لماذا الأمن والأمان في اقليم كردستان
فقط ؟
العراق
جغرافياً يمتد من الفاو الى زاخو لكن سياسياً تتفاوت اقاليمه ، فأقليم
كردستان ينفرد في استتباب الأمن والأستقرار على اراضيه فيما تفتقر
المناطق والمدن العراقية الأخرى الى نعمة الأمن والأمان بصورة او اخرى .
ثمة
استنتاجات ومعايير توضع لأسباب الأنفلات الأمني في مدن العراق وفي
مقدمتها الصراع الطائفي ، وينبغي ان نشخص المسببات قبل الخوض في معالجة
العلل . فالحكومة التي اخذت منحى الأصطفاف الطائفي والديني كانت السبب
الرئيسي في الولادة القيصرية للحكم السياسي في العراق .
الأحزاب
الدينية شكلت مراكز قوى مستقلة وهي تلجأ بصورة وأخرى ، وبصراحة ودون
مواربة ، تعلن ولائها للدول المجاورة ناسية او متناسية هويتها العراقية
، فكانت ( جمهوريات ) الأحزاب الدينية تمتلك ميليشياتها المسلحة او
جيوشها ، وفي حوزتها السلاح والعتاد ولها المحاكم والسجون وتجري اتصالات
بدول اجنبية والى آخره من ممارسات التي تبلور وكأنها دول داخل الدولة
العراقية .
الأحزاب
السياسية ينبغي ان يكون ولائها للوطن ، والقاعدة الطبيعية هي التضحية
بالمصلحة الحزبية من اجل الوطن ، لكن أحزابنا الدينية تصر ان تضحي بمصلحة
الوطن والشعب من اجل مصلحتها الحزبية التي تبلور ولائها للدولة الأجنبية
التي انعمت على احزابها .
الحقيقة
المعروفة انه لا يوجد حزب سياسي يستطيع بقدراته الذاتية الحصول على
السلاح ، فالدولة الأجنبية التي يخلص لها هذا الحزب تزوده بالسلاح عبر
قنوات دولية معقدة ، وهذا يكلف مبالغ باهضة وبعد ذلك ينبغي التدريب على
هذه الأسلحة ومن ثم يجري الدفع للرجال المسلحين من رواتب واعتدة وإعاشة ،
ومن الطبيعي في هذه الحالة ان يدين مثل هذا الحزب لولي نعمته ويطيع
اوامره ويرتبط بأجندته حتى لو كان على حساب وطنه . والمواطن العراقي هنا
ينخرط في طاعة رئيس تنظيمه وتبقى عيونه مفتوحة الى حفنة الدولارات التي
يستلمها في نهاية الشهر او عن كل عملية يقوم بها ، وتبرير هذا السلوك
تدعمه رزمة من الشعارات الثورية من مقاومة المحتل ، والسعي الى إفشال
المشروع الأمريكي في العراق والمقاومة الشريفة وتحرير فلسطين الى آخره من
الشعارات البراقة التي تجذب البسطاء والمحتاجين من العراقيين . وأمام
هذه الحجج الواهية يهون جلب الأسلحة والسيارات والبهائم والبشر المفخخين
بالمتفجرات لقتل العراقيين ، وهذه مقاومة شريفة ضد المحتل .
يتعين ان
يكون من الف باء قواعد الدولة ان تكون هي المحتكرة للسلاح وللعنف ولا
تنازل عن هذه القاعدة وبغير هذه الممارسة تتعرض الدولة الى الأنهيار .
فالسلاح حق اصيل تحتكره الدولة دون سواها من التنظيمات السياسية
الداخلية . ومثال واقعي على هذه الممارسة كان مجسداً في اقليم كردستان ،
وإن كان ثمة من يزعم بأن التجانس الأثني والديني كان وراء استتباب الأمن
في هذه المنطقة فإن هذا المنطق لا صحة له فالجنوب متجانس دينياً وأثنياً
ومذهبياً بينما اقليم كردستان فيه تنوع ديني وأثني ومذهبي ، والفرق ان
التنوع في اقليم كردستان يسوده التعايش والتفاهم والتسامح . كما ان
الأحزاب الكردية ينحصر ولا ئها بأقليم كردستان والوطن العراقي ، فيما
الأحزاب الدينية في الوسط والجنوب يأتي الولاء للوطن بالدرجة الثانية بعد
ولائها للممولين .
في اقليم
كردستان ينحصر السلاح بيد الدولة ومن يحمل السلاح بدون رخصة من حكومة
الأقليم يعتبر سلاحاً معادياً لمصلحة الشعب والدولة ، ولا يسمح بحيازته
دون أذن من السلطة ، ويسود منطق القانون وهو مسلط على رقاب الجميع .
لكي لا ابتعد
عن المصداقية والواقعية ومنطق الحياد في الحكم على الوضع في اقليم
كردستان ينبغي عدم الأفراط في التفاؤل ، فكردستان ليست جمهورية افلاطون
الفاضلة وليست سويسرا المعاصرة ، بل ينبغي الأقرار ان منطقة كردستان قد
مر عليها عقود من الحروب والأقتتال الداخلي الكردي الكردي والتهميش
والأهمال في التنمية والبناء وخرجت كردستان من ركام هذا الواقع المرير
وهي منهكة اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً ، وأمامها طريق طويل لبناء
الأنسان الكردي ومكافحة الفساد الأداري والمالي وتوفير الخدمات الضرورية
. لكن بعد هذه المعاناة وبعد ان تنفست عبير الحرية ، سلكت القيادة
الكردية مع شعبها طريق التنمية والبناء ، ويمكن القول ان كردستان تمضي في
الطريق الصحيح وقد قطعت شوطاً مهماً في هذا الطريق .
الى اليوم
ثمة من يحاول وضع العصا في عجلة التطور في اقليم كردستان ، وما التحرشات
العسكرية بين الفينة والفينة من قبل أيران وتركيا ومحاولات إدخال عناصر
الأرهاب والمفخخات الى هذه المنطقة الأمنة إلا عوائق تنزع الى جر المنطقة
الى دائرة الفوضى والأرهاب التي تسود كثير من المناطق الســاخنة في
العراق .
لقد كان
انعقاد مؤتمر البرلمانات العربية في كردستان إشارة واضحة للوجه المشرق
لهذا الجزء العزيز من الوطن ، إن الأستاذ مسعود البارزاني أكد خلال
لقاءاته مع البرلمانيين العرب دعوته لرجال الأعمال والمستثمرين العرب
للمساهمة في اعادة إعمار العراق وأقليم كردستان الذي تتوفر فيه الأرضية
المستقرة المناسبة للأستثمارات الأقتصادية ، إن الوضع الأمني في كردستان
والقوانين التي تسهل الطريق امام الأستثمارات الأجنبية تجعل من أقليم
كردسان أرضاً مناسبة للبناء والتعمير والنمو ولذلك فإن امام كردستان طريق
صعب وطويل ، لكن الذي يدعو للتفاؤل انها تسير في الطريق الصحيح ، وتبقى
تجربتها صفحة مشرقة في المشهد العراقي ونتمنى ان تعم التجربة الكردية في
التعايش المدني والبناء السلمي كل مناطق وطننا العراقي الحبيب .
|