بقلم : حبيب تومي / اوسلو

اقرأ المزيد...

habeebtomi@yahoo.com


080616

 وشـعبنا الكلــــداني يصرخ وينـادي .. أيـن حقـي ؟

الكلدانيون قوم عراقي وديع  اصيل ، جغرافيتهم أرض العراق بجبالها وسهولها وأنهارها وفلاتها وهضابها . تاريخهم يتأثل في عمق تاريخه وإصالة حضاراته . عكف الكلدانيون على السكن في ارجاء وطنهم العراقي بجنوبه وشماله ووسطه ، إنهم يعايشون الأقوام العراقية بانفتاح وهوية عراقية  وبعيداً عن اية حساسية ، إنهم أكراد مع الأكراد وعرب مع العرب ومسلمين مع المسلمين ويزيدية مع اليزيدية .. إنهم يخاطبون اليزيدي باللهجة الكردية الكرمانجية والمصلاوي باللهجة المصلاوية والبصراوي باللهجة البصراوية والآشوري باللهجة الآشورية ، ولكن مع هذا الأنفتاح والأنسجام مع الآخر انهم كلدانيون قوميون دون تعصب وهم باقون على لغتهم الكلدانيــة وليس الى نسيانها سبيل .

عن وضع شعبنا في عهد صدام اقول بتجرد من العواطف والأهواء ان عهد صدام حسين تميز بالمساواة والعدالة في توزيع الظلم على الناس دون تمييز بين شرائح وأقوام النسيج المجتمعي العراقي ، فمن يعارضه مصيره محتوم وليس مهماً ان يكون هذا المعارض سني او شيعي كردي او عربي ابن الفاو او ابن سليمانية او ابن تكريت إن كان من الدين المسيحي او اليزيدي او الأسلامي وكان هذا الحكم جارياً على اقرب مقربيه وابعد الناس اليه في كل انحاء العراق  .

وإذا قلنا كان الظلم يطال المسيحيين في زمن صدام ينبغي التريث قبل إطلاق مثل هذه الفرضية فالمسلم لم يكن سالماً او محصناً ضد الظلم ، والظلم يطال المسيحي ليس بسبب دينه إنما بسبب موقفه السياسي .

بعد 9 نيسان 2003 حينما تبوأت الأحزاب الدينية زمام السلطة في العراق ، بات العراق مرتعاً للفوضى والأرهاب والتهجير والعنف الطائفي وهذه الحالة المأساوية تركت جرحاً بليغاً على الأقليات الدينية من العسير ان يندمل وكان شعبنا الكلــــــداني في مقدمة من طالهم الأرهاب حتى وصلت يد الأرهاب الى اعلى رموزه الدينية حينما  خطف في واضحة النهار المطران الكلــداني فرج رحو واغتيل فيما بعد بدم بارد .

ادعى بول بريمر الحاكم المدني الأمريكي للعراق بعد 9 نيسان 2003 انه يراعي الثقل الديموغرافي للتمثيل في مجلس الحكم ، وحينما أراد ان يمنح شعبنا الكلــــــداني ما يستحقه بما يناسب وثقله السكاني ، منح بول بريمر  إجازة لضميره ، وهكذا فيما كان يفترض انصاف شعبنا الكلداني بات بريمر دون ضمير يحاسبه فقرر ان يهمش هذا الشعب العريق ويقول انه اختار ممثل الآشوريين بدلاً عنهم ، والرجل يعترف بفعله القبيح هذا دون  خجل او وخزة من ضمير .

وأنا هنا لست ضد ان يكون للاشوريين ممثلاً عنهم ، لكن من حق الكلــــدانيين ان يكون لهم ممثلاً ايضاً ، وإن كان هنالك مكان واحد للمسيحيين فكان يجب ان يكون كلـــــداني وليس آشوري .

لحد الآن الظلم وارد من الغريب ، لكن ماذا عن موقف الشقيق القريب ؟  وهنالك مثل يقول : إن ظلم ذوي القرابة اشد مضاضة وأكثر أيلاماً ، فماذا كان موقف الأحزاب الآشورية بعد ان منحوا السلطة والجاه ؟

من المفارقات ان يشبه هذا الأختيار يوم تأسيس الدولة العراقية حيث همش الأنكليز الأكثرية الشيعية ليعطوا السلطة للأقلية السنية ، وهذا ما حصل لنا مع الأمريكان حينما منحوا السلطة السياسية للأقلية الآثورية وهمشوا حق الأكثرية الكلدانيـــــــــــــــة .

لقد قال اخواننا الآثوريون اننا شعب واحد وسنكون عادلين لا نفرق بين ابناء شعبنا المسيحي إن كانوا من الكلـــــدان او من السريان او من الآشوريين او الأرمن . ولكن هل تميز ( سادتنا ) الآشوريون بالعدالة والشفافية في معاملتنا نحن الكلدانيين المساكين ؟ ( ملاحظة ، ان المسكين لفظ بابلي قديم هو : مشكينو ، وهي الطبقة الوسطى بين العبيد والأحرار ، وطبقة الأحرار  يمثلها الحكام وكهنة الهياكل والتجار ) . 

 الواقع ينفي هذه الفرضية ، لقد كانت باكورة اعمالهم ألغاء وتهميش القومية الكلدانية من خارطة العراق القومية ، وهيمنوا على كل المناصب المخصصة للمسيحيين وحتى الوظائف الأدارية من الدرجة الثانية إن كان بعض الكلــــدان قد استلموها ، كان عليهم تطبيق شروط الأحزاب الآشورية الصارمة ، اولاً على من يتسلم وظيفة من الكلدانييــــن ان يقدم شهادة حسن السلوك لهذا الحزب ، بأن ينكر قوميته الكلـــــــــــدانية ويعترف علانية ان الكلدانيــــــة مجرد مذهب كنسي تابع لطبقة الأسياد الآشوريين احفاد سنحاريب وآشوربانيبال .

 اما من يصرح بأنه قوميته كلدانية فإن امله قد ضاع في استلام أي منصب حتى لو كان مؤهلاً له ، وستلاحقه تهمة التآمر والخيانة ، كيف لاء وقد مزق وحدة ( الأومثا ـ يمّأ ) ، وهكذا نرى الكثير من الكلدانييـــن قد انخدعوا بهذا الخطاب او ربما خوفاً على مصالحهم او سعياً وراء المناصب نراهم قد تنكروا لقوميتهم الكلدانية العراقية الأصيلة التي ورثناها من آبائنا وأجدادنا وركبوا نفس المركب في توجيه تهم العمالة او الخيانة لبني قوميتهم الكلدانيـــــــة .

 لقد حاول نخبة من الكلدانييــــــن من تأسيس احزاب سياسية ومنظمات المجتمع المدني التي تأخذ لها اسم الكلدانيــة فتعرض هؤلاء الى اقسى التعابير الواطئة يطلقها رواد احزاب اديولوجية قومية آشورية ، والتهم حاضرة فهم عملاء البعث والمخابرات واليوم هم عملاء الأكراد او المستكردين ، ولقد نسي هؤلاء السادة بأنهم كانوا هم وتنظيماتهم في حماية الأكراد لعقود من الزمن القريب ، فلماذا هذا التشهير ؟

 لم تتسم الآحزاب الآشورية بالنزاهة والشفافية المطلوبتين في تمثيل شعبنا المسيحي والوقائع كثيرة منها :

 1 ـ كما اسلفت قبل قليل إن المناصب العالية هي من نصيب الآشوريين فحسب ويتعين ان تكون من نصيب من له الكفاءة من بين ابناء شعبنا وليس حسب الأنتماء الحزبي او القومي ، وينبغي ان لا نقتدي بالأحزاب الدينية العراقية التي تمارس ثقافة الولاء الطائفي او الحزبي .

2 ـ منح مناصب حتى من الدرجة الثانية للكلــــدان والسريان لمن هو مؤيدأ ومناصراً لخطاب الأحزاب الآثورية فحســـب ومن يعارض خطابهم فهو من الخونة ومن المغضوب عليهم ولا يستحق حتى السلام عليه .

3 ـ تفرض المواقع الألكترونية المحسوبة على الأحزاب الآشورية تعتيماً وتهميشاً لما يطرحه المثقفون الكلــــدان وابوابها موصدة امامهم ، وجريرتهم انهم يتجرأون وينتقدون خطاب هذه الأحزاب وهذه المواقع مشرعة الأبواب امام الأقلام التي تمجد الخطاب الأديولوجي المتزمت فحسب  .

4 ـ قناتا آشور وعشتار : لقد كانت فضائية آشور مغلقة للحركة الديمقراطية الآشورية ولمن يقف معهم من الكلدان والسريان من ناكري قوميتهم ، وبعد ان افتتحت فضائية عشتار كان ينبغي ان تكون منصفة بين المسيحيين اجمعين إن كانوا من الكلـــدان او السريان او من الآشور ، لكن لكن اخواننا الآشوريون في نهاية المطاف احتلوا الفضائية بشعارها ولهجتها وأزيائها ومغنيها وشهدائها و...  فغيب الكلــدان بقدرة قادر ، فليس بين الكلـــدان مغنين او مطربين ولهجتهم الكلدانية هي عربية واللهجة الأصيلة هي الآشورية فقط ، وشعارها الآشوري هو العراقي الأصيل ، فشعار الكلدانية مستورد من كوكب المريخ وهو غريب يعود للمارقين الكلــــدان ممن يمزقون اوصال الأمة ، وفي هذا السياق : (( كان هنالك كلداني واحد من القوش قدم برنامجاً ناجحاً لكن الرجل شرد او شُرّد .. ))  واخيراً كتب الله النصر لهم في هذه المعركة ، وكما كان يردد سابقاً : يا محلى النصر بعون الله .

5 ـ وهناك حالة الاحظها على بعض الكتاب من شعبنا تشبه حالة التقية التي يسلكها الأسلام الراديكالي ، حيث يخوضون معركة إلغاء شعبنا الكلـــداني بفكر ايديولوجي مخادع فهم يخوضون غمار المعركة بوجهين ، وجه حينما يخاطب الكلـــدان فيقول : شعبنا ( الكلدوآشوري السرياني)  او يقول : شعبنا  ( الكلداني السرياني الآشوري ) ، ولكن في نفس اللحظة ترى هذا الكاتب حينما يخاطب الآشوريين لا يأتي بذكر الكلــدان او السريان ويكتفي بالتعبير الآشوري . الى جانب هذا الخطاب المموه المخادع  نلاحظ خطاب المؤتمر الآشوري الصريح يعبر عن حالته الأقصائية كأي حزب قومي متشدد ويعلن ذلك بصراحة ودون مواربة او خداع . لكن الساسة والكتاب يعبرون عن هذا الرأي بكثير من النفاق السياسي  والخداع الذي لا ينطلي على ذي نظر .

 إنها حالة إقصائية شمولية اديولوجية تهدف الى إلغاء شعبنا الكلداني من الخارطة القومية العراقية . وهذا تجني على التاريخ وتجني على حقوق الأنسان وحقوق الأقليات القومية .

 لقد قرأنا عن حالات كثيرة عن اكراد استعربوا او استتركوا ( من التركية ) ومن حق الأنسان ان يختار القومية التي يرتأيها لنفسه ، ومن ابناء شعبنا الكلدانــي اليوم من يتنكر لقوميته الكلدانيـــة ، وهذا شأنهم ، لكن ليس من حقهم ان ينكروا القومية الكلدانية لمن يريد ان يعتز بتاريخه وتراثه واسمه القومي ، وإن كانوا هم احرار في تغيير قوميتهم ، فغيرهم أحرار أيضاً في البقاء على قوميتهم الكلدانيــــة الأصيلة ، وليس من الأنصاف ان يتحولوا هم وأحزابهم الآشورية  الى مؤسسات قهرية تصبو الى تحجيم مكوناة شعبنا من الكلدان والسريان وحصرهم في زاوية المذهب الديني ليس أكثر ، إن هذا التعالي يعمل على تشظي مكوناة هذا الشعب المغلوب على أمره اصلاً .

 ونمضي مع الأحداث فبعد ان بدأ بول بريمر بإقصاء شعبنا من الخارطة السياسية وفتح الأبواب على الآشوريين لجأ المستفيدين من هذا الوضع وتحت شتى الذرائع دأبوا يتسابقون للأقتداء وتهميش شعب له تاريخه واسمه . إنهم يريدون تحجيم وشائج شعبنا الأخوية  من الكلـــدان والسريان والآشوريين الى رؤيتهم الأديولوجية الأقصائية لمكوناة شعبنا الأصيلة ، إنهم باسم الوحدة يحطمون الوحدة المبنية على الأسس الديمقراطية ، ويكرسون لوضع لَبنات وحدة اقصائية كالتي تمت بين العراق والكويت يوم غزو دولة الكويت .

إن وضع الكلــــدان ( الأكثرية المسيحية ) اليوم يشبه الى حد كبير وضع الشيعة ( الأكثرية الأسلامية ) ، الذين طالهم الأهمال والتهميش ، لقد كان مجلس قيادة الثورة الحاكم في العراق منذ تأسيسه في عام 1968 جميع اعضائه من السنة ولم يكن في  الهيئة القيادية للعراق تمثيل للشيعة ، وهذا هو مصيرنا نحن الكلــــدان ( فقد خرجنا من المولد بلا حمص ) فقد اختفى تمثيلنا في وطننا العراقي من مواقع المسؤولية إن كان في الحكومة العراقية او في اقليم كردستان او في وسائل الأعلام .

 في الوقت الذي نطلب من شعبنا الكلداني ان ينهض ويقول كلمته بصوت عال ، وفي ذات الوقت نطالب من ان يكون لشعبنا الكلــداني تمثيله في مؤسسات الدولة العراقية ان كان في الحكومة المركزية او في أقليم كردستان باعتبار شعبنا الكلداني اقدم الشعوب القاطنة في هذه الديار فهل من مجيب لهذا الحق ؟

وسنبقى نحن الكلدانييــــن ما دامت حقوقنا مهضومة نصرخ  وننادي :

                                                       أيـــن حقـي ؟

المقالات التي ننشرها تعبر عن آراء أصحابها ولا نتحمل مسؤولية مضمونها