بقلم : حبيب تومي / اوسلو

اقرأ المزيد...

habeebtomi@yahoo.com


الأقلية الأيزيدية إهمال حكومي وعنف مجتمعي 

اليزيدية او الأيزيدية او الدسناي قوم عراقي أصيل تتأثل جذوره في اعماق تربة الوطن العراقي  ، ورثوا ثقافتهم وتراثهم ودينهم من آبائهم وأجدادهم ، كما هو الحال بالنسبة للأديان والثقافات الأخرى ، فالمسلم ورث أسلامه من آبائه وأجداده وكذلك المسيحي واليهودي والأديان الأخرى . وفي القوش نقول عنهم الداسناي ، وقد ذكر ياقوت الحموي في معجم البلدان ، بأن الداسن جبل عظيم في في شمال الموصل من جانب دجلة الشرقي فيه خلق كثير من طوائف الأكراد يقال لهم الداسنية

إن الديانة اليزيدية ديانة باطنية مغلقة لا يريدون ان يدخل الناس فيها افواجاً او افراداً ، إنهم يطمحون ان يتركهم الناس وشأنهم ويمارسون حياتهم كما يشاءون ، وهذا ما أكدته لوائح حقوق الأنسان والأقليات في حرية الدين والمعتقد وممارسة الشعائر الدينية .

كان الأيزيديون  والى اليوم يفلحون الأرض ويزاولون الأعمال الزراعية إضافة الى الأعمال التجارية في صرف منتجاتهم الزراعية وقيامهم بمختلف المهن في سبيل كسب العيش الشريف بتعبهم وبعرق جبينهم ، وإنهم كباقي الأقليات الدينية العراقية مع اصالتهم الوطنية فهم لا يطمحون ان يحكموا العراق او يتبوأو مناصب عالية في الحكومة العراقية ونحن متأكدين من ذلك لأن الحكومة مبنية على اسس طائفية بعيدة عن الروح الديمقراطية التي تقول الشخص المناسب في المكان المناسب ، ولهذا بقيت الأقليات العراقية الدينية في مؤخرة المجتمع ، وأكثر من ذلك فإن الحكومة العراقية لها موقف المتفرج والساكت عما يطال الأقليات الدينية في هذه الديار .

اليزيدية أناس مسالمون ، كانت بعض الحكومات تراعي مشاعرهم  وأخرى تضطهدهم وتحاول ترويضهم من اجل ترك ما يؤمنون به وذلك باستخدام العنف والقوة والتاريخ يسجل صفحات طويلة ظالمة لما تعرض له هذا القوم من العنف الحكومي والمجتمعي .

ينتشر اليزيدية في القرى التابعة القوش والشيخان ، وكذلك في قضاء سنجار وبعض القرى المتآخمة لها .

في أواخر الأربعينات من القرن الماضي وأوائل الخمسينات منه كنت أرى في القوش وأنا طفل ، رجالاً تسدل على اكتافهم ضفائر الشعر وهذا منظر غريب بالنسبة لنا نحن الأطفال ، وكان هؤلاء الرجال يحملون على اكتافهم المناجل ، وينتظرون في سوق القوش لمن يستخدمهم في حصاد حقول الحنطة والشعير ، لقد كان هؤلاء العمال معروفين بقوتهم وتفانيهم وكدحهم في عملية الحصاد ، إذ ليس أمامهم سوى الأخلاص في العمل وإلا سيكونون عرضة للبطالة حيث أجور النوم في الخان وتكلفة الأكل الذي يتكون من خبز وتمر ودفتر ورق للف السكائر ، بينما إذا عمل لدى صاحب الحقل سيتكفل هذا في مأكله وتبغه ودفتر اللف . ولهذا كان اليزيدي السنجاري ( من شنكر ) معروفاً بدقة عمله ووفرة انتاجه ،  وكان الآلاقشة يتسابقون في استخدام اليزيدية من اهل سنجار ( شنكر ) في حقولهم .

أما اليزيدية القريبين من القوش فكانوا يرتبطون بعلاقات اقتصادية وثيقة مع القوش ، إن كان في جلب حطب من الجبل او في جلب منتجات الألبان او في العمل  في البيوت كرعاة او مساعدين في الأعمال الزراعية ، وكان احد المستخدمين في بيت صديقي حكمت جولاغ يتقاضى أجور سنوية بحدود العشرين دينار مع تزويده بالتبغ ودفاتر اللف وأربعة قوالب صابون (حلب) وهو صنع محلي .

 وفي العقود الأخيرة من القرن الماضي عكف الكثير من شبابهم يعملون في محلات بيع المشروبات الروحية  في مناطق الوسط وجنوب العراق حيث كانت هذه التجارة رائجة ، والمشروبات الروحية كما هو معروف كانت مرغوبة لكنها مذمومة كأكل السمك مرغوب ومذموم  وهم يتحملون الكثير من التقريع والأهانة من الزبائن لكنهم يتحملون ذلك من اجل كسب العيش.

كان يطال اليزيدية الظلم والأضطهاد على يد الحكومات لاسيما في العهد العثماني حينما كانت الفتاوي التي تنال من معتقداتهم الدينية . واليوم في سنجار وهي مدينة عراقية قديمة يسكنها اليزيديون بكثرة وتشتهر بوعورة جبلها المنتصب وسط سهل مترامي الأطراف ويكتبها اوليفيه في رحلته الى العراق هكذا : Sinjaar  وفي القوش نقول شنكَر Shengar أما في (رحلة نيبور 93)  الى العراق فيقول : ان جميع المسلمين يعتقدون ان لسكان جبل سنجار من اليزيدية كنزاً .. يخبئونه في بئر داخل ماء متجمع ... وإن سليمان باشا لم يكتف بالقضاء على العشائر اليزيدية الرحالة حسب ، بل تغلغل في جبل سنجار وأمر بجلد نبلاء اليزيدية وشنق عدد منهم ولكن لم يبح احداً بمكان الكنز .

وتتوالى المآسي على هذا القوم فيقول سير وليس بج رحلات الى العراق 259 : في سنة 1838 ضرب محمد  باشا الموصلي يزيدية سنجار ضربة ساحقة ماحقة ، وفي 1844 قسا عليهم بدر خان بك .. وفي سنة 1890 ـ 1891 كان أيوب بك في سنجار يسعى الى حمل اليزيدية على اعتناق الأسلام .. وبعد سنة قتل مئات منهم وعذبوا ...

 اليوم ونحن على اعتاب القرن الواحد والعشرين ، حيث تزدهر وتتعالى اصوات حقوق الأنسان وحقوق الأقليات وتعترف كل الأنظمة والدول بحقوق وحرية الأقليات الدينية في اختيار المعتقد وفي ممارسة الطقوس والشعائر الدينية إن كان ذلك بصورة سرية او علنية ، تطلع علينا حفريات الدهور المظلمة من مكامنها لتعلمنا ما هو الخطأ وما هو الصواب ، وتستخدم التكنولوجيا الحديثة المتوفرة في تطبيق أفكارها السلفية في قتل البشر والتي عفا عليها الزمن .

قرأت في موقع صوت كردستان خبراً مفاده : انه في قرية قرب كركوك قتل مواطنان يزيديان بالرجم بالحجارة حتى الموت وسط اهازيج الأهالي ،  والمواطنان من بعشيقة او بحزاني يعملان في تجارة الزيتون . والسبب كما هو معروف انهما يزيديان .

وكل يوم يمر يحصد الأرهاب أرواح اناس ابرياء من مختلف الملل والنحل في عراقنا الجريح ، واليوم كان نصيب هذا القوم الوديع ( اليزيدية ) هذه الحملة الظالمة التي تكفر بكل القيم ، فكانت سنجار على موعد مع هذا القتل الوحشي الذي فاق كل المقاييس : تنفجر سيارة في كراج النقليات في تل عزير وحينما يبادر الناس لأنقاذ الجرحى تكون سيارة أخرى بانتظارهم لتنفجر في وسط من يهرع لمساعدة الضحايا ، حتى الفاشست لم يسلكوا هذا السلوك القذر في قتل الناس . وإن كانت هذه العمليات تجرى باسم الله فأي كفر يرتكبه هؤلاء القتلة . فكان العدد  يقترب من 500 ضحية بين قتيل وجريح .

 إن الحكومتين الكردية والعراقية المركزية ينبغي ان يقوما بواجبيهما في حماية الأقليات العراقية والتي ليست طرفاً في الصراع الدائر في العراق ، إن كان من اجل المناصب او من اجل النفط ، او في دائرة الصراع الطائفي  .

 كان الله في عون الشعب العراقي ، وفي عون إخوتنا اليزيدية والأقليات التي تتعرض الى كل انواع القتل والتهجير والظلم .

 حبيب تومي / اوسلو

المقالات التي ننشرها تعبر عن آراء أصحابها ولا نتحمل مسؤولية مضمونها