بقلم : حبيب تومي / اوسلو

اقرأ المزيد...

habeebtomi@yahoo.com

071229


كردستان .. تداول مواقع المسؤولية ما له وما عليه

حينما قدر للعراق ان  يتحرر  من قبضة الحكم الدكتاتوري كانت الآمال معقودة على بناء دولة عراقية معاصرة تقوم على اساس اعلاء كلمة النظام والقانون وتشييد دولة مؤسساتية راسخة ، لكن الفراغ الأمني الذي خلفه الحكم الدكتاتوري استوعب من قبل الأحزاب الدينية التي تسربلت بغطاء طائفي ، فحل الخراب مكان البناء ، واستشرى الفساد والنهب والسلب بدل الشفافية والحفاظ على الأموال العامة  وكانت الطائفية والمحسوبية والقبلية والميليشيات والمجموعات المسلحة عوظاً عن مؤسسات الدولة .

 لكن الآمال لم تنقطع فلا زلنا ننظر الى النصف المملوء من الكأس ، وهذا الأمل والتفاؤل يزدهران حين النظر الى تجربة أقليم كردستان ، ففي هذا الجزء العزيز من الوطن كان للشعب الكردي تجربة مريرة على مدى عقود ، وحينما توفرت اسباب الأمان والأستقرار له في مطاوي 1991 من قبل الهيئات الدولية ، كرس هذا الشعب ( الشعب الكردي ) نفسه لعملية البناء والتعمير ووضع اسس متينة لأرساء قواعد النظام والقانون وبناء دولة المؤسسات .

لقد أثبت الشعب الكردي للعالم أجمع الوجه الناصع لقضيته وحينما وجد نفسه طليقاً من الأغلال والظلم انخرط مباشرة في عملية البناء وعزز اسس السلام والأستقرار واشترك في اللعبة السياسية من اوسع ابوابها .

للأكراد اليوم كيان فيدرالي ضمن الدولة العراقية ، وهي بذاتها أي كردسان لديها برلمان منتخب وحكومة قائمة تعمل ليل نهار من اجل حفظ امن المواطن ومواكبة عملية البناء والتعمير .

إن اقليم كردستان لا يزال يفتقر الى دستور دائم الذي يعتبر القانون الأساسي في البلد ، وهو العقد الأجتماعي والعمود الفقري لبناء دولة القانون والذي يحدد هيكلية الدولة ويضمن حقوق شرائح المجتمع وفي مقدمتها حقوق الأقليات .

في الحكم الدكتاتوري ، يكون الحاكم فوق القانون وأعلى من تشريعات الدستور ، وهو الآمر الناهي ، وقد يستطيع الحاكم المستبد في هذه الحالة من فرض الأستقرار والهدوء بفعل عمليات الظلم والبطش .

لكن حالما تسقط الدكتاتورية ينهار البنيان الهش الذي كان قائماً على ركائز فردية غير مدروسة تتناغم مع مزاج القائد الأوحد . أما دولة  دولة المؤسسات والقانون لا يمكن ان تنهار بانهيار الحاكم ، فرئيس الجمهورية في هذه الدولة هو موظف ، وتنحصر مسؤوليته في إطار وظيفته بالأدارة ، وهذه الحالة تتجلى في الديقراطيات الأوروبية وأميركا والهند واليابان وكوريا الجنوبية واستراليا وغيرها .

تلقب اليابان بدولة الشركات ، اما الولايات المتحدة الأمريكية فهي دولة المؤسسات وفيها الأدارة قائمة فاعلة مهما كان التغيير في قمة الهرم ، إن تداول السلطة بين الحزبين الرئيسيين في امريكا يساوي الفرق بين برنامجيهما والتنافس يجري على جذب الناخب الأمريكي صوب برنامج الحزب الذي يشرح رؤيته لخدمة البلاد .

في اقليم كردستان يبدو ان غياب الدستور الدائم قد أفرز الأتفاقية بين الحزبين الكرديين ، حزب الأتحاد الوطني الكردستاني ، والحزب الديمقراطي الكردستاني ، في تداول سلطة رئيس الوزراء ، وسلطة رئيس البرلمان في اقليم كردستان كل سنتين من عمر الأنتخابات النيابية التي أمدها أربعة سنوات . في الحقيقة ان هذا الأتفاق يجسد نوع من المساواة والعدالة ، لكن من الجانب الآخر قد يكون له تأثير سلبي على مجمل البرامج السياسية والأقتصادية والتنموية التي تزمع الحكومة على تنفيذها في بحر السنوات الأربع لدورة حكمها .

إن سلّمت بيت غير كامل البنيان لمقاول آخر يكمّل ما بدأته في البناء ، فسيكون للمقاول الثاني رؤية تختلف عن رؤيتي ، في ان هذه الغرفة صغيرة وتلك النوافذ ليست في محلها ، وغرفة الأستقبال كبيرة جداً الى آخره من التصورات التي يراها المقاول الثاني، ولهذا يفضل ان ينهي المشروع من بدأه لكي يتحمل مسؤولية النجاح او الفشل .

 وفي المشهد السياسي ، قدرت مدة الحكم في الحد الأدنى بأربعة سنوات ، تستلم الحكومة مهامها وتنفذ برامجها وتنتهي منها بعد أربعة سنوات ، وهذا النظام سار في الولايات المتحدة التي يتانافس على حكمها حزبان رئيسيان ، وفي تصوري  ان الحكومة الأقليمية في كردستان ربما ألأجدى ان تستمر دورتها الحالية ولغاية أربع سنوات ، لتنهي ما بدأته من مشاريع اقتصادية وسياسية ، ثم تليها حكومة ثانية من الحزب الآخر ولمدة أربع سنوات أيضاً وهذا باعتقادي المتواضع سيكون في خدمة التنمية في كردستان .

المقالات التي ننشرها تعبر عن آراء أصحابها ولا نتحمل مسؤولية مضمونها