يمكن للسفينتين
الإيرانيتين أن تحملا الى سوريا مزيداً من السلاح،
لكنهما لا تستطيعان أن تفعلا أكثر من ذلك لمساعدة
النظام الذي يواجه حروباً داخلية وخارجية في الأمن
والسياسة والاقتصاد، حتى الآن.
فكما أبحرَت السفن الروسية عائدة الى شواطئها، ستعود
السفينتان الإيرانيتان. إلّا أن سوريا لن تعود الى
الأمان والاستقرار والحياة الطبيعية في المدى القريب،
لأنّ الهجمة العربية - الدولية لتغيير النظام لن تقِف
عند خاطر موسكو، ولا عند عَتبة إيران التي تعانِد في
مواجهة العقوبات عليها، وتحتاج أصلاً الى من يحميها من
هجوم على خلفية تعطيل برنامجها النووي، بَل ستواصل
تضييق الخِناق على دمشق بُغية تحقيق مصالحها
الاستراتيجيّة والحيويّة في الشرق الأوسط.
والإعلان الغربي عن عدم الاستعداد للتدخّل العسكري في
سوريا، لا يعني عدم التدخّل غير المباشر من خلال تمكين
المعارضين السوريين من التسلّح والتجهيز ودَعمهم بكلّ
الوسائل المُتاحة لقلب الأوضاع في سوريا.
إلّا أنّ انتصار المعارضين في إسقاط النظام لن يكون
سهلاً أو سريعاً، ولن تكون نتيجة السيطرة على دمشق
وحلب، إذا ما حصلت، نهاية الصراع في سوريا وعليها.
فالمؤشرات، ومراكز الأبحاث الاستراتيجيّة، وتقارير
الأجهزة الغربيّة، تُنذِر بانزلاق الأوضاع في سوريا
نحو حرب أهلية كارثيّة، إذا ما وصلت شحنات الأسلحة
المتطوّرة الى عشرات آلاف المحتجّين، وتمّ تنظيمهم
وتمويلهم ودعمهم لوجستياً، حسبما باتَ معلوماً.
إلّا أن المسلّحين الذين تقتصر عملياتهم في المرحلة
الراهنة على الكمائن المحددة في مناطق محصورة، لن
يبقوا في موقع الدفاع طويلا بعد تسليحهم، وإنما
سينتقلون الى الهجوم والتمَدّد والسيطرة على مدن
رئيسة، مثل: حلب وحماة وحمص ودمشق، وربطها ببعضها
بعضاً، الأمر الذي من شأنه ان يقلب موازين القوى،
ويخلق أمراً واقعاً يهدّد بتقسيم سوريا الى ثلاث
دويلات:
الأولى سنيّة: يسيطر عليها "الأخوان المسلمون"، وتمتدّ
من درعا والسويداء جنوباً حتى حلب شمالاً، ومن
البوكمال ودير الزور شرقاً حتى حماة وحمص غرباً، (دمشق
من ضمنها) على مساحة ثلثي سوريا. وسيكون على الأقليات
في هذه البقعة التعايُش مع النظام الجديد أو الهجرة.
الثانية علويّة: تمتد من حدود لبنان الشمالية مروراً
بـ طرطوس واللاذقية حتى اسكندرون، على منطقة توازي
مساحة لبنان تقريباً. حيث ان القوى، التي ستبقى على
ولائها للنظام حتى الرمق الأخير، لن تستسلم، وإنما
ستتجَمّع في هذه المنطقة مع ما لديها من طيران ودبابات
وأسلحة استراتيجية ومتطورة وأموال، وتشكّل حصناً
منيعاً قادراً على الدفاع عن نفسها في ظلّ غياب أيّ
تدخل عسكري خارجي.
وبالفعل، بدأ العلويون إخلاء منازلهم في المدن التي
تقع خارج هذه المنطقة المحمية، خوفاً من الانتقام
والاضطهاد الطائفي.
وبذلك، يعود العلويون الى شِبه الدولة التي مَنحهم
إيّاها الانتداب الفرنسي ما بين عامَي 1920 و1936.
الثالثة كردية: وتمتد من الرقّة الى الحسكة فالقامشلي
على الحدود التركية - العراقية. حيث يطالب سكانها،
البالغ عددهم نحو مليوني نسمة، باستعادة حقوقهم
القومية وارتباطهم وتأثرهم بحراك التجمّعات الكردية
الكبيرة في العراق أو تركيا أو إيران، مع أنّ أشخاصاً
من الاكراد السوريين كانوا قد قادوا المعارك ضد
الاحتلال الفرنسي، كـ إبراهيم هنانو، ووصلوا الى مناصب
عليا حتى رئاسة الجمهورية، كـ فوزي السلو وحسني
الزعيم.
وستكون تركيا أوّل الرافضين لهذا التقسيم، لأنّ
الدويلة الكردية هي خط أحمر على حدودها، والدويلة
العلوية، التي ستشكّل امتداداً مع علويي تركيا، قد
تخلق لها مشاكل هِي في غِنَى عنها.
كما أنّ الوضع السوري، في تطوّراته المتسارعة، يبقى
مفتوحاً على الاحتمالات كلها.
سوريا الى 3 دويلات؟
الثلاثاء 21 شباط 2012