بقلم : حبيب تومي / اوسلو

اقرأ المزيد...

 

habeebtomi@yahoo.com


يوم تلألأت سماء صوريا بكوكبة الشهداء الكلــدان

080917

صوريا .. القرية العراقية الهادئة الجميلة الجاثمة على المثلث الحدودي بين سوريا وتركيا والعراق ، غنية بأراضيها الزراعية الواسعة الخصبة ، وتشتهر بمحصولي الحنطة والشعير ، اضافة الى المنتوجات الأخرى كالرز والسمسم والبقول والخضراوات المختلفة . وفي الصباحات الباكرة تدب الحياة في القرية ويستجيب اهلها لصياح الديكة في غرة الفجر ، والعصافير المغردة تشدو وترقص مرحة بين الأغصان ، والراعي ينهض مبكراً مطلقاً العنان لأغنامه وهي تسرح بين الروابي والوهاد  العميقة وقرب منابع المياه ، إنها سمفونية يومية تتكرر الحانها مع إشراقات الصباح ، ومع ساعات الأصيل حينما تتداعى شمس الغروب نحو خدرها خلف ذرى الجبال العالية .

 يوم الأحد من دون ايام الأسبوع تختلف رتابته إنه يوم الراحة وعطلة للجميع ويوم تبادل الزيارات ولكنه قبل كل ذلك هو يوم الذهاب الى الكنيسة . الحياة اعتيادية لا شئ يعكر صفوها ورتابتها ، لكن هنالك حدثاً كان وقع يوم امس السبت الموافق 15 / 9 / 1969 حيث كانت قوة من الجيش قوامها اربعة سيارات عسكرية في طريقها الى فيشخابور عندما انفجر لغم تحت إحدى السيارات ، ويشير الأستاذ مسعود البارزاني الى الحادث في كتابه الموسوم : البارزاني والحركة التحررية الكردية ج3 ص216 فيقول : 

في اليوم المذكور كان قد انفجر لغم تحت سيارة عسكرية بالقرب من القرية ( صوريا ) وقتل جراء ذلك بعض الجنود من بينهم مسؤول بعثي .. وفي اليوم التالي الذي اعقب الأنفجار أي يوم الأحد المصادف 16 / 9 / 1969 تقدم فوج من الجيش من قرية صوريا ولم يكن لأهاليها العزل البسطاء فكرة او صلة قريبة او بعيدة باللغم ولم يبدر منهم أي عمل ضد النظام ، كما لم تكن لهم اية فكرة عما سيحل بهم فقد توجه مختار القرية مع الكاهن لاستقبال الجيش ليواجها رشقة من الرصاص قضت عليهما .

بأمر من الملازم عبد الكريم محمد الجحيشي قتل من هذه القرية بدم بارد تسعة وثلاثون من الفتيات والأطفال والنساء والرجال فضلاً عن حوالي اربعين جريحاً .

ما يروى عن هذه المأساة ان القس حنا قاشا حينما انتهى من إقامة القداس توجه مع لفيف من أهل القرية الى بيت المختار ، والى هذه الدار قدم لفيف من الجنود المدججين بالسلاح وساقوا كل من كان في بيت المختار الى مزرعة صغيرة ، وفي الطريق كان القس يحث الأهالي الى عدم الهروب إذ ان المسالة هي مجرد تفاهم مع الضابط وسيعودون الى بيوتهم ، ولم يفكر القس بأن الأمور ستصل الى تلك التخوم المأساوية ، إذ كيف يجري قتل الأبرياء من قبل مسؤول في الجيش دون إجراء أي تحقيق في المسالة ، ومن هنا كان القس يتكلم بذهنية إنسان يعطي للعدالة والقانون حقهما ، لكن الحقد الديني والقومي والرغبة في الأنتقام كانت اقوى من كل القوانين الوضعية والدينية .

اثناء تجمع الأهالي في البستان عكف الضابط عبد الكريم محمد الجحيشي على اعداد غدارته الكلاشنكوف للرمي عليهم بصورة عشوائية ، وهو يعلم جيداً ان هؤلاء الناس ابرياء لا ناقة لهم ولا جمل بما حدث ، وفي هذه الأثناء وهو يستعجل للرمي قفزت ليلى بنت خمو عليه وتشابكت معه لانتشال الغدارة فسارعها من مسدسه ورماها برصاصة فصرعها في الحال . ويقول يونان هرمز في كتابه الموسوم أيامي في ثورة كردستان ص 86 ـ 87 يقول :

بدأ يحصدهم حصداً ويستبدل مخزن إطلاقاته بعد إفراغه عليهم بمخزن جديد فسقط القتلى ونجا آخرون من الذين سقطوا تحت الجثث ثم أشعلوا النيران في سياج البستان لكي لا ينج أحد من الصرعى او الجرحى وتعالت الصراخات وسط آهات وأنين .

نعم كانت مأساة إنسانية دون وازع من الضمير ودون عقاب لمن ارتكب هذه الجريمة ، هذا إن لم يكن هؤلاء القتلة قد نالوا انواط الشجاعة بسبب فعلتهم الدنيئة هذه .

 يمضي يونان هرمز الى القول :

صرعت راحيل زوجة منصور يوسف وسقطت جثة هامدة وهي تحمي رضيعها بجسدها !

وصرع شقيقي الشاب كوريال هرمز وكان قد وصل لتوه من زاخو لمتابعة معاملته لدخول الجامعة في بغداد .

صرع القس حنا قاشا راعي كنيسة افزروك .

وصرع معه الشماس اوراها وابنه جوزيف وابنته وارينه .

 وصرع عمي خمو المختار وزوجته كاترينا وابنته ليلى ( البطلة ) .

وصرع عمي موسى الرجل الهادئ كادر القرية للحزب ( الديمقراطي الكردستاني ) .

وصرع أخي الأصغر الصبي نجيب بن هرمز .

وصرعت يونو مع طفليها الصغيرين .

وصرعت شوني زوجة شابو بازنا وابنها امجد وابنتها جميلة .

وصرع الطفل ناجي بن كيوركيس ...

 وصرع السيدة امينة زوجة اوسماني فيرو مع ابنتيها .. وقمري وشيرو ...

ويمضي الكاتب يونان هرمز الى القول :

 انه إمعاناً في تضليل الرأي العام نعت صحف النظام بوفاة الكاهن الفاضل حنا قاشا بنوبة قلبية ، مدعية ان الخبر جاء للنشر من بطريركية بابل للكلدان ..

لقد تحمل شعبنا الكلداني على مدى عقود وقرون الظلم والطغيان ، والى اليوم لا زال شعبنا يقدم المزيد من الشهداء ويفيد السيد حمزة كامل الناطق الرسمي باسم وزارة حقوق الأنسان العراقية :

 ان خسائر المسيحيين من الشهداء منذ 2003 كان 174 قتيلاً منهم 107 من الكلــدان و33 السريان الأرثوذكس و 24 من السريان الكاثوليك و 4 من الآشوريين . لقد سقت دماء شعبنا من الكلدان والسريان والآشوريين ارض الوطن . ولنقف اليوم احتراماً وإجلالاً لهذه المناسبة المهيبة في تاريخ شعبنا الكلداني .

المقالات التي ننشرها تعبر عن آراء أصحابها ولا نتحمل مسؤولية مضمونها