بقلم : حبيب تومي / اوسلو

اقرأ المزيد...

habeebtomi@yahoo.com


قراءة تحليلية في طروحات السيد سركيس آغاجان 

071129

كان السيد وسام كاكو قد اجرى مقابلة مع الشخصية العراقية المعروفة وزير المالية في حكومة اقليم كردستان الأستاذ سركيس آغا جان . وما لفت انتباهي هو المحور الثالث من هذه المقابلة حيث ورد فيها جملة مواضيع هي حديث الساعة ، وابرز ما تطرق اليه بصراحة كان موضوع التسمية ، والحكم الذاتي لشعبنا .

وفي البداية احب ان اذكر ان شخصية السيد سركيس آغا جان تذكرني بالشخصية العراقية المعروفة وهي شخصية المرحوم يوسف غنيمة ، فهذا الرجل مسيحي كلداني شغل منصب وزير المالية ايضاً في عدة وزارات عراقية :

وزارة عبد المحسن السعدون الثالثة  ، وتوفيق السويدي ، ووزارة نوري السعيد سنة  1930 ووزارة جميل المدفعي ثم في الوزارة الأيوبية الأولى ووزارة ارشد العمري .. ومنحه الملك غازي وسام الرافدين من الدرجة الثانية سنة 1934 ، وكان من مؤسس حزب الأخاء الوطني المعارض لنوري السعيد وكان ابرز شخصيات هذا الحزب : محمد رضا الشبيبي وياسين الهاشمي وعلي جودت الأيوبي ورشيد عالي الكيلاني ، ويوسف غنيمة وتوفيق السويدي وغيرهم . وكان المرحوم يوسف غنيمة يجاهد في مجلس الوزراء وفي البرلمان وفي مجلس الأعيان في تثبيت حقوق شعبه الكلداني ، وفعلاً استطاع المسيحيون من ان يكون لهم صوت مسموع في الدولة العراقية . كان من مجموع 100 نائب في المجلس التأسيسي 5 نواب مسيحيين ومثلهم من اليهود ، وفي سنة 1956 كان للأقلية المسيحية ثمانية نواب في البرلمان العراقي ، وكان هناك عيّن مسيحي كلداني واحد ثابت في مجلس الأعيان المتكون من 20 عضوا .

 من ناحية الأدب والثقافة اصدر جريدة صدى بابل ، وانشأ جريدة السياسة وكتب في مجال اللغة والأدب وكتب سلسلة مقالات منها : احوال الكلدان على تواري الأزمان ، انتقاء الزوجات ، العناصر والأديان في المملكة العثمانية وغيرها كثير ... وقد أوردت هذه الشخصية لأقول ان السيد سركيس اغاجان أيضاً هو وزير المالية في حكومة اقليم كردستان وينتمي الى حزب كردي وهو يشجع الثقافة والأدب ، وهو يدافع عن حقوق شعبنا .

 أرمي في هذا المقال الى قراءة تحليلية لما ورد في المحور الثالث للمقابلة التي اجراها معه السيد وسام كاكو .

بالنسبة الى التسمية التي اطلقت على مكونات شعبنا ( الكلداني السرياني الآشوري ) ، يقول السيد آغا جان جاءت لكون الكلــــدان يمثلون الأكثرية ويليهم السريان ثم الآشوريين .

 بتصوري أن العبرة تنحصر في احترام كل التسميات التاريخية لشعبنا وفي عدم إلغاء أي تسمية ، او اعتبار واحدة تسمية الأسياد او هي  تمثل القومية والأخر تأتي في عداد المذاهب الكنسية ، كقولنا الآشورية تسمية قومية والكلدانية تسمية لمذهب كنسي ، وهذه الفرضية السطحية الساذجة ، وإشكالية تخوين من لا يقر بها هو عمل يمزق وحدة شعبنا ، فالكل يعتز بتسميته التاريخية القومية وإن وضعها بصورة مجتمعة تعني اننا شعب واحد .

وفي رأيي المتواضع ينبغي الا تكون التسمية عائق في توحيد خطاب شعبنا ، والعبرة هي في تخطي هذه الجدلية لننتقل الى ساحة العمل ، بغية إيجاد مكانة لائقة لشعبنا على الخارطة السياسية العراقية  .

إن توحيد التسمية لا يشكل عصا سحرية تضع الحلول الناجزة لكل معضلاتنا ، والأستدلال ظاهر من التسمية العربية الواحدة التي فشلت في توحيد الصف العربي الى اليوم . فالتشبث بذريعة التسمية هي اشكالية ممانعة اطلقها غلاة القومية بغية إخماد انفاس الآخر ، وليس لهم أي برنامج واقعي لخدمة شعبنا سوى الشعارات الثورية البراقة التي لا تغني ولا تشبع .

إن وضع البرامج الأنمائية وتوفير فرص العمل واختزال اسباب الهجرة الأستنزافية لمكوناة شعبنا مما جعلنا أقلية مجهرية هامشية . ان وضع الحلول لأزالة تلك الأسباب يعني التعامل مع شعبنا بشكل واقعي بعيد عن الأفكار المثالية الأقصائية المتحجرة .

                                                الحكم الذاتي

 ثمة صلة وثيقة بين حقوق الأنسان وحقوق الأقليات لجهة ان كليهما يأتيان في سياق المسعى الى توفير الكرامة الأنسانية . ففي ظل الهيمنات الدولتية المركزية يكون في واحد من وجوهها مركزية هويوية قوموية او ثيوقراطية وهي تجاهد لابتلاع المكونات الفسيفسائية في الأطار الحدودي للدولة الواحدة ، ومن هنا كانت القرارات الدولية بشان الذوات التي لها ما يخصها وما يميزها عن الأكثرية او الأكثريات السائدة .

 يندرج مصطلح الحكم الذاتي لأنتماء هوياتي محدود في دائرة ممارسة الحياة السياسية والثقافية والأقتصادية والأدارية في الصيغ المؤطرة لها والضامنة لتمتعها في حقوقها في ظل الدولة المركزية .

يقول نوري السعيد وهو رئيس لوزارات عديدة في العهد الملكي :

إن بريطانيا منحت العراق الحكم الذاتي الى حد بعيد في سنة 1920 واستقلالاً ذاتياً في سنة 1924 ثم عهدت مهام المحافظة على النظام الى العراقيين أنفسهم فشرعوا بإنماء ثروة بلادهم بطرقهم الخاصة وإنشاء دولة جديدة بأساليب حديثة ، وبناءً على ذلك تأسس نظام برلماني في العراق للحصول على الأستقلال التام والأعتراف به كأمة مستقلة من أمم العالم الحرة . ( الدكتورة عصمت السعيد : نوري السعيد .. 85 ) .

إن قراءتي للأفكار التي طرحها السيد سركيس آغا جان حول مفهوم الحكم الذاتي هي اكثر من طموحة ، وهي ترمي الى إنشاء كيان " الحكم الذاتي " وفيها مفاهيم إدارية وضعية كاملة لكل نشاطات الحياة منها الأقتصادية والسياسية والثقافية والأدارية والتعليمية والطبية .. الخ

بنظري ان هذه الطروحات تستوفي كل ما يتمناه أي شعب له إرادة في النهوض والبناء ، لكن يبقى الشيطان كما يقال كامناً في التفاصيل وهنا يكمن ايضاً في ميكانزم التطبيق وتشعباته ومعوقاته  .

يقول الأستاذ سركيس آغاجان :

(( لم نقل أبداً إننا نريد حكماً ذاتياً مرتبطاً بكردستان. نُريد أن يتم تثبيت الحكم الذاتي لشعبنا في دستورَي العراق والإقليم أولاً، وبعد ذلك يمكن لشعبنا الكلداني السرياني الآشوري أن يُعطي قراره بخصوص إرتباط الحكم الذاتي مع بغداد أو مع الإقليم. ))

إن هذه الفقرة تشير وكأن الحكم الذاتي قد أقر لشعبنا ، إن كان من قبل حكومة اقليم كردستان او من قبل الحكومة العراقية ، في هذا المقام نحن لا ننكر وجود تعاطف مع شعبنا من قبل اوساط معتدلة كثيرة في الحكومة العراقية في بغداد وفي حكومة اقليم كردستان في أربيل ، لكن هذا لا يعني عدم وجود معارضة على هذا المشروع من قبل اوساط في الحكومة العراقية وربما في الحكومة الكردية ايضاً ، فيجب ألا نستسهل الأمور وكأنها في متناول اليد .

 لا مراء بأن شعبنا يطمح ان يكون سيد نفسه ولكن السائل من حقه ان يتساءل : كيف ؟ ومتى ؟ وأين ؟ هذه الأسئلة وغيرها ينبغي الأجابة عليها لكي تختمر الفكرة وتغدو واقعاً ملموساً .

يمضي الأستاذ سركيس آغاجان الى القول :   

(( أود أن أوضح أولاً إن ما نُطالب به هو الحكم الذاتي لشعبنا في مناطقه التاريخية وليس تحديداً في سهل نينوى .. )) .

أزعم ان هذه الفقرة ـ بالنسبة لي على الأقل ـ غير مفهومة ، فأين هي مناطقنا التاريخية ؟ مناطق بلاد ما بين النهرين برمتها هي مناطقنا التاريخية ، إن كان على الصعيد القومي ، فكانت آخر دولة عراقية خالصة  والتي اعقبت الدولة الآشورية هي الدولة البابلية الحديثة او الدولة الكلدانية ، وبعد بزوغ شمس المسيحية على أرض بلاد النهرين استحوذت على قلوب قاطني هذه الديار . ومعها انتشرت الكنائس والأديرة والمدارس المسيحية في أركان هذه البلاد ، فماذا نعني بمناطقنا التاريخية ، وما هي الركائز التي يمكن الأعتماد عليها لتحديد هذه المناطق ؟

في السياق نفسه يقول الأستاذ سركيس آغاجان : 

(( بالمناسبة إن كلامنا هذا لا يعني بأي شكل من الأشكال إننا نُحاول أن نفصل أنفسنا بالحكم الذاتي عن الآخرين، ففي هذه المنطقة يوجد العرب والأكراد واليزيديين والشبك وعدد من الصابئة والتركمان. ستكون لكل هؤلاء، وبموجب عددهم، حقوقاُ وسيشاركون في برلمان وحكومة الحكم الذاتي وهذا سيكون للمقيمين في حدود منطقة الحكم الذاتي فقط وستكون للجميع حقوقاً متساوية حتى ولو بنسبة تمثيل مُتفاوتة )) .

إن هذه الفقرة توضح بأن البنية الديموغرافية ستبقى على حالها وهذا أمر جيد ، فسيشاركنا في منطقة الحكم الذاتي مكونات أخرى من نسيج المجتمع العراقي . ومن أجل المزيد من الأيضاح يسأل السيد وسام كاكو سؤالاً يقول :

(( هل توجد منطقة يُمكن إقامة الحكم الذاتي عليها؟ )) .

وكان الجواب على هذا السؤال :

((  نعم يُمكن في الوضع الحالي وعلى مساحة (2000-5000) كيلو متر مربع وبأغلبية سكان من أبناء شعبنا أن نُشكل الحكم الذاتي. )) .

بقي هذا الرقم يفتقر الى تحديد احدائياته الجغرافية . هل هذه الكيلومترات المربعة تقع في منطقة واحدة ؟  هل تشمل عدة مناطق ولكنها تراعي الواقع الديموغراقي ؟ وهل بهذا القياس ( الديموغرافي )  تحدد المنطقة الجغرافية ؟ وكان على الزميل وسام كاكو ان يستجلي هذه الأمور لكي تكون الصورة واضحة للقارئ .

أقول :

 ثمة نقاط مهمة وردت في سياق المقابلة ينبغي التوقف عندها وهي تشكل بمجموعها قضايا مصيرية وخطاب طموح فيه الكثير من المكاسب التي يتطلع نحوها شعبنا وأي شعب من شعوب الأرض ، ولهذا بنظري ينبغي ان تقرن هذه الطروحات بلقاءات ومؤتمرات ودراسات واسعة من قبل الساسة والنخب الثقافية ورجال الدين والقانونيين . وأن يكون هنالك تحديداً مدروساً ومتفق عليه يشمل النقاط التي تدخل ضمن إطار العمل اليومي التكتيكي ، مع تحديد إطار الأهداف القومية الأستراتيجية وفق رؤية جماعية ، وإن تعذر تكوين هذه الرؤية ـ وهذا أمر طبيعي ـ فيعمل على ترجيح رأي الأكثرية .

وأقول :

 نحن امام قضية مصيرية وهي فرصة تاريخية ربما لا تتكرر .

 فشعبنا الذي دارت به طواحين الزمن وباتت احواله تتأرجح بين العمليات الأرهابية وعلميات الخطف والأبتزاز والتهجير القسري ، والرحيل بين الدول والقارات املاً في الأستقرار والملاذ الآمن . كل هذا جعل من ديموغرافية شعبنا تعاني من الأختزال الخطير على أرض الوطن العراقي ، وامسى وجوده على ارضه عبارة عن نتوءات مرجانية في خضم المحيط الممتد مع الأفق البعيد .

 إن كبح عوامل استنزاف ديموغرافية شعبنا ومحاولات قلع جذوره من ارض اجداده ، ينبغي ان تتربع هذه الأولويات على اية اهداف أخرى . إن ملف مصلحة هذا الشعب من الكلـــدان والسريان والآشوريين والأرمن ينبغي ان تحتل المكانة العزيزة في قلوب ساستنا وأن تكون فوق المصالح الحزبية ، ولنا الثقة العالية بهؤلاء الساسة ان يتحملوا مسؤولياتهم التاريخية وإلا ...

حبيب تومي / اوسلو  

المقالات التي ننشرها تعبر عن آراء أصحابها ولا نتحمل مسؤولية مضمونها