بقلم : حبيب تومي / اوسلو

اقرأ المزيد...

habeebtomi@yahoo.com

071126


المشترك واللامشترك في لقاء بابا الفاتيكان والعاهل السعودي (2 ـ 2 )

 في المقال السابق اشرنا الى قرون مضت على العلاقة بين المسيحية والأسلام منذ نشاته ، وفي هذا المقال سوف ننتقل الى الزمن الحاضر :

حينما نريد صقل الحاضر وإظهاره  وكانه العصر الذهبي للتعايش السلمي المدني بين المسيحيين والأسلام ، نضطر في مواقف كثيرة الى الكذب والتزلف والمداهنة بإظهار الصورة على غير حقيقتها ونترك لبها ونشير الى قشورها في مسعى لأقناع انفسنا بأننا نعيش في بحبوحة من التسامح الديني ، وإن ما مضى من الأزمان كانت بمثابة كابوس ليل مظلم وطويل ، وإن العصر الراهن هو عصر التنوير والحرية والديمقراطية وحقوق الأنسان والأقليات والتسامح والى آخره .

لكن إن عرجنا الى منطق الصراحة بعيداً عن التملق والمداهنة  فإن اليوم لا يختلف عن الأمس إن لم يكن يفوقه في السوء والظلام  .

 فالمسيحيون في الشرق الأوسط  بين الأكثرية الأسلامية ليسوا افضل حالاً من العقود والقرون الماضية ، وعلى سبيل المثال لا الحصر في العراق كان هنالك مدن ومناطق كانت فيها كثافة سكانية مسيحية كبيرة تكاد اليوم ان تكون خالية من اللون المسيحي ، وكانت هذه نتيجة حتمية لما طالهم من عمليات ارهابية وتهجير قسري واعمال خطف وابتزاز ، كل ذلك يجري امام انظار الحكومة التي تجسد احزاب سياسية اسلامية دينية طائفية .

قد يكون خرجت من عنوان المقال الى مواضيع شائكة لكنها في كل الأحوال هي جزء من فكرة المقال التي تركز على قطبي المسيحية والأسلام .

 

 كان البابا السابق يوحنا بولس الثاني قد تعرض لمحاولة الأغتيال سنة 1981 من قبل شاب مسلم تركي اسمه  محمد علي آغا ، وبعد ان شفي البابا يوحنا من جروحه زار المدان في سجنه بعد سنتين واعلن البابا علنا الصفح عنه ، هذا يعني التسامح بأعمق ما تعني هذه الكلمة من معنى .

 وقبل ذلك حينما زار الملك فيصل لأيطاليا عام 1973 تبرعت الحكومة الأيطالية للعاهل السعودي بقطعة أرض مساحتها 30 ألف متر مربع لبناء جامع كبير في روما ، وكما هو معروف فإن العرف الدبلوماسي للتعامل بالمثل ، يقضي بأن تمنح الحكومة السعودية قطعة ارض لبناء كنيسة كبرى في الرياض او جدة ، وعندما لم تقدم السعودية الى هذه الخطوة يمكن اعتبار هذه النقطة غير مشتركة بين الطرفين ونفسرها على انها انفتاح الفاتيكان على الآخر وانغلاق السعودية على نفسها .

من المبادرات التي تسلكها الكنيسة الكاثوليكية بغية التفاهم والتقارب بين الأديان والثقافات هو قيامها بجمع رجال الدين من كل الأديان : المسيحي والهندوسي والبوذي واليهودي والكونفوشي والأسلامي والطاوي ومن كل المذاهب  والسماح لهم  للصلاة في كنيسة القديس بطرس في روما وكل على طريقته الخاصة ، انها خطوة رمزية رائعة لتفاهم اتباع مختلف الديانات وتوظيفها  من اجل الحوار بين شعوب الأرض .

المسلمون يطلبون من البابا الجديد ان يسير بالخطى التي سار عليها البابا يوحنا بولس الثاني ، ولكن السؤال يبقى قائماً : ماذا يقدم المسلمون مقابل هذا الأنفتاح والتسامح ، هل ينهض المسلمون بخطوة واحدة إزاء من يخطو نحوهم ، هل يقبل المسلمون باقامة الصلوات للأديان الأخرى في في المدن السعودية وسوف لا نقول في مكة .

 البابا بنديكتوس السادس عشر كان قد قدم محاضرة  في سبتمبر عام 2006 وكأنه كان يربط بين الأسلام والعنف ، وكان يجب معالجة ذلك بالحوار الفكري وليس بقتل المسيحيين وحرق كنائسهم في بغداد ، إن طرح النظريات والأفكار ينبغي مجادلتها بطرح الحجج والقرائن الفكرية وليس بأعمال التقتيل والشغب ، وكان ان اضطر البابا الى الأعتذار تحت الضغط الذي لا علاقة له بالفكر والحوار الفكري .

 ثمة خطاب اسلامي لا يتلائم مع روح العصر ، بجهة حقوق الأنسان ، وتساوي البشر .امام القائمين على الشأن الأسلامي  من الساسة ورجال الدين مثلاً إلغاء مفهوم تدنيس الأراضي المقدسة بمن ليسوا على الديانة الأسلامية ، فالمسلم طاهر وغير المسلم غير طاهر ( نجس ) بسبب ديانته .

 إن مكة المكرمة ليست مكاناً خاصاً بالمسلمين ، لقد كانت مكة محجاً لكل الأديان سواء كانوا من عبدة الأوثان او من المسيحيين او اليهود او الأحناف .

(( في السيرة النبوية لابن هشام مؤسسة المعارف ، بيروت 2004 ص100 ـ 101 ورد عن بنيان الكعبة :

قال ابن اسحاق : فحدثني بعض من يروي الحديث أن رجلاً من قريش ، ممن كان يهدمها أدخل عتلة ً بين حجرين ليقلع بها احدهما ، فلما تحرك الحجر تنقضت مكة بأسرها فانتهوا عن ذلك الأساس .

 الكتاب الذي وجد في الركن :

قال ابن اسحاق : وحدّثت أن قريشاً وجدوا في الركن كتاباً بالسريانية ، فلم يدروا ما هو ، حتى قرأه لهم رجل من يهود ، فإذا هو " أنا الله ذو بكّة ، خلقتها يوم خلقت السموات والأرض ، وصورت الشمس والقمر ، وخلقتها بسبعة أملاك حنفاء ، لا تزول حتى يزول أخشباها ، مبارك لأهلها في الماء واللبن "  .

قال ابن هشام : أخشباها جبلاها . )) .

إن كتاب مكة بالسريانية يشير الى اصلها المسيحي والأديان الأخرى قبل صيرورة الأسلام وكانت محجاً وملتقى لكل الأديان ، لكن الأسلام حينما جاء الغى الحرية في التعددية والديمقراطية التي كانت سائدة ، وأبقى المكان خاصاً للمسلمين ، والسؤال كيف نفسر عملية طهارة المسلم إن كان زانياً او قاتلاً او سارقاً ، ونجاسة غير السلم مهما كان وفياً ومتعبداً وصادقاً وأميناً ، أقل ما نقول انها افتراضات بعيدة عن المنطق  والعقلانية .

في الوقت الذي تمنع السعودية من تداول الكتب الدينية المسيحية المقدسة وتمنع بناء كنائس للمقيمين في السعودية الذين يبلغ تعدادهم زهاء مليون نسمة بل وتمنع عنهم إقامة شعائرهم الدينية بصورة علنية في هذا الوقت بالذات تبنى الجوامع في الدول الأوروبية المسيحية وبضمنها أيطاليا وتطبع الاف النسخ من القران والأدبيات الدينية الأسلامية ، في الوقت ذاته فإن المسيحيين المقيمين في السعودية وبعض دول الخليج ليس لهم كنائس ولا يقبل بترويج الكتب الدينية بل وتمنع عنهم إجراء الشعائر الدينية بصورة علنية . فاستطيع الزعم عن الحرية الدينية بين الدول المسيحية وبعض الدول الأسلامية هو كالفرق بين وضح النهار وعتمة الليل .

 إن السعودية ودول عربية أخرى تبني المساجد وتطبع المصاحف والكراريس والأدبيات الدينية والتي في احيان كثيرة تحرض على كراهية المسيحيين واليهود وفي قسم من هذه المساجد والمراكز الأسلامية في عواصم الدول الأوروبية المسيحية يدعون الى القتل المسلمين المرتدين وإبقاء النساء داخل البيوت ، والى تكفير غير المسلم ورفض المجتمع الذي آواهم وساعدهم . إن هذا الخطاب العنفي هو التربية التي نمت فيه التنظيمات الأرهابية الأسلامية التي قامت بالعمليات الأرهابية في نيويورك وواشنطن وبغداد والرياض ولندن ومدريد وموسكو والقاهرة  وباريس وغيرها من المدن والعواصم . 

إن الدول الأوروبية قد حسمت امرها ووضعت الدين في مكانه الطبيعي في دور العبادة وفي قلوب معتنقيه ، ولم يعد للدين وزن سياسي ، فالدين لله والوطن للجميع . وهكذا في الدول الديمقراطية كل يؤدي واجبه حسب الحقل الذي يعمل به فالمنهدس لا يعمل طبيباً والنجار لا يعمل حداداً ورجل الدين لا يرأس حزباً سياسياً ، وكل يعمل باختصاصه ، لكن في المؤسسة الدينية الأسلامية هناك تشابك الدين مع الدولة وحتى في الدول العربية التي تعتبر نفسها علمانية فهي سجينة الدساتير الدينية التي تجعل رجل الدين في المقام الأول في الدولة .

صحيح ان ايجاد المشترك هو غاية العقلاء للأنطلاق منها لتجسير الروابط وتمتينها ، والدين هو العامل الأهم من بين العوامل الأخرى التي يمكن توظيفها في مسألة التقارب ، وفي الحالة التي نبحثها في العلاقة او المشترك بين طرفي المعادلة المتمثلة في بابا الفاتيكان الذي يرمز الى المؤسسة الدينية المسيحية ، والعاهل السعودي الذي يرمز الى المؤسسة الدينية الأسلامية . فلابد ان نقر بصعوبتها لكنها ليست مستحيلة . وتعتبر زيارة العاهل السعودي للفاتيكان زيارة حضارية وتجسد الوجه المعتدل للأسلام وتعتبر ان المسلمين  لا يمكن اختزالهم بالأرهاب وليس جميعم محمد علي آغا او ان جميعم يحملون الأحزمة الناسفة ، بل ان جلهم يحملون رسالة حضارية متسامحة وتريد ان تمد يدها الى الآخر بغية بناء جسور للتواصل الأنساني والحضاري مع كل البشر وفي مقدمتهم المسيحيون .

 ونأمل ان ينعم شعبنا المسيحي مع جيرانه المسلمين إن كان في العراق او في الشرق الأوسط عموماً بحياة مستقرة كريمة سيما والبشرية تلوج بوابة الألفية الثالثة التي تجسد حقوق الأنسان وقواعد التعددية واحترام الآخر وحرية العقيدة والتسامح ...

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 المصادر

ـ السيرة النبوية لابن هشام

ـ هوستن سميث : أديان العالم

ـ جريدة الشرق الأوسط  اللندنية

ــ موقع البي بي سي دوت كوم

ـ فيليب فارح ويوسف كرباج : المسيحيون واليهود في التاريخ الأسلامي العربي والتركي .

المقالات التي ننشرها تعبر عن آراء أصحابها ولا نتحمل مسؤولية مضمونها