ترفضون
الحكم الذاتي والمنطقة الامنة ، طيّب اعطونا البديل ؟
بقلم : حبيب
تومي / اوسلو
بعد ان
اشتدت وطأة العنف والأرهاب في العراق ، امتدت بعض اذرعها الى الحلقات
الضعيفة في المجتمع العراقي وهي الأقليات الدينية العراقية وفي مقدمتهم
المسيحيون من كلدانيين وسريان وآشوريين وأرمن ، وبدأ مسلسل العنف
باستهداف المسيحيين بقطع أرزاقهم باللجوء الى التهديد وتفجير محلاتهم
لبيع المشروبات الكحولية المجازة من قبل الحكومة العراقية ، والميسورين
منهم ارتكبت بحقهم عمليات لصوصية باختطاف رب العائلة او احد اعضائها
للمساومة عليه باستلاب العائلة كل اموالها ومقتنياتها وتركها ضحية
الفقر والتشرد .
تطورت هذه
الحالة من الأرهاب الى التعرض الى دور العبادة فكان تفجير الكنائس في
مناطق عدة من بغداد والموصل . وكان آخر مسلسل الأرهاب هو الأعتداء على
المسيحيين في دورهم وإرغامهم على الدخول في الدين الأسلامي أو تأدية
الضريبة ( الجزية ) او ترك ما يملك من البيت والآثاث والمقتنيات ، او
يكون نصيبه التصفية الجسدية ، ثم تدهورت الحالة فبلغت تخوم القتل المتعمد
، فكان اغتيال رجال الدين وهم خارجين من الكنيسة كما حدث للأب الشهيد
رغيد كني ورفاقه الشهداء .
إن هذا
الظلم الذي يرتكبه المتشددون الأسلاميون قد فاق كل الحدود ، ولا يمكن
لبشر أن يتحمله . ولم يكن أمام المسيحيين العراقيين في بعض المدن وبعض
مناطق بغداد إلا أن يتركوا بيوتهم ، وينفذوا بأرواحهم والنزوح الى أماكن
أكثر أمناً ، وحيث ينتظرهم المصير المجهول .
بعد هذا
الواقع المتردي ارتفعت اصوات الأحتجاج على الظلم الذي يطال المسيحيين .
فطرحت فكرة تحديد منطقة آمنة للمسيحيين ، وفي وقتها جاء الرفض من الحركة
الديمقراطية الاشورية ، وأعلنت في وقتها البطريركية الكاثوليكية
الكلدانية رفضها لهذه الفكرة .
اليوم
يظهر من الأستشراف على الآراء المنشورة على بعض المواقع الألكترونية
ومنها موقع عنكاوا ، حيث نقرأ مقالات لنخبة من الكتاب من بينهم رجال دين
أجلاء توحي زبدة مقالاتهم الى رفضهم الحكم الذاتي وفكرة المنطقة الآمنة
للمسيحيين .
لا أدري
مصدر التخوف من هذه الطروحات . مركبنا تتسرب المياه الى هيكله ، وفي كل
يوم يغوص المركب درجة في الماء ، والمحصلة النهائية معروفة لا محالة وهي
الغرق في اعماق المحيط ، إن لم يبادر طاقم المركب الى اصلاح الخلل ، او
تأتي مساعدة من المراكب المجاورة للمساعدة في إنقاذ المركب وركابه .
كردستان
تفتح ذراعيها لاستقبال النازحين ، ولدينا في سهل نينوى قرانا ومدننا
الكلدانية ، وهي تستطيع ان تستوعب أعداداً كبيرة إذا ساعدت الحكومة
العراقية وحكومة أقليم كردستان ، ومنظمات انسانية دولية في بناء مجمعات
سكنية أضافة الى التي تبنى بجهود السيد سركيس آغاجان ، الذي يبذل جهوداً
خيرة في التخفيف عن معاناة شعبنا وهو في أحلك ظروفه .
التخوف
من مفهومية المنطقة الآمنة تعكسه بعض الجهات ويشير أليها بعض الكتاب من
ابناء شعبنا ، إن كان من رجال الدين او من نخبة الكتاب المعروفين .
والتحفظ على مبدأ المنطقة الآمنة قائم أولاً : على الخشية من جمع كل
ابناء شعبنا في حيز معلوم يسهل القضاء عليهم .
وثانياً
: ان الفكرة توحي للآخر باننا نروم الأنفصال من العراق .
أقول :
لقد كان هناك منطقة آمنة للأكراد ، وحددت هذه المنطقة ( دولياً ) . فكانت
منطقة آمنة للأكراد محمية بقرارات وتحرسها قوة دولية .
في حالة
تحديد هذه المنطقة للمسيحيين ويكون ذلك قراراً دولياً فينبغي أن يكون
المحافظة عليها من قبل قوات دولية . إضافة الى أبناء وشباب هذه المنطقة
، هذا أولاً .
وثانياً
لايشكل ذلك انفصالاً عن الدولة العراقية ، فالمسيحيون موجودن في العراق
ومدنه ومتى تعرضوا للتهديد فإن هذه المنطقة تشكل ملاذاً آمناً لهم .
فالأكراد كانوا موجودين في مدن العراق وإن تحديد المنطقة الآمنة لهم في
كردستان العراق لم يشكل عائق في تنقلهم او سكنهم او مزاولة أعمالهم في
بغداد او في مدن العراق الأخرى .
إن عودة
الظروف الطبيعية الى العراق ، سيكون حافزاً لكل مواطن أن يعود الى مسكنه
وعمله ، وهذا الأمر لا يتعلق بالمسيحيين والأقليات الدينية فحسب ، إنما
يشمل آلآف العائلات المسلمة السنية والشيعية التي نزحت من مناطقها بسبب
عمليات التطهير العرقي التي تسود العراق حيث القتل والتهجير على الهوية .
أما مبدأ
الحكم الذاتي فإن العصر الراهن وفي ضوء التشريعات التي سنت من أجل حقوق
الأنسان ـ والتي يأتي في مقدمتها حقوق الأقليات ـ فإن الرياح تهب بما
تشتهي سفن الأقليات من أجل منحها حقوقها وفي المقدمة الحكم الذاتي . ولا
أدري على ماذا نستند حينما نرفض مثل هذه العروض .
حسناً ..
أيها السادة الأفاضل ، إنكم ترفضون الحكم الذاتي والمنطقة الآمنة .
أعطونا
البديل رجاءً .
إن شعبنا
على أرض الوطن العراقي في تناقص ديموغرافي رهيب ، وعلينا ان نتحرك بسرعة
، فإن كانت الحلول المطروحة غير مجدية فعلينا ان نعطي بديلاً عنها وإلا
نقبل بها .
ثمة
أطروحة أخرى وهي إن تسمياتنا تفرقنا وهي السبب في تشرذمنا ، والقارئ
يستشف وكأن لو كانت تسمياتنا القومية موحدة ، لما اصابنا ما يصيبنا اليوم
، إنه طرح يتسم بالسطحية دون الأعتماد على الواقع الموضوعي ، فتسمياتنا
تاريخية ، واكتسب كيانها من واقع الحياة وتحميلها المسؤولية فيما يجري
لنا ، لا يستند على الواقع . الكلدان والسريان والآشوريين والأرمن حقيقة
ينبغي الأعتراف بها والعمل على توحيد هذه المكونات ، فالأختلاف لا يعني
الخلاف . لدي ثلاثة أولاد وكل منهم يحمل اسمه ويشق طريقه في الحياة كما
يراه مناسباً وهم يعيشون في بيت واحد متكاتفين متعاونين كأخوة اولاً
وكأصدقاء ثانياً . إنهم ليسوا واحد انهم ثلاثة أولاد ، وهذا الأختلاف في
اسمائهم وطموحاتهم لا يعني انهم متشرذمين او على خلاف بل العكس هو الصحيح
.
|