بقلم : حبيب تومي / اوسلو

اقرأ المزيد...

 

habeebtomi@yahoo.com


لأحزاب القومية المسيحية تحت المجهر ج1

 5 / 3 / 2009

الذكريات المؤلمة حفرت في أخاديد الزمن ، مع صقيع الليالي الطويلة والمبيت على الطوى ، ومع فراق الأحباب واليأس من عودتهم وفي عاديات الزمن العسير ، كان الأنفراج بعد ان هدأت المعارك ووضعت الحرب العالمية الأولى اوزارها ، انفتحت ابواب جديدة امام الشعوب لكي تقرر مصيرها بنفسها ، وكان حق الشعوب هذا قد جسده بعيد الحرب العالمية الأولى مشروع الرئيس الأمريكي ويلسون ، حيث طرح هذا المشروع بمؤتمر الصلح في قصر فرساي بباريس عام 1920 وكان يراد بالشعوب التي كانت خاضعة لسيادة الأمبراطوريات المنهارة الألمانية والنمساوية والعثمانية .

وكانت معاهدة سيفر عام 1920 بعد الحرب العالمية الأولى قد اشارت بشكل واضح على ضرورة منح الحقوق القومية للأكراد في المنطقة مع إشارة واضحة جلية في المادة 62 الى ضمان حقوق ابناء القوميتين الكلدانيـــــــة والآشورية ، وإن أي تلاعب اليوم بحقوق  الكلدانييـــن وقوميتهم الكلدانيــة في الوجود يعتبر تزويراً للتاريخ وجناية بحق شعبنا الكلــــداني العراقي الأصيل .

 كانت هنالك قومية كلدانية وقومية آشورية عبر التاريخ لكن في العصر العثماني كان ما يطلق عليه نظام الملل والطوائف إذ لم يكن في تلك الدولة ( العثمانية ) مظهر لتبلور المفهوم القومي بالمعنى المعروف في العصر الحديث ، فكانت الدولة العثمانية دولة كوزموبوليتكية ، متكونة من مختلف القوميات ومنها القومية الكلدانيــــة التي يراد اليوم طمسها تحت الضغط السياسي للاحزاب الآشورية القومية  العاملة على الساحة السياسية داخل العراق وخارجه ، وهذا امر مخجل ومعيب ترتكبه هذه الأحزاب التي تدعو الى وحدة شعبنا المسيحي  .

مآسي الشعوب هي النتيجة الحتمية الناجمة عن دوران عجلة الحروب ، والحرب العالمية الأولى كان من نتائجها المأساوية الأنسانية التي ذهب ضحيتها الملايين من الشعب الأرمني وكذلك الألاف من الكلـــدان والسريان والآشوريين .

بريطانيا الدولة المنتصرة في الحرب عكفت قواتها على مساعدة المشردين الناجين من الحرب الذين أفلحوا في الوصول الى بعقوبة ، حيث استطاعت القوات البريطانية من توفير المخيمات اللازمة في بعقوبة لايواء آلاف المشردين الناجين من الحرب . يقول عبد المجيد القيسي في كتابه الآثوريون ص14 :

كان عدد الوافدين خمسين الف ثلثهم من الأرمن وقد جئ بهم من جهات ( وان ) والقفقاس ، وثلثاهم من الآثوريين وكانوا خليطاً من آثوريي الأناضول وأيران والمناطق الكردية ، وفي نهاية الحرب عاد قسم من الأرمن الى تركيا في حين تفرق باقيهم في انحاء العراق .. أما الآثوريون فقد عاد عشرة ألاف منهم الى ديارهم في أيران بموافقة الحكومة الايرانية في حين رفضت تركيا إعادة البقية الباقية منهم فظلوا في العراق ..

لسنا هنا بصدد سرد تاريخي إنما موضوعنا يشير بشكل رئيس الى تحليل واقع الأحزاب التي انبثقت فيما بعد على الخلفية التاريخية لهذه الفترة الحرجة .

إن الواقع المأساوي الذي ألمّ بالأثوريين ، كان حافزاً لانبثاق نزعة قومية تدعو الى التعاون والتكاتف وتوحيد الكلمة بغية رفع المظالم  عن هذا الشعب لعرض قضيتهم في المحافل الدولية بغية إنصافهم وتعويضهم بجهة ان مأساتهم وفقدانهم لاراضيهم وممتلكاتهم كانت إحدى إفرازات الحرب ، وعلى المجتمع الدولي إنصافهم بما يناسب مأساتهم . كان الأسم الآثوري او الأشوري الذي ألصق بهم من قبل مبشري الكنيسة الأنكليكانية خير رمز يشير اليهم لتمييزهم عن الكلدانيين والسريان ( المسيحيين ) العراقيين ، وهكذا بقيت هذه التسمية الرمز القومي لهم ، وهي تسمية تجمعهم ، إن الأسم الآثوري ومؤخراً الآشوري كان عنواناً لكثير من التجمعات والتنظيمات والأحزاب التي تشكلت في دول المهجر التي وصل اليها هذا القوم بعد بلوغهم العراق ، واختيارهم مجموعات منهم طريق الهجرة الى ارض الله الواسعة .

إن الأحزاب او التنظيمات التي تشكلت والتي اذكر بعض اسمائها : الحزب الوطني الآشوري ، تحرير آشور ، الآشوري الديمقراطي ، حركة التحرير الآشورية ، المنظمة القومية ألاشورية ، المؤتمر القومي الآشوري ، الجبهة الآشورية الوحدوية ، الأئتلاف الوطني الآشوري الحركة الديمقراطية الآشورية التيار الوطني ، الحركة الديمقراطية الآشورية ، المنظمة الآثورية ، اتحاد الطلبة الآشوريين في العراق ، الكنيسة الآشورية .. وغيرها من النظمات النسائية والطلابية التي تحمل الاسم الآشوري ، الذي كانت ولادته بعد الحرب العالمية الأولى ، فما هو معروف انه حتى البطاركة كانت الى حد 1930 بصمة اختامهم تمهر التسمية الكلدانية ومنهم كمثال غير حصري ختم مار شمعون النسطوري ، الذي يشير الى ( محيلا شمعون بطرك دكلـــداي).

إن الأحزاب الآشورية لم تتمكن من توحيد خطابها في حزب رئيسي او في جبهة آشورية يجمعها خطاب واحد ، فرغم المغالاة في النزعة القومية ، ووضوح وجلاء الهدف القومي والشعارت القومية التي تغلب على معظم بل جميع هذه التنظيمات ، لكن لا زالت الروح العشائرية والأنتماء القبلي يغلب على تصرفات وحراك هذه الأحزاب على الساحة السياسية . قد يكون لهذا التوجه خلفيات تاريخية ، حيث نطالع في المصدر السابق عن صراع خفي حول الزعامة لدى هذا القوم ، فنقرأ ص 17:

(( كانت سورما هانم او الأميرة سورما .. وهي أخت البطريك المار شمعون بولص تملك ثقافة واسعة وكانت حازمة الرأي قوية الإرادة ، نافذة الكلمة تحمل في طواياها هموم بني قومها .. وقد لعبت دوراً رئيساً .. في تنصيب أخيها بنيامين بطريركاً أي مار شمعون على الطائفة ... ولما قتل سنة 1918 استطاعت بنفوذها من دفع أخيها الآخر بولص الى مقام البطريريكية فأصبح المار شمعون العشرين .. ويمضي الكاتب الى القول : ولما توفي المار شمعون بولص بالسل سنة 1920 في مدينة بعقوبة استطاعت سورمي هانم تنصيب الصبي أيشاع أبن أخيها داود مارشمعوناً جديداً على الطائفة ، وكان وقت ذاك في حدود العاشرة من عمره.. وكانت عمته هي الوصية الفعلية والزعيمة المطلقة للطائفة الآثورية )) .

 ونتتبع مجريات الأحداث لتكون الصورة جلية في الحاضر بالعودة على الخلفية التاريخية لهذه الصورة . كان التقليد السائد في الدولة العثمانية يقضي ان يتولى المرجع الديني للطائفة السلطتين الدينية والزمنية لرعيته وهو المسؤول المباشر عن رعيته امام الباب العالي ، لكن هذا العرف لم يجد إذناً صاغية في الدولة العراقية الحديثة ، التي حصرت مهمات المرجع الديني بالسلطة الدينية فحسب ، وإناطة المهام المدنية الزمية بالحكومة العراقية مباشرة كما كانت الحال قائمة تسري على الكلدانيين المسيحيين العراقيين ، حيث ان المرجعية الدينية تقوم بمهامها الدينية فحسب . وتقوم هذه المرجعية بمهام سياسية معينة إذا كان ذلك بتكليف من الدولة ، حيث كان البطريرك الكاثوليكي الكلـــداني عضواً معيناً في مجلس الأعيان من قبل الملك مباشرة .

بعضهم يعزو فشل الوصول الى حل عادل لقضية الآثوريين الى ضعف البطريركية الأثورية منذ ان  تسلل الضعف الى القيادة الدينية منذ ان تولاها المار شمعون بولص عام 1918 ، وتضاعف وهنها وضعفها بعد ان تولاها صبي في حدود العاشرة من عمره ، إن هذا الضعف او الفراغ كان سبباً في ظهور قوى تريد ان تملأ الفراغ الناجم عن تلك الحالة ويقول الكاتب القيسي في بحثه ص 19 : (( كان من الطبيعي ان يؤدي مثل هذا الأعتقاد الى ظهور زعماء جدد متطرفين يزاحمون البطريركية على زعامة بني قومهم ويشجبون اعمالها ، وكان من ابرز هؤلاء الزعماء آغا بطرس وملك خوشابا الذي سيظل المعارض الدائم للمارشمعون )) .

 ويمضي الكاتب الى القول بأن آغا بطرس استغل حالة الوهن هذه وغياب العمة سورما هانم في لندن ، كما استغل مشاعر البؤس واليأس والأحباط التي سادت الجموع الآثورية فأخذ يدغدغ مشاعرهم الوطنية ويحي موات الأمل في قلوبهم ، وأستطاع ان يجمع حوله غالب بني قومه .

 وسوف يقنع آغا بطرس الأنكليز في تمويل حملة عسكرية يكون هو قائدها ويكون هدف الحملة العودة الى بلادهم وإنشاء دولة آثورية في المثلث الحدودي بين تركيا وعراق وأيران ، وسوف تفشل هذه الحملة لاسباب عديدة ولكن من الأسباب الرئيسية في فشلها كان الخلاف الناشب بين آغا بطرس ومعاونه الأول ملك خوشابا ..  ويقول القيسي أنه بعد فشل الحملة وانسحاب المقاتلين وعودة سورما هانم من لندن ، أستغلت هذا الأنشقاق فزادت ناره حطباً وهوته أتساعاً واستقطبت حولها فئة من المحاربين خرجوا عن طاعة القائدين المختلفين . (( عزيزي القارئ للمزيد من المعلومات حول الموضوع : راجع نينوس نيراري : آغا بطرس ، ترجمة فاضل بولا ، سان دياغو سنة 1996 ص 192 ـ 197 وكذلك كتاب يوسف ملك خوشابا : حقيقة الاحداث الاثورية المعاصرة ، سنة 2000 بغداد صفحة 107 ـ 111 ، وراجع كتاب : ايوب بارازاني : المقاومة الكردية للاحتلال ، دار نشر المشرق ، ص 43 ـ 47 وكتاب عبد المجيد القيسي : الآثوريون ص 20 ـ 22  )) .

إن ما اود قوله إن النزعة القومية الواحدة  والأتفاق على الأستراتيجية القومية لم يسفر عن الحؤول دون  نشوب الخلافات حتى في أعسر الأوقات وأصعبها ، واليوم إذ نلاحظ وفرة عددية في الأحزاب الآشورية لهو دليل على استمرارية تلك الخلافات وتوسعها، وأعتقد ان منبتها انتماءات قبيلة ، حيث تلقي بظلالها على الأنتماءات الحزبية للاحزاب الآشورية في الوقت الراهن ، وتزداد هوة الأختلاف مع انتشار هذا القوم وتشرذمه في ارجاء المعمورة . وكانت الأحزاب القومية الآشورية المنبثقة رغم تفانيها وإخلاصها لخطابها القومي ، لكنها لم تعثر على لغة مشتركة تجمعهم في حزب سياسي جامع يطرح قضيتهم على المسرح السياسي العراقي بخطاب موحد ، ربما كان المؤتمر الآشوري العالمي وسيلة لجمع الكلمة لهذا القوم ، لكن في نهاية المطاف اصبح المؤتمر غاية وأمسى كيان سياسي قومي آشوري يضاف الى الكيانات المتعددة الأخرى .  

أمام هذا الواقع عكف حزب الحركة الديمقراطية الآشورية ( الزوعا ) لتحطيم القيود الفولاذية للفكر الآشوري المنغلق وذلك بتوجهه نحو الشرائح المسيحية الأخرى من قوميات أخرى مثل الكلدانيين والسريان ، لقد وجدت الحركة ضالتها في نخبة المثقفين الشيوعيين لا سيما في بلاد المهجر ، لقد كان هؤلاء يعانون من فراغ سياسي بعد تفكك الأتحاد السوفياتي والمعسكر الأشتراكي ، وما لقيه الحزب الشيوعي العراقي من التصفيات على أيدي الحكومات المتعاقبة لا سيما على أيدي حكم صدام حسين بعد سنة 1978 م ، وأشير الى اسم واحد فقط وهو المرحوم الشماس أبرم عما ، وهنالك اسماء أخرى تعاطفت مع الفكر القومي الآشوري للحركة الديمقراطية الآشورية .

ولا أدري لماذا يعاتبني اليوم بعض الأصدقاء ومعظمهم موالين للحركة الديمقراطية الآشورية ، بجهة  أنني  انتقلت من الفكر الأممي الى الفكر القومي الكلـــداني وكان آخر من طرح هذا السؤال الزميل الكاتب سولاقا بولص يوسف ، فهل الأنتقال الى الفكر القومي الآشوري حلال والأنتقال الى الفكر القومي الكلداني حرام ؟

  لقد طرحت زوعا في فكرها السياسي ، فرضية مفادها ان الآشورية هي قومية للجميع ، والكلدانية هي مذهب كنسي ، وإن وَجَدت هذه الفرضية الساذجة قبول لدى نخبة من مثقفينا الألاقشة لكنها لم تجد أذناً صاغية لدى البعض الآخر ، ويأتي في مقدمة من رفض هذه النظرية الكسيحة  جملة وتفصيلاً   المرحوم توما توماس ويظهر ذلك من مذكراته ، ونقتبس من رسالة بعثها المناضل توما توماس الى الكاتب الأخ نبيل دمان يقول توما توماس في رسالته :

(( إن من هم كلــــدان لا يمكن تبديلهم بجرة قلم الى آشوريين كما يحلو للاخوة الآشوريين ذلك ، إنها تعقيد للعمل القومي والوحدة وإنها آمال البعض  بإحداث انقلاب في التاريخ ، إن إصرار الأخوة الآشوريين على التسمية كما قلنا هو استحالة العمل ووحدة الشعب ، الا يمكن الآشوريين في اتحاد اختياري لفترة حتى نضوج موضوع التسمية من أجل التوحيد الجذري . ويمضي المناضل توما توما قائلاً :

 لماذا لا ندعو الكلــــــــــــــــدان بتشكيل مثلاً " الأتحاد الديمقراطي الكلـــــداني " وتضعوا برامج التعاون مع المنظمات الديمقراطية وغيرها من الأتحادات العراقية الديمقراطية العراقية لانشاء محور ديمقراطي ويوضع له برنامج التوحيد {الأندماج } )) انتهى الأقتباس من رسالة توما توماس .

 وهكذا لم تنطلي اللعبة على المناضل العراقي توما توماس وإن من يقرأ مذكرات توما توماس وما تتضمنه حول الفكر القومي الكلداني نلاحظ موقفه الناقد من الفكر القومي الآشوري الأقصائي من القومية الكلدانية .

المقالات التي ننشرها تعبر عن آراء أصحابها ولا نتحمل مسؤولية مضمونها