بقلم : حبيب تومي / اوسلو

اقرأ المزيد...

habeebtomi@yahoo.com


المشترك واللامشترك في لقاء بابا الفاتيكان والعاهل السعودي ( 1 ـ 2 )

أجل كان لقاءاً تاريخياً بين بابا الفاتيكان بنديكتوس السادس عشر والعاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز ، اللقاء لم يرم الى عقد صفقات سياسية او اقتصادية او عسكرية ، إنما كان بغية إثبات ان حوار الأديان هو طريق التسامح والأستقرار والأمن في العالم ، وإن الأديان يمكن توظيفها لتكون عوامل تقارب بدلاً من استغلالها كعوامل تفرقة وتنافر بين اتباع الأديان المختلفة .

 ثمة مشترك بين الشخصيتين ، البابا بنديكتوس  السادس عشر وهو رأس الكنيسة الكاثوليكية ويعتبر الأب الروحي لمليار مسيحي كاثوليكي في مختلف بقاع العالم ، وهو أيضاً رأس الدولة في الفاتيكان ويتم انتخابه من قبل الكرادلة لمدى الحياة ويتمتع بالسلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية المطلقة ، وفي الفاتيكان اهم كنيسة كاثوليكية وهي كنيسة القديس بطرس الذي اكتشف قبره في الكنيسة عام 1950 بعد عشرات السنين من التنقيب .

 العاهل السعودي الملك عبدالله الذي يتشرف بلقب خادم الحرمين الشريفين فيعين ملكاً مدى الحياة . وهو القائم على شؤون مكة التي هي قبلة المسلمين على الأرض ، إنهم يولون انظارهم شطرها في  صلاتهم اينما حلوا في اركان المعمورة  . والسعودية هي وطن المقدسات الأسلامية وتمثل احد رموز السنة الذين يمثلون الأغلبية الساحقة لمليار مسلم على الأرض .

والمشترك بين الكنيسة الكاثوليكية والأسلام هو تحريم الأجهاض والمحافظة على البيئة ، ويعتبر الأسلام والمسيحية واليهودية ديانات ابراهيمية .

 

 الملك عبد الله بن عبد العزيز وبابا الفاتيكان بنديكتوس السادس عشر في بداية لقائهما التاريخي أمس (إ.ب.

 لقد أكد الطرفان أنهما يلتزمان بالحوار بين الثقافات وبين الأديان بهدف تعايش مثمر وسلمي بين البشر والشعوب وبأهمية التعاون بين المسيحيين والمسلمين واليهود بالسلام والعدل والقيم الروحية والأخلاقية .

نحاول العودة الى الماضي فنقول :

سيبدأ التاريخ ببلورة احداث جسام تنطلق مع انبثاق الرسالة الأسلامية المتجسدة في نبي الأسلام محمد بن عبدالله . وستغطي احداث هذه الديانة مساحات كبيرة من الحروب والفتوحات وعبر قرون من الزمن تمتد بين العهد الراشدي والخلافة الأموية ثم العباسية وانتهاءاً بالأمبراطورية العثمانية ، وستكون الأرض المسيحية في معظم هذه الفتوحات قبلة الجيوش الأسلامية من البلاد المتآخمة للجزيرة العربية في الهلال الخصيب وامتداداً الى أوروبا .

قارئ التاريخ بعد القرن السابع الميلادي أي بعد رسالة محمد نبي الأسلام مباشرة سيجد امامه كتلتين عصيتين على التصالح والتعايش ، الأسلامية والمسيحية ، الأولى تريد ان تزيح الثانية من امامها ، إن كان على حدود الجزيرة العربية ، سوريا ومصر وبلاد النهرين ، او على جانبي حوض البحر المتوسط بين شماله المسيحي وجنوبه الذي اصبح  أسلامي .

إن المسلمين الفاتحين سوف يخرجون من شبه الجزيرة العربية في القرن السابع ويصوغون تصوراً للبلدان التي سيحتلونها وسيجدون امامهم المسيحيين واليهود الذين سيمنحون وضعية اهل الكتاب وهم المحميين ، فعلى اهل الكتاب الدخول في الأسلام وإن أرداوا الأحتفاظ بديانتهم فهم ملزمون بإداء الجزية وهي  ضريبة الرأس . إن امامهم ثلاث خيارات الأول : هو التحول الى اعتناق الأسلام ، الثاني : دفع الجزية ، الثالث : الحرب حتى الموت .

 السكان سوف يتأسلمون بالتدريج ، فالأنتقال من المسيحية او اليهودية الى الأسلامية يعني الأنتقال الى مرتبة الأسياد ، فأهل الكتاب معرضون لمحضورات ثيابية ومهنية وقضائية وسلوكية وكمثل غير حصري ، امتطائهم الدواب ورجليهم تتدليان من جانب واحد من الدابة حتى يتسنى تمييزهم من المسلمين من اول نظرة ، وهناك تشريعات مهينة بحق البشر لا مجال لسردها ، وهذه التشريعات كانت تدفع المسيحيين واليهود الى اعتناق الدين الجديد ، ليس حباً به ، وإنما تخلصاً من المهانة والأذلال ، فكانت تتحول الى الدين الجديد افراداً وجماعات .

 لكن من الأنصاف ان نعترف ان التحول الى الدين الجديد في تلك العصور لم يحدث نتيجة لارتكاب المذابح الجماعية ، لكنه حدث بالتدريج تخلصاُ من ضريبة الرأس ومن التشريعات المهينة ، فكان الأنتقال الى الدين الجديد كما قلنا يعني الأنتقال من معسكر العبيد الى فردوس الأسياد  .

كان ايضاً باب آخر لضمان انتشار وهيمنة الأسلام الديموغرافي ، في زواج مسلم من كتابية وثمار زواجهم من الأطفال هم مسلمين حسب الشريعة الأسلامية ، ولا يجوز لكتابي ان يتزوج مسلمة ، وإن أراد ذلك عليه ان يتخلى عن دينه ويعتنق الدين المتفوق المنتصر وهو الدين الأسلامي .

سوف يستغرق إقرار الأسلام في الشرق العربي حوالي تسعة قرون من الهجرة الى حكم المماليك في مصر . كانت محنة الجماعة المسيحية الشرقية على اشدها حينما يلوح في الأفق شبح الأسلام الأصولي فيحتزل الديموغرافية المسيحية ويحد من نفوذهم .

 في ظل الأمبراطورية العثمانية سينتعش الوجود المسيحي وستشهد عمليات التحول الى الأسلام انخفاضاً كبيراً وربما معدوماً في بعض مراحله ، فالأسلام كان يزداد ديموغرافياً بفضل عمليات التحول الى اعتناق الأسلام لتوسعه ، ولكن في الزمن العثماني يبدو ان اسباب هذا التحول قد تلاشت ، فرغم ان ضريبة الرأس أي الجزية بقيت سارية المفعول من الناحية النظرية ، لكنها فقدت طابعها المرهق ، فالضريبة باتت مفروضة على رأس المال والأنتاج دون تمييز على اساس الدين .

 اليهود والمسيحيون سيستفيدون من إنشاء نظام الملل حيث تفوّض الدولة الرئيس الروحي للملة وتعترف به في جميع المسائل التي لها مساس بوضعية الأشخاص من الأحوال الشخصية الى الميراث والمدرسة والمسائل الروحانية ، إنه ميثاق بين السلطان ورئيس الملة أي الطائفة او الأقلية ، فيكون لهم كيان ذاتي معترف به .

 يمكن الزعم بأن الأمبراطورية العثمانية كانت دولة تميزت بالكوزموبوليت ، فحينما خرجت من مهدها الأناضولي وتوجهت نحو اوروبا البلقانية ، كان السلطان في هذه الحال لا يجبر الجماعات المسيحية هذه للتحول الى الأسلام بل يشركها في السلطة .

لكن هذه الحالة سوف لا تستمر بعد الحرب العالمية الأولى ففي عقد من الزمان بين سنة 1914 ـ 1924 حيث تتولد من حطام الأمبراطورية العثمانية  دولة علمانية معاكسة للكوموبوليتية المتعددة الأعراق والقوميات ، لكنها في عين الوقت تنحاز بصورة عجيبة الى بنيان دولة تركية فيها : التركي المسلم فقط ، وسوف تعمل على تحطيم الميراث العثماني التعددي ، إن التراث المتعدد الأعراق الذي بني بنحو الف سنة يجري محوه بمدة عشر سنوات .

المفارقة ان الأسلام المعتدل ولنقل الخطاب العلماني يتفاخر بحياة مشتركة مع المسيحيين واليهود ، أي ان الأسلام بإمكانه العيش مع الأديان الأخرى ، لكن في الدولة التركية الأتاتوركية العلمانية كان ابعد ما يكون عن هذا التعايش ، ففي مطاوي عقد من الزمان أي بين عامي 1914 ـ 19124 اختفت خلالها الجاليتان الأرمنية واليونانية من تركيا والتي كانت تكلفتها 3 مليون من البشر بين المذبحة او الهجرة او التهجير القسري . ولا شك انها نقطة سوداء في تاريخ التعايش للمسيحيين في بلاد الأسلام . وأفرزت تلك الحرب قيام الدولة العربية بعد انسلاخ القومية العربية من ميراث الحكم العثماني ، فيما بقيت الأثنيات الأخرى في محاولة لصهرها في بودقة القومية التركية ، فحتى الأكراد اصبحوا بين ليلة وضحاها اتراك ، لكنهم اتراك الجبال في هذه المرحلة . واختفت المسيحية من هذه الدولة التي كانت وعائاً لا ينضب للمسيحية منذ نشأتها في القرن الأول الميلادي .

حبيب تومي / اوسلو

 يليه القسم الثاني

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 المصادر

المصادر

ـ السيرة النبوية لابن هشام

ـ هوستن سميث : أديان العالم

ـ جريدة الشرق الأوسط  اللندنية

ــ موقع البي بي سي دوت كوم

ـ فيليب فارح ويوسف كرباج : المسيحيون واليهود في التاريخ الأسلامي العربي والتركي .

المقالات التي ننشرها تعبر عن آراء أصحابها ولا نتحمل مسؤولية مضمونها