دعوة
الاستاذ جواد بولاني للمسيحيين اليست متأخرة ؟
081221
في
تصريحات للاستاذ جواد بولاني وزير الداخلية اطلق فيها مبادرة عراقية
كريمة بدعوة
المسيحيين الى الأنخراط بصفوف الجيش والشرطة . إنه اعتراف بكون المسيحيين
إن كانوا
من الكلـــــدان او السريان او الآشوريين هم المخلصين المتفانين في سبيل
اسم العراق
وأمن العراق .
فيما مضى من السنين بعد نيسان عام 2003 لا حظنا كم كانت هذه
اأجهزة مخترقة من قبل العصابات والميليشيات والتي كانت تأتمر بأوامر غير
تابعة
للحكومة العراقية ، وحتى المواطن العادي كان يتوجس خشية من أيصال
المعلومات الى
أجهزة الشرطة خوفاً من افشاء أمره لتلك العصابات فتجري تصفيته .
أجل كانت اجهزة
الشرطة والجيش مخترقة ، ولهذا لم تكن تعني الكمية ( الأعداد الكبيرة )
إنما كان
المهم النوعية ، ومن المؤكد ان تلك العصابات وتلك الميليشيات كانت ترسل
انصارها
للانخراط في تلك الأجهزة فيبدو من الصعوبة بمكان تشخيص العناصر المندسة
في هذه
الأجهزة .
في
هذا الصدد استطيع ان ازعم جازماً ان الأقليات الدينية وفي
مقدمتهم المسيحيين لا تحوم حولهم الشكوك ، وليس ثمة احتمال من تجنيدهم من
قبل
العصابات او الميليشيات . فالمسيحيون من الكلدانيين والسريان والآشوريين
، يقدسون
الهوية العراقية ، وليس لهم أي تماهي في اية دولة مجاورة ، وإن عمقهم
المجتمعي
والثقافي والديني هو الوطن العراقي ، وإخلاصهم هو لهذا الوطن لا غيره ،
وإن عمل
المسيحي الكلداني او غيره في الجيش او الشرطة او في اية وظيفة حكومية
فسيقوم بواجبه
في منتهى الأخلاص لا شائبة على ذلك .
كنت
اعمل على البواخر ويعاتبني زميلي ابن
دورتي وهو مهندس مثلي ويقول ما هذه الحماسة في العمل وكأن هذه الباخرة
ملك ابيك ،
فأقول له اسم عشيرتك تنقذك من كل اخطائك او عن تقاعسك في العمل بينما انا
فإن
إخلاصي هو الذي ينقذني من كل زلة او خطأ ، ففي اخلاصي أشعر وكأنني لا
أخاف أحداً
مهما كان مركزه او مسؤوليته ، وهذه شيمتنا نحن الكلدانيين إن كنا نعمل في
اعمال حرة
في التجارة او الصناعة او في وظيفة حكومية ، فالأستاذ جواد بولاني وزير
الداخلية
لم يكن مخطئاً حينما دعا المسيحيين الى الأنخراط في أجهزة الشرطة .
إن الأستاذ
بولاني يبلغ الجميع بأن الوقت الذي كانت هذه الأجهزة محتكرة لفئة او
طائفة معينة قد
مضى زمنها . فالعراق اليوم يجب ان يكون عراق الجميع دون محاباة او
محسوبية. يحضرني
موقف صادفني يوم نجحت من الرابع الى الصف الخامس العلمي ، حيث كانت
ثمة تعليمات في عهد عبد الكريم قاسم تفيد بأن الطالب الناجح من الرابع
الى الخامس
العلمي بأمكانه التقيم الى كلية الطيران العسكرية ، ، فحلمت كشاب في
مقتبل العمر
وبنيت الامال في ان اكون طياراً يشق اعنان السماء.
فكتبت عريضة لمديرية تربية
الموصل لتزويدي بوثيقة مدرسية الى كلية الطيران ، فشاهدها فراش المدير
العام وقال
لي ، إن عريضتك تحتاج الى طابع بخمسين فلس ، فنزلت الى كاتب العرائض
واشتريت الطابع
ولصقته في اسفل العريضة التي كتبتها بخط يدي توفيراً للمبلغ الذي ادفعه
لكاتب
العرائض . وضعت
العريضة امام مدير التربية ، وكان اسمي الثلاثي لا يظهر اني
مسيحي ، فأخذ المدير يكيل لي المديح لمشاعري الوطنية وتمنى لي الموفقية
لكي اتخرج
طيار حربي اخدم وطني . وفجأة سألني في اية منطقة تسكن في الموصل ؟
فقلت له :
استاذ انا من القوش .
هنا
رفع رأسه من العريضة ونظر نحوي وقال :
أنت
من
القوش ؟
قلت نعم .
وانت مسيحي ؟
قلت نعم .
وتريد
تصير طيار حربي
؟
قلت نعم .
وهنا طوى عريضتي عدة طيات ، وهو يقول : كليات البلد امامك ابني ،
اما كلية الطيران ، فعليك ان تخرجها من دماغك وتنسى امرها بعد ان تخرج من
هذه
الغرفة . وسلمني عريضتي وأنا اجر اذيال الخيبة واليأس ، بعد ان بنيت
قصوراً في
الهواء في ان اكون طياراً مقاتلاً .
نعود الى رباط الكلام فأقول ان دعوة
الاستاذ جواد بولاني لها مدلول على مهنية وزيرة الداخلية في العمل ، وآخر
، انه
يريد تكريس الهوية العراقية على الهوية الطائفية او الدينية او القومية ،
ولكن رغم
ان دعوته كريمة مخلصة وصادقة لكنها بنظري جاءت متأخرة ، فقد هاجر الشباب
الذين
أرادهم ان يكون رجال مخلصين في هذا الجهاز او أجهزة الأمن او الجيش ، فهل
نحلم ان
يعود شعبنا الكلداني الى المدن العراقية؟
لقد
قرأت خبراً مفاده ان وزارة
الداخلية اقامت احتفالاً في شارع ابو نؤاس بمناسبة اعياد الميلاد ، فهل
نستبشر
خيراً ؟ هل نستطيع ان نعود الى حيّينا في دافئات المنى كما تقول فيروز .
هل
تعود شوارع بغداد تتلألأ بالمصابيح وشموع المحبة ؟
هل
نسافر الى بغداد ونبني
لنا بيوت ونعمل بالتجارة ؟
إن عودة المسيحيين الى المدن العراقية هو بمثابة عودة
الأمان والأستقرار لهذا البلد . نأمل ان تتكلل جهود الأستاذ جواد بولاني
وغيره من
المخلصين في هذا البلد في إرساء قواعد الأمان والأسقرار ، وحكم القانون،
وتختفي
كل مظاهر الطائفية المقيتة في هذا البلد المنفتح على كل التكوينات
المجتمعية
العراقية ويعود تألق نسيج المجتمع العراقي الجميل ، وتعود سماء العراق
الصافية
لتترصع بآلاف النجوم في الليالي القمراء الجميلة . |