الفيتو الروسي
الثاني حول قرار في شأن سوريا في مجلس الأمن الدولي لا يسدل
الستار على مسار الأزمة السوريّة، كما أنّ القرار لو صدر، ما
كان ليؤدّي الى حلّ للنزاع في سوريا، وعلى سوريا.
إنّها لعبة الوقت أكثر ممّا هي لعبة مبادىء ومواقف راسخة، إذ
إنّ لكلّ دولة معنية في هذا النزاع، أجندتها. وعلى ما يبدو أنّ
الظروف لم تنضج بعد، وبالتالي لا بدّ من الانتظار فترة أخرى من
الوقت حتى "يقضي الله أمراً كان مفعولاً".
فروسيا تنتظر الرابع من آذار المقبل موعد انتخاباتها الرئاسية،
ومن الطبيعي أن لا تعطي أيّ هديّة للولايات المتحدة الأميركية
وحلفائها في هذه الفترة، وأن لا تترك أيّ انطباع لدى الناخبين
الروس بأنّ المرشح الرئاسي فلاديمير بوتين الذي يواجه أصلاً
بعض الاحتجاجات، منكفىء أو متخاذل ولا يجيد الدفاع عن المصالح
الروسيّة على الساحة الدولية.
إلّا أنّه في حقيقة الأمر، روسيا كانت أوّل دولة تقترح اعتماد
النموذج اليمني للحلّ في سوريا، على لسان ممثل الرئيس ديمتري
ميدفيديف للشرق الأوسط وافريقيا ميخائيل مارغيلوف، وأوّل دولة
دعمت المبادرة العربية قبل ان تعيد النظر في حساباتها وتطلب
تعديلها لناحية عدم وضع تنحّي الرئيس السوري بشّار الأسد كشرط
مسبق للحوار الداخلي والتغيير.
والرسالة التي ينقلها اليوم وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف
ومدير المخابرات الخارجية ميخائيل فرادكوف من ميدفيديف الى
الأسد تتلخّص حسب مصادر روسية، بأربع نقاط:
1 – لن تستطيع روسيا ان تفعل أكثر مما فعلت حتى الآن، بعد 4
آذار المقبل، فالضغط الدولي يزداد أكثر فأكثر مع ازدياد عدد
القتلى في سوريا.
2 - البحث جدّياً في الاستفادة ممّا هو مطروح حاليّاً، وهو
"تغيير هرميّة النظام بدل تغيير النظام"، بحيث يبتعد الرئيس
الأسد عن الواجهة ويترك لمن يشاء صلاحية الحوار مع المعارضة
وإقرار الاصلاحات الجذريّة ضمن مهل زمنية محدّدة وقصيرة، ما
يؤمّن مرحلة تعايش انتقالية بين النظام وخصومه حتى حصول
الانتخابات، فيقرّر الشعب عندها خياراته.
3 - تستضيف موسكو المتحاورين، وتضمن أمن الرئيس الأسد وعائلته
وحمايته من أيّ ملاحقة دوليّة أو قضائية مستقبلاً.
4 - أمّا البديل، فهو حصار سوريا من الخارج، واشتعال حرب
أهليّة طويلة في الداخل، لن تكون نتيجتها مضمونة لبقاء النظام.
لكن هل يقبل الرئيس الأسد بالنصيحة الروسيّة؟ وما هي الخطوات
اللاحقة؟
أوّلاً: إنّ قراراً في هذا المستوى الاستراتيجي لا يملك الرئيس
الأسد البتّ فيه، وإنّما القرار لفريق في قيادة النظام (الأسد
من ضمنه طبعاً).
ثانياً: لم ولن توافق قيادة النظام على مخرج من هذا النوع،
لأنّها تعتبر أنها ما زالت قادرة على ضبط الاوضاع بحزم، وأنّ
أيّ تراجع أو تنازل سيؤدّي حكماً الى مزيد من الضغوط
والتنازلات وتفكّك النظام بعد تآكله.
ثالثاً: ستدفع القيادة السورية قواتها الأمنية والعسكرية الى
الحسم قبل استلام بوتين السلطة، خوفاً من أن تحصل مقايضة
يريدها الروس في مرحلة مقبلة، إذ إنّهم قد يجدون أنفسهم
يراهنون على حصان خاسر، على غرار ما فعل الاتراك والعرب عندما
تخلّوا عن النظام السوري.
وفي المقابل سيزداد الضغط الخارجي على سوريا، وستزداد عمليّات
تسليح وتمويل الجيش المنشقّ والمعارضين المدنيّين، بما ينذر
بانفلات الأمور، إذ إنّ كلّ الشعب السوري مدرّب على استعمال
السلاح تدريبا نظاميّاً عالياً، نظراً للخدمة العسكرية
الإجبارية لسنوات.
وتبقى كلّ الخيارات رهن تطوّر الاوضاع ميدانيّاً، والمفاجآت
غير مستبعدة.