بقلم : حبيب تومي / اوسلو

اقرأ المزيد...

habeebtomi@yahoo.com

07.07.06


مسـاجد بلجيـكا وكنائـس العراق  

قد يكون العنوان غريباً بعض الشئ ، لكن القليل من التريث  يبديه القارئ الكريم سيرى صلة وثيقة بين الكنائس في العراق والشرق الأوسط عموماً في ظل الأسلام السياسي ، والمساجد والجوامع في بلجيكا وفي اوروبا عموماً  في ظل العالم المسيحي .

قبل أيام نشر في الصحف خبراً مفاده أن السلطات البلجيكية اعترفت بالمساجد في المناطق الخمس التابعة للجزء الوالوني من الدولة . الجدير بالذكر ان في بلجيكا من المساجد ما يربو على 300 مسجداً موزعة على انحاء هذا البلد . والأعتراف بالدين الأسلامي وبهذه المساجد في هذه الدولة سيكون بمقدور هذه المساجد بإقامة المآذن ، وأصبح من حق الأئمة الحصول على مرتباتهم شهرياً من وزارة العدل البلجيكية ، وذلك أسوة بالدول الأسلامية حيث يستلم الأئمة رواتبهم من الوزارة الأوقاف .

هذه المساواة بين المهاجرين وأبناء الوطن يحصل في الدول الأوروبية المسيحية فقط ، وهو الجانب الأنساني الذي لا غبار على الروح الأنسانية التي تتميز به ثقافة هذا البلد وغيره من الدول الأوروبية .

وفي نفس السياق كان المثال الذي أوردناه هو كنائس العراق  وهي دولة اسلامية ومثال للدول العربية الأسلامية الأخرى .

في العراق يجري التعامل مع الأقليات غير المسلمة بالمفهوم الديني الأسلامي السلفي ، حين كانت الجيوش العربية الأسلامية تروم فتح البلدان وفرض الجزية على البشر من الأديان الأخرى ، ولا سيما من المسيحيين واليهود الذين يعتبرون من أهل الكتاب ، وهناك آية من القران تقول : ( قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ، ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ، ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون ) . وهناك احكام أهل الذمة غريبة وعجيبة . ومع هذه المعاملة السيئة فهناك اسوأ منها وهي تلك التي يتعامل بها عبدة الأوثان .

من هذا المنطق يتعامل المسلمون مع البشر ، وفي مثالنا العراق والدول العربية يتصرف السلفيون من الأسلام وكأنهم اليوم يخرجون من الجزيرة العربية على ظهور خيولهم ويرومون فتح العالم ونشر الدين الأسلامي ، وينسون أنهم عراقيين ويعيشون في القرن الواحد والعشرين ويستعملون الموبايل والأنترنيت والسيارة والطيارة وغيرها وهي جميعها من مخترعات  ( الكفار ) .

بعد ان انهوا الوجود اليهودي في العراق والذي كان قائماً منذ آلاف السنين ، وكان الفرهود المعروف السيئ الصيت الذي استبيحت بموجبه أموال العراقيين اليهود ، أتجهوا هذه المرة الى الأديان الأخرى المندائيين واليزيدية والمسيحيين ، وكأن الأسلام لا يستطيع ان يعيش مع البشر بسلام ووئام .

 وفي هذه المرة يتصرف السلفيون ( الأسلام السياسي ، السني والشيعي ) وكأنهم خارجون اليوم من جزيرة العرب لنشر الدين الأسلامي وعلى اهل الكتاب وغيرهم من البشر ، دفع الجزية وهم صاغرين ، وإلا ترك بيوتهم المؤثثة وممتلكاتهم باعتبارها من الغنائم  لجيرانهم المسلمين .

إن الأخوة المعتدلين  الطيبين من المسلمين يحاولون لصق هذه التصرفات الغريبة بالأشخاص الذين يقومون بهذه الأعمال ، وإن الدين الأسلامي لا يتحمل  وزر هذه التصرفات ويقولون إن الأسلام برئ من هذه الأعمال الشائنة . ونقرأ في هذا الشأن كتابات رائعة من كتاب علمانين اجلاء ولا نريد ان نذكر الأسماء لأن القائمة طويلة ولا نريد ان نذكر اسم ونترك آخر .

إذا كان علينا ان نقارن بين معاملة الكنائس وأتباعها في العراق والمساجد وأتباعها في بلجيكا ، سيكون الفرق هائلاً كما هو  بين الأرض والسماء او الأسود والأبيض أو ضوء النهار وظلام الليل .

 المسيحيون العراقيون وكل مسيحيي الشرق الأوسط هم اهل البلاد قبل وجود الدين الأسلامي بل قبل وجود الدين المسيحي فالأقباط في مصر والسريان في سوريا والكلدان والآشوريين في العراق هم أهل هذه الأرض قبل التبشير بالديانتين المسيحية والأسلامية . اما الوجود الأسلامي في بلجيكا فيعود تاريخه الهجرة الحديثة التي لا يتجاوز تاريخها بضعة عقود .

 نحن نتكلم عن الجانب الأنساني في التفاهم والتسامح والأعتراف في الآخر ، ونسمع ونقرأ كثيراً عن التسامح الأسلامي وقبوله الأخر ، لكن على ارض الواقع نلمس عكس ذلك ، وإلا كيف نفسر كل العمليات الأرهابية التي ترتكب بحق الناس الأبرياء من بينهم اسلام ومسيحيين وغيرهم ، وجميع الأرهابيين هم من المسلمين لا ينازعهم أحد  . كيف نفسر لصوصية وسرقة ممتلكات الناس ؟

 وتعطى هذه السرقة اسم ديني وهو ما يعرف بالغنائم ، وإن مرتكبي هذه الجرائم سينتقلون بعد الموت الى الجنة التي تجري من تحتها الأنهار .

كيف نفسر هيمنة الجار المسلم لبيت جاره المسيحي المهدد واتخاذه مسكناً حلالاً له بحجة أنه يسيطر عليه لكي لا يأخذه الغريب . إن كنت انت الجار تسيطر عليه وتسرقه من صاحبه فما هو الفرق بينك وبين السارق الغريب يا جاري العزيز ؟

 إن كنت حريصاً على جارك حقاً عليك حراسة بيته في حالة غيابه وليس احتلاله والهيمنة عليه .

ألم يوصي نبي الأسلام بسابع جار ؟ فكيف بك تسرق أموال أول جار . والقصص كثيرة عن مثل هذه اللصوصية في هذه الأيام .

إن الحديث عن التسامح والتفاهم يبقى حبراً على ورق ما لم يقرن بالحوادث والأفعال .  في مواقف كثيرة  نلجأ الى اسلوب المجاملة آملين أن  تبقى الوشائج قائمة ويستمر التواصل ولعلها  تتقوى في قابل الأيام .

إن الدول العربية الأسلامية قد رضيت ان تقبع في مؤخرة الطابور للتطور البشري  في شتى الميادين ، هذا التأخر قائم رغم ما يتمتع به الوطن العربي من امكانات بشرية ومادية وثروات نفطية هائلة  .

 إن الدول العربية الأسلامية تترنح تحت تأثير التيار الديني السياسي ، الذي يهيمن على مقدرات هذه الشعوب إن كان بصورة مباشرة او غير مباشرة ، فالتفسيرات والأجتهادات والكم الهائل من الحلا ل والحرام لمختلف شؤون الحياة ، ومسلسل الفتاوي ، كل هذه الطروحات تصيّر من هذا الشعب شعباً  مقيداً مكبلاً بسلاسل الماضي تمنع تحركه الفكري والمجتمعي والأنساني ، إنه عالم يشبه الأمبراطورية العثمانية التي شبهت بالرجل المريض قبيل سقوطها أو الأمبراطورية الرومانية يوم أفولها او أوروبا القرون الوسطى  .

نحن لا نطالب الدولة العراقية او الحكومة العراقية ببناء الكنائس اومنح رواتب لرجال الدين كما تفعل بلجيكا حيث تدفع رواتب شهرية لـ 250 من أئمة الجوامع في بلجيكا ، إننا  نطالب الحكومة العراقية ، أن لا تقف مكتوفة الأيدي وتتفرج كالصنم الجامد على ما يجري على أرض العراق بحق الأقليات الدينية غير المسلمة ومنهم المسيحيين ، الذين يجبرون في ظل دولة اسلامية بترك دينهم والدخول في الدين الأسلامي ، نحن لا نريد حقوق من الحكومة العراقية رغم ان هذا واجيها ، نحن نطالب هذه الحكومة وكل الحكومات  العربية ان تحمي المسيحيين على أراضيها ، وهذا هو المهم في الوقت الحاضر .

 نحن نتساءل متى يتصالح الأسلام مع بقية البشر ويعيش معهم بوئام وسلام ؟

 ثم نتساءل متى يستوعب الأسلام معنى المواطنة ومعنى التعايش والأنسجام مع الآخر ؟ ومتى يدرّس في المدراس الأسلامية كلمات المحبة والتسامح بدلاً من التدريب على السلاح وأحلام الجنة ومفهوم الغنائم ؟

المسيحيون العراقيون ليسوا امبراطوريتي روما وكسرى لكي تفتح كنوزهم وخزائنهم أمام الجيوش الأسلامية ، أن المسيحيين العراقين من كلدان وسريان وآشوريين هم مواطنين عراقيين كانوا  الى جانب اخوانهم المسلمين  في السراء والضراء ، ومن الحماقة ان يفكر أبن الوطن المسلم بقتل جاره ابن وطنه المسيحي في سبيل تغييير دينه والأستيلاء على امواله وباسم الدين ، إن هذ السلوك له مفهومان  : الأول هذه لصوصية مفضوحة . والثاني هذه أساءة للدين الأسلامي الذي لا يقبل ان ترتكب اللصوصية باسمه .

نتطلع الى الحكومة العراقية والمسلمين العراقيين من سنة وشيعة ان يقتدوا بالحكومة البلجيكية  ويتعلموا التسامح من الشعب البلجكي المسيحي ، فالتعلم ليس عيباً واعتقد أن نبيهم محمد بن عبدالله  حدد فترة التعلم بالحياة من المهد الى اللحد ، وإن دروس المحبة والتسامح هي أفضل خصال يتعلمها الأنسان في حياته .

حبيب تومي / اوسلو

المقالات التي ننشرها تعبر عن آراء أصحابها ولا نتحمل مسؤولية مضمونها