بقلم : حبيب تومي / اوسلو

اقرأ المزيد...

 

habeebtomi@yahoo.com

090118


اسرائيل وحماس وما بينهما من مأساة غزة

قطاع غزة شريط ساحلي فلسطيني على البحر الأبيض المتوسط يبلغ حوالي 40 كم في ابعد مسافة له وعرضه حوالي 10 كم وبمساحة تقدر بـ  360 كم مربع ويعيش على هذه المساحة حوالي مليون ونصف من السكان ، ولهذا يكون في الكيلومتر المربع الواحد حوالي اربعة الاف شخص وهذه نسبة عالية ومن اعلى الكثافات السكانية في العالم . كان هذا القطاع الى حد سنة 1948 من ضمن منطقة الأنتداب البريطاني على فلسطين ، ثم اصبح تابعاً لمصر بعد انتهاء الأنتداب وبعد ذلك اصبح القطاع تابعاً لمصر الى سنة 1967 ، حيث احتلته اسرائيل مع شبه جزيرة سيناء ، وبقي القطاع  تحت احتلال اسرائيل حتى بعد انسحابها من سناء عام 1982 لكن اسرائيل اتممت انسحابها من قطاع غزة من جانب واحد عام 2005 م .

 فازت الحركة الأسلامية  حماس في الأنتخابات في هذا القطاع ، بعد فوزها لجأت على إنهاء نفوذ السلطة السياسية الفلسطينية كلياً في غزة وانفردت في الحكم  . ورغم ان حماس فازت في الأنتخابات التي قُررت في معاهدة اوسلو إلا انها همشت قرارات تلك الأتفاقية ، اليوم تدور احداث مدمرة على ارض القطاع طرفيها حركة حماس وأسرائيل . ويتطلع الشعب الفلسطيني في غزة الى وقف اطلاق النار وأيقاف القصف الذي يدور في الأحياء السكنية والمدن

 إن منظمة حماس تعتقد ان الفوز في الأنتخابات يعني نسيان الشعب الذي انتخبهم ويحق لهم جلب الويلات لهذا الشعب ، فقراراتهم تغدو مصونة غير مسؤولة بعد تلك الأنتخابات .

اسماعيل هنية رئيس الحكومة الفلسطينة المقالة في غزة ، وأحد ابرز قادة حماس صرح في بداية الحملة العسكرية  الأسرائيلية : انهم سيصمدون حتى لو ابيدت غزة ومن فيها ، ولكن هنية نفسه يصرح اليوم بعد ان وقعت الفاس بالرأس وإن الحرب ليست " لعب عيال " وبعد ان بلغ عدد القتلى اكثر من الف قتيل بينهم مئات الأطفال والنساء ، والجرحى الذين يربو عددهم على الخمسة آلاف يقول هنية : إننا سنتعامل بانفتاح وأيجابية مع اية مباردة من شأنها ان تؤدي الى حقن دماء الفلسطينيين ورفع الحصار عن غزة

لكن خالد مشعل القائد السياسي لحركة حماس ومدير مكتب حماس في دمشق والبعيد عن لهيب المعركة يقول لا للهدنة الدائمة ولا للتفاوض ، وهو يدعو الى الأنتفاضة في الشارع العربي  وكما يقال إن الذي يده في الماء ليس كمن يده في النار ، وهكذا خالد مشعل البعيد عن أزير الطائرات التي ترمي بحممها على المنطقة .

لا ريب ان اهل غزة كبقية البشر يتطلعون العيش بسلام بعيداً عن عمليات العسكرية والقصف اليومي والحصار الأقتصادي والحاجة الدائمة الى الوقود والكهرباء والدواء ... إن هذا الشعب موقعه في لهيب المعركة ، فالدبابات الأسرائيلية تقف على مشارف المدن ولا تريد التوغل داخلها ، وهي تعاود القصف المدفعي والغارات الجوية لمختلف المناطق بما فيها الجوامع والمستشفيات ومقرات الأمم المتحدة الأونروا وهدفها هدم البنية التحتية  ، وهي تقول ان هذه الأماكن تستخدم للهجوم على قواتها ، وهكذا يستخدم المدنيون كدروع بشرية في المعارك الدائرة وهم الضحية في هذه الحرب وهكذا نرى النسبة العالية للضحايا للمدنين والتي بلغت بحدود 65 بالمئة .

 إن اسرائيل تعلن ان هدفها من هذه الحرب وقف إطلاق الصواريخ على المدن والمستوطنات والأحياء السكنية في اسرائيل ، وأيقاف تهريب السلاح الى غزة عبر الأنفاق ، وتحجيم قدرات حماس السياسية والعسكرية ، وهي ترى " اسرائيل " لا بد من ان تجني ثمار عمليتها العسكرية بجهة فرض واقع جديد في غزة . لكن حماس تأمل في الصمود والتوصل الى حل دولي وعربي يضمن احتتفاظها بسلطتها مع سلاحها على غرار ما حدث لحزب الله في حرب تموز عام 2006 م

إن هذا الصراع يدور على الأرض في غزة لكن ثمة اطراف عربية وأقليمية ودولية تدعم القضية ولها رؤيتها ومصالحها ، فاسرائيل كما حماس توظف هذه الأحداث في العملية السياسية التي لها علاقة وطيدة بالأنتخابات وتحقيق المكاسب السياسية على الأرض . أما على النطاق العربي والأقليمي فهنالك مشروع السلام في الشرق الأوسط الذي يتبناه الغرب والدول العربية المعتدلة وفي مقدمتها مصر والسعودية ، وهذه الدول تميل الى تأييد السلطة الفلسطينية التي يرأسها محمود عباس ، وهي تؤيد مراقبة المعابر بغية وضع حد لتهريب السلاح الى غزة .

إن هذه الدول سوف يعقد لها مؤتمر في الكويت يوم  غد الأحد ويبحثون قضية غزة على هامش المؤتمر الأقتصادي العربي ، وتفيد التقارير ان هذه الدول خصصت اكثر من ملياري ونصف المليار من الدولارات لاعادة بناء وإعمار قطاع غزة والأراضي الفلسطينية ، وهي تدعم السلطة الفلسطينية برئاسة محمود عباس الذي يحكم في الضفة الغربية .

في الجانب الأخر عقد مؤتمر قمة في الدوحة يوم امس الجمعة ، الذي حضره عدداً من القادة العرب بالأضافة الى الرئيس الأيراني احمدي نجاد ، وسمي بعد ذلك بمؤتمر غزة ، بدلاً من مؤتمر القمة ، ويغلب على الحاضرين في المؤتمر ممن يدعم خطاب حماس ، فخالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحماس كان اول المتحدثين بعد امير قطر الذي يستضيف المؤتمر. وهو يدعو الى الأنتفاضة في الشارع العربي والى دعم خطاب حماس في المقاومة العسكرية والى اشتراك الجيوش العربية ، إنه معسكر المقاومة والممانعة وقلب الأوضاع في الشرق الأوسط بما فيها تغيير الأنظمة ، ويحمل راية هذا الخطاب بشكل رئيس ايران ومعها سورية وحماس وحزب الله في لبنان والأحزاب الأسلامية الأصولية في الدول العربية والأسلامية .

المعادلة في غزة ان اسرائيل تريد الا يتسرب السلاح الى هذا القطاع وان تتوقف الصواريخ المتجهة نحو المدن والمستوطنات الفلسطينية ، فيما ترى حماس ان من حقها مقاومة الأحتلال وإن هذه الصواريخ جزء من حقها في المقاومة وليس مهماً من تصيب إن كان من المدنيين او غيرهم ، ومن الطبيعي ان اسرائيل ترد عليها بقوة السلاح ويقع  الضحايا من المدنيين بطبيعة الحال .  ثمة فارق كبير في القدرات العسكرية بين اسرائيل وحماس والجانب الفلسطيني عموماً ، لكن الفلسطينيون يتفوقون على اسرائيل بمعدل الزيادة في السكان ، فالقوى البشرية للفلسطينيين في زيادة مطردة بينما اسرائيل تعتمد بشكل كبير على الهجرة الوافدة ، ولهذا تريد ان تكون اسرائيل جنة من الرخاء والأستقرار والأمان لجذب المهاجرين من اليهود.

إن الجلوس على مائدة المفاوضات لوضع اسس السلام الراسخ بين اسرائيل من جهة وبين الفلسطينيين والعرب من جهة اخرى هو الطريق الأصوب لوقف المآسي الأنسانية في هذه الرقعة الملتهبة من العالم .

 

المقالات التي ننشرها تعبر عن آراء أصحابها ولا نتحمل مسؤولية مضمونها