداد .

الأستاذ المالكي لا يريد ان يرى في العراق كوندونيوم سياسي ، فتكون هنالك ثنائية سياسية سيادية قطبية ، لكن الجانب الكوردي يريد ان يحقق الحكم الفيدرالي ويأخذ أفقه السياسي الطبيعي ، خلاف الحكم اللامركزي الذي كان مطروحاً أيام الحكومات في مطاوي الستينيات من القرن الماضي .

مخاوف الطرفين لها ما يبررها ، التقليد السياسي الجاري في العالم الثالث وفي العراق كان وجود حكم مركزي قوي يمسك بزمام الأمور ، ويبت بكل صغيرة وكبيرة في كل زاوية من زوايا العراق ، وليس مهماً كم يكلف ذلك من ثروات ومن ضحايا من البشر .

إن الرؤية السياسية للأستاذ المالكي ان هيبة الدولة تتمحور في وجود حكومة مركزية قوية تمسك في يدها زمام الامور ويخضع لها الجميع دون اعتراض ، لكن مخاوف الأكراد منطلقة من تجارب مأساوية مريرة مع حكومات مركزية قوية لكنها تغدو اوتوقراطية في نهاية المطاف .

 المعضلة هنا تكمن في الممارسة الخاطئة لعملية الديمقراطية ، فلو كانت هنالك ممارسة حقيقية لمفهوم الديمقراطية فلا خشية من وجود حكومة مركزية ، لكن المعضلة ، كيف نفهم الديمقراطية ؟ كيـف نأخذ من هذا المفهوم ( الديمقراطية ) بوصلة لنا تهدينا الى الأهداف المرجوّة دون عنف او استبداد ؟

 الديمقراطية تعني إزالة الأضطهاد بكل أشكاله القومية والدينية والسياسة والأجتماعية . الديمقراطية تصون حقوق الأنسان وتعترف بحق الشعوب في تقرير مصيرها ، فيكون اتحاد اختياري بين هذه الشعوب والعيش بسلام ووئام ومساواة وعدالة ، بمنأى عن اي تهديدات او ضغوط ، لكن هذه الأراء تبدو غريبة في العالم الثالث ، إننا نفهم من الديمقراطية التصويت في صناديق الأقتراع لا اكثر .

 لقد كانت الحكومات السابقة سخية في تجاوبها وتغدق الكثير من المطالب للاكراد لكن غياب الديمقراطية وهيمنة الحكم الأوتوقراطي كانا السبب في إجهاض تلك الأتفاقات مهما كانت مغرية بتفاصيلها وبمفرداتها ولغتها البلاغيـة  .  

الأستاذ مسعود البارزاني قال لخبراء في السياسية الخارجية البريطانية حسب ميدل أيست اونلاين :

إن الأكراد سيكونون في وضع افضل في شراكة مع العراق ككل ، حتى إذا بقي الأستقلال دائماً طموحهم النهائي . وأضاف البارزاني : الأكراد أقوى مع العراق ، والعراق أقوى مع الأكراد .. واختتم قوله : نعتقد اننا جميعاً لنا الحق كأمة في ان يكون لنا حق تقرير المصير . وقال لجريدة الشرق الأوسط اللندنية حول تأسيس دولة كردية:

 «هذا طموح مشروع، لكننا نتعامل مع الأمور حسب الواقع المعاش».

الخلافات بين الحكومة المركزية وأقليم كردستان متشعبة وعلى محاور عدة ، ويقف على رأسها المشكلة الأزلية لمدينة كركوك والتي كانت ولا تزال  تشكل حجر عثرة امام كل الأتفاقيات المبرمة مع الحكومات العراقية المتعاقبة وكانت شرارتها هي التي تسبب نشوب الحرائق في كل مرة ، وبعد نيسان 2003 كان المقرر إنهاء تلك المعضلة بإجراء استفاء سنة 2007 حسب المادة 140 من الدستور ،  لكن الى اليوم لم يشهد النور تطبيق تلك المادة . ويشكل هذا التأجيل واحداً من بين توترات أخرى بين الحكومة المركزية وحكومة أقليم كردستان ، فهنالك قانون البترول وتقسيم الثروات وتعديل الدستور ، ومشكلة المناطق المختلطة المتنازع عليها والسياسة الخارجية .   

إذا تتبعنا مسلسل طبيعة العلاقات بين الحكومات العراقية والأكراد سنلاحظ اغلب المحطات متشحة بالتوترات والصراعات العسكرية والمؤامرات والحصار الأقتصادي ، باستثناء محطات نادرة في فصول الشتاء حيث تزدهر اجواء المفاوضات وتركد المدافع ويخفت أزيز الطائرات ، واليوم فإن التوترات تأخذ شكلاً آخراً ، فالكتلة البرلمانية الكردستانية في البرلمان العراقي لا تخرج عن مفهوم اللعبة البرلمانية السياسية التقليدية المعروفة في البرلمانات ، وهذا النوع من التنافس في اللعبة الديمقراطية ينبغي ان يكون لها الصوت العالي ، وأن يشكل ضمانة وبديل عن تثوير الشارع او استخدام القوات المسلحة في حلحلة الأمور على الطريقة العسكرية السيئة الصيت .

اليوم تختلف الأمور كلياً عن أي وقت آخر ، لقد كانت كردستان تنتظر صحفياً اجنبياً واحداً لكي يأتي الى جبال كردستان ويكتب عن مآسيها ، وكان الوصول الى تلك المناطق من المغامرات التي لا تحمد عقباها بسبب حصار الحكومات المجاورة ، اليوم يقوم الأستاذ مسعود البارزاني بجولة اوروبية بدعوى من حكومات بريطانيا والمانيا وايطاليا ، اليوم هنالك قنصليات اوروبية في أقليم كردستان ، وللاقليم علاقات تجارية واسعة مع دول عربية ، وينتظر الأقليم فتح قنصليات لهذه الدول في أقليم كردستان .

إن أقليم كردستان قطع أشواطاً كبيرة وبسرعة البرق في أقل من عقدين من الزمن ، ولكن رغم كل ما حققه الأقليم ، لا زال امامه الكثير ، إن طموحات الشعب الكردي ليست بمنأى عن طموحات أي شعب آخر على وجه الارض ، كل شعب يطمح ان يكون له كيان وشخصية وذاتية  وهوية وحق تقرير المصير .

إنني بمناسبة هذا المقال أقول للقيادة الكردية :

 إن شعبنا الكلـــداني يأمل ان يكون له شخصية وهوية في وطنه العراقي ، وأن يتمتع بحكم ذاتي مع باقي المسيحيين من آشوريين وسريان ، وفي الحقيقة لقد فوجئنا واستغربنا نحن الكلدانيين العراقيين ما أقدمت عليه لجنة صياغة الدستور من إلغاء قوميتنا الكلدانيـــــة من مسودة الدستور الكردستاني . وأقول بهذا الصدد :

 ان الشعب الكوردي لا يقبل مظلومية وبالمقابل يتعين على حكومة  اقليم كردستان والبرلمان الكردستاني ان لا يهمشوا حقوق الشعب الكلـــداني وينبغي إرجاع قوميته الكلدانية الى مسودة الدستور في اقليم كردستان ، وهذه ستكون خطوة مباركة في الأتجاه الصحيح ، إذ لا أحد يملك حق الوصاية على شعبنا الكلداني .

إن أقليم كردستان كانت له صفحة بيضاء ناصعة في التعامل مع الأقليات وهذا نابع من الفكر العلماني الديمقراطي الذي تؤمن به القيادة الكردية ، وهذا ما اكسب الأقليم السمعة الطيبة في المنطقة والجوار العربي ، وبين الأوساط الدولية عامة .

إن اقليم كردستان ، رغم ما حققه من تقدم على مختلف الصعد فلا زال أمامه الكثير لينجزه لكي تبقى مسيرة الأقليم في حركة دائمة ، ولكي يثبت الشعب الكردي بأنه أهل لمواكبة التقدم الحضاري إذا توفرت له أجواء السلام والحرية والعمل .

في مقالة قادمة سأتناول الوضع الجيوسياسي لاقليم كردستان .

حبيب تومي : طالب دراسات عليا في العلوم السياسية

المقالات التي ننشرها تعبر عن آراء أصحابها ولا نتحمل مسؤولية مضمونها