بقلم : حبيب تومي / اوسلو

اقرأ المزيد...

habeebtomi@yahoo.com


مصائر الحكم الذاتي لشعبنا وغياب الصوت الكلـــداني

080627

في العشرين من كانون الأول 1969 كان دارا توفيق ممثلاً للبارزاني والقيادة الكردية للتفاوض في بغداد مع الحكومة ،وأثناء الأجتماع ساله صدام حسين فجأة :

صدام حسين : ما الذي لا يجعلكم تسألون عن الحكم الذاتي ؟

فأجابه دارا : أأنتم مستعدون لسماع هذه الكلمة دون ان تستفزكم ؟

 اجل كانت عبارة الحكم الذاتي تعني الكثير ويجري تأويلها على انها انفصال او انها السبيل المؤدي الى الأنفصال . لقد ناضل الشعب الكردي ، وكانت قيادة الثورة الكردية لا تتجرأ لرفع سقف مطالبها الى الحكم الذاتي .

اليوم وعلى خلفية ما طال شعبنا من قسوة وظلم ، هنالك تفهم وتعاطف لمعاناة  شعبنا  وليس من العسير ان يكون ثمة تقبل لمنحه أي شكل من اشكال الحكم الذاتي في وطنه العراق .

الحكم الذاتي هذا الموضوع المهم ادخل في نفق المصالح والصراعات الحزبية لشعبنا لا سيما الأحزاب الآشورية المهيمنة على مصير شعبنا من الكلدانيين والسريان والآشورين ، نحن نقدر تحالفات هذه الأحزاب مع أحزاب وقوى سياسية عراقية ومبدئياً لسنا ضد هذه التحالفات والألتزامات المترتبة عليها والمعروف ان عالم السياسة هو عالم تحقيق المصالح ولا غبار على ذلك ، لكن المسالة الأخلاقية في مواقف كثيرة تقضي التريث قبل الانزلاق الى مستوى الوقوف ضد طموحات تحقيق حقوق شعبنا في وطنه .

مصائر الحكم الذاتي الذي يمثل السقف الأعلى لمطالب شعبنا يتعرض الى تهكمات واستخفافات لا مبرر لها لاسيما من قبل الزملاء الكتاب الذين يتغزلون بخطاب الحركة الديمقراطية الآشورية ، باعتقادي ان هذا الأسلوب لا يمكن ان يقودنا الى الطريق الأمثل لتحقيق ما يصبو اليه شعبنا .

                          وهذه قراءتي للطروحات حول الحكم الذاتي

ـ هنالك خلل يشوب العلاقات بين الأحزاب السياسية لشعبنا وأخص بها الأحزاب الآشورية التي تمسك بيدها الخيوط الرئيسية لمصير شعبنا حيث تحتكر السلطة والمال والأعلام ، وهنالك تخندق يطفو على السطح في مجمل العلاقات بين الحركة الديمقراطية الآشورية والمنظمات المجتمع المدني التابعة لها من جهة ، ومن الجانب الآخر الأحزاب والتنظيمات الآشورية الاخرى ـ الحزب الوطني الآشوري والمجلس الشعبي الكلداني السرياني الآشوري .

 لقد اطلق المجلس الشعبي .. والحزب الوطني الآشوري شعار الحكم الذاتي لشعبنا ، ولكن الحركة الديمقراطية الآشورية التي تنادي بحقوق شعبنا طرحت البديل بالأدارة الذاتية او الأدارة المحلية .          وسؤالي هو :  إن كان المجلس الشعبي .. والوطني الآشوري قد طرحا شعار الحكم المحلي هل كانت الحركة طرحت مشروع الحكم الذاتي ؟ نكاية بهذين التنظيمين ؟

بنظري ان الحركة الديمقراطية الآشورية  تحسب  ان المباردة  بهذا الحجم وحول هذا الأمر الخطير ، كان ينبغي ان يكون بمبادرتها وليس من قبل قوة غيرها فتحقيق الحكم الذاتي مهما كان مضمونه وسقفه ينبغي ان يمر عبر بوابة الحركة الديمقراطية الآشورية وليس غيرها .

  حسب قراءتي إن كانت الحركة حسبت هذا الحساب سيكون مفهوم اديولوجي خاطئ .

نحن ننطلق من مصلحة شعبنا ومن المؤكد ان الحركة الديمقراطية الآشورية واحزاب شعبنا الأخرى لها نفس الأنطلاق وتبرمج لخدمة شعبنا ، فلا يوجد بين احزاب شعبنا احزاب مخلصة وأخرى خائنة ، إنما هنالك اختلاف في ميكانزم العمل والرؤية السياسية ، ونحن نقدر التحالفات الجانبية التي تربط  احزاب شعبنا بأحزاب وقوى عراقية سياسية أخرى تعمل على الساحة السياسية العراقية ، لكن كما قلنا إن هذه التحالفات يتعين ان لا تخرج من إطار التصادم مع مصالح شعبنا .

إن المحافظة على وحدة العراق وسلامته ووحدة اراضيه هي امنية مشتركة لجميع قوى شعبنا ، وليس ثمة من يريد الأفراط بوحدة التراب العراقي ، وهذه الحقيقة معلومة للتكوين المجتمعي العراقي إن كان من الأكثريات او الأقليات ، فمطالبة شعبنا بالحكم الذاتي او بإدارة ذاتية او أي شكل من أشكال الممارسة الذاتية للحقوق ، لا تعني مطلقاً الأنسلاخ من التراب العراقي ولا تعني مطلقاً اننا مع الأكراد ضد العرب ، او مع العرب ضد الأكراد ، فالأكراد انفسهم ليسوا ضد العرب فلماذا يترجم المطالبة بسقف معين من الحقوق على انه ضد العرب .

 إن الحكومة العراقية وحكومة اقليم كردستان والبرلمان العراقي وبرلمان كردستان يتعين على هذه الجهات ان تنصف شعبنا من الكلدانيين والسريان والآشورين وكل الأقليات التي طالها الاضطهاد والأهمال والتهميش من قبل السلطات والأنظمة البائدة التي تعاقبت على حكم العراق .

 إن الطريق الأسلم لخدمة شعبنا لا يعني توجيه الضربة القاضية لمن طرح هذا الشعار او ذاك ، فالحوار والمناقشات والتفاهم هي الأسس الرشيدة للوصول الى افضل صيغة لخدمة شعبنا الذي ندعي نحن جميعاً بالنطق باسمه دون ان نحقق شئ ملموس له ولكننا غارقين في لجة الصراعات وكل يوم نخلق اسباب مشروعة لنؤجج نار الصراعات .

 الغريب كما قلت ان الاحزاب الآشورية هي التي تمسك بيدها الخيوط السياسية والأعلامية والمالية ولكن المشكلة ان هذه الأحزاب تصور نفسها على حلبة الصراع وكل جهة تتربص لتوجيه الضربة القاضية لايقاع الخصم ، ولكي اكون منصفاً اقول : إن جميع الأحزاب الآشورية والمتعاطفين معهم يلجأون بشكل وآخر الى تهميش قوميتنا الكلدانية وهذا توجه غير منصف ويصب في خانة اللاأخلاقية السياسية ويمثل قمة التعصب الأعمى الذي لا مبرر له . لكن من الأنصاف ان أقول ايضاً ان المجلس الشعبي الكلداني السرياني الآشوري يسعى الى الأنفتاح الى الآخر ويظهر ذلك من تعاونه مع احزاب قومية كلدانية وأملنا ان لا تكون هذه أيضاً مناورة للألتفاف على شعبنا الكلداني كالتي سلكتها الحركة الديمقراطية الآشورية .

إن الجدلية القائمة حول الحكم الذاتي تدور بين أحزاب آشورية كما قلت وشعبنا الكلداني والسرياني ليس لهما صوت مسموع في هذه المعادلة والجدلية التي تدور رحاها على المواقع الألكترونية ووسائل الأعلام الأخرى

إن الواقع الكارثي لشعبنا اليوم والذي يتلخص في إقصائه من مدن الجنوب والوسط والموصل وما يتحمله من المصائب والمآسي من اقصاء من الوطن والرحيل نحو المجهول وطلب المعونة والمساعدة من المنظمات الأنسانية ، إن هذا الواقع المرير  يحتم على القوى السياسية ان تنسى خلافاتها وان تنبذ وتبتعد عن محاولات الخسارة والربح وانتهاز الفرص للاجهاز على الخصم ، ينبغي ان ننطلق من ارضية اننا شعب واحد وليس احزاب سياسية عديدة إنها فرصة تاريخية .

 المعروف ان شعبنا قدم سفراً طويلاً إن كان في بناء الحضارات القديمة للعراق او المواقف التي وقفها شعبنا منذ تأسيس الدولة العراقية ، أو إن كان على نطاق مساهمتنا في الوقوف الى جانب الشعب الكردي وهو يكافح عبر عقود لنيل حقوقه .

علينا العمل بإخلاص وشفافية للاجابة على اسئلة :

ـ اين تقف الحكومة المركزية في بغداد من مشروع الحكم الذاتي لهذه الشريحة العراقية الأصيلة ؟

 ـ ما هو موقف حكومة اقليم كردستان من مشروع الحكم الذاتي المطروح ؟

ـ هل يكون مشروع الحكم الذاتي مرتبطاً بأقليم كردستان ام بالحكومة المركزية ؟

ـ ما هي المناطق الجغرافية التي يشملها الحكم الذاتي ؟

هل هي مناطق سهل نينوى الممتدة من شمال الموصل باتجاه البلدات والقرى المسيحية الرابضة في هذا السهل الواصل الى سهل القوش ؟

وهل يشمل هذا التقسيم ليمتد الى بغديدا وكرملش وبرطلة ؟ ما مصير القرى والبلدات في اقليم كردستان ؟

ـ ما هي مواقف الأطياف الأجتماعية الأخرى لا سيما الأقليات منها والتي تتشابك مع شعبنا في تداخل جغرافي واقتصادي واجتماعي وتاريخي ؟

ما هي اسس التعاون والتفاهم مع هذه الشرائح والتي طالها الأضطهاد والتهميش وطمس الحقوق ايضاَ ؟ هل يمكن ان نشكل وحدة إدارية مشتركة ؟

ـ ما هو موقف الأكثريات في المنطقة من العرب والأكراد ؟ هل يمكن ان نتفاهم مع هؤلاء لوضع اسس من الجيرة الطيبة تحت لواء العراق الواحد ، وإن هذه الحقوق ليس لها مساس بهذه الوحدة ؟

ـ هل نرضى بإدارة ذاتية متواضعة  تشمل شؤون إدارية وثقافية لا اكثر كالحقوق الثقافية التي شرعت في عهد صدام حسين والتي عرفت بحقوق الناطقين باللغة السريانية ؟

هذه النقاط وغيرها ينبغي إدراجها في برامج العمل للاحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني لشعبنا لكي نخرج جميعاً بصيغة مقبولة من شعبنا ومن القوى الأخرى التي نتداخل ونتفاعل معها جغرافياً واقتصادياً واجتماعياً وسياسياً ، إننا مع هذه القوى جميعاً تربطنا هوية اصيلة أنها الهوية العراقية .

هل ننتظر توجيه الضربة القاضية لخصمنا في مكوناة شعبنا ؟ هل نستخف ونتهكم على ما تطرحه الحركة الديمقراطية الاشورية؟ او المجلس الشعبي الكلداني السرياني الآشوري او الحزب الوطني الآشوري ؟ او الحزب الديمقراطي الكلداني ؟ او المنبر الديمقراطي الكلداني او المجلس القومي الكلداني ؟

 إنها مسؤولية تاريخية كبيرة تتحملها هذه الأحزاب .

 وبنظري ان تكف الحركة الديمقراطية الأشورية بالنأي بنفسها بعيداً عن القوى الأخرى فالغرور ليس عملية سياسية رشيدة ، لقد قرأت عن وجود لجنة تنسيقية بين أحزاب شعبنا وإن المجلس القومي الكلداني انضم الى هذا التنظيم مؤخراً ،  لكن تأسفت حينما قرأت ان اللائحة لا تضم الحركة الديمقراطية الآشورية .

لنخرج من قوقعة التخندق الحزبي ومحاولات الأقصاء وتهميش المكوناة القومية لشعبنا وننطلق نحو الهواء الطلق في التعبير عن مصالح شعبنا الذي نتكلم باسمه ونستمد قوتنا من قوته ، إنه وقت الحوار الأخوي البناء وليس وقت التربص لتسديد الضربة القاضية الى الخصم ، فنحن لسنا خصوم نحن شعب واحد .

سوف نحاول نحن الكلدانيين ان نتحمل المزيد من تغييب صوت شعبنا الكلداني من أجل عيون تحقيق طموحات شعبنا المسيحي عموماً .

المقالات التي ننشرها تعبر عن آراء أصحابها ولا نتحمل مسؤولية مضمونها