القتال حتّى الموت في سوريا
الثلاثاء 09 آب 2011
شرّع مشهد الرئيس السابق حسني مبارك على سريره خلف قضبان المحكمة
في القاهرة، أبواب القتال والنضال بين الأنظمة الحاكمة والشعوب
الثائرة في العالم العربي إلى النهاية.
فالمناضلون
ازدادوا إيمانا بالقدرة على التغيير ومحاسبة الحكام، فيما أصيب
الزعماء الحاكمون بالذهول، وأيقنوا أنّ عصور الحصانة والجبروت وعدم
المحاسبة قد ولّت، وأنّ ما بعد "مشهد الفرعون" المذلّ خلف القضبان
ليس كما قبله.
ثلاثة
نماذج أفرزتها الثورات العربية حتى اليوم:
1
-
تنحّي الرئيس التونسي بن علي سريعا واختياره المنفى، ومحاكمته
غيابيا. وهذا النموذج هو الأبسط لأن نظام بن علي كان مبنيّا على
شخصه ونفوذ زوجته في شكل رئيسي.
2
-
تخلّي مبارك عن السلطة رضوخا لمطالب الثوار، وعدم الرحمة في إذلاله
وهو أسير المرض العضال، بعدما نأى الجيش الممسك بمفاصل السلطات في
مصر منذ عبد الناصر، بنفسه عن مبارك وأعوانه.
3
-
تمسّك الرئيس الليبي معمر القذافي بالحكم والدخول في حرب ضد الثوار
والأطلسي، إذا لم يربح فيها شيئا، فإنه على الأقلّ لم يسقط ذليلا.
أمام
هذه النماذج، أدرك القادة العرب المطالبون بالتغيير أن لا مستقبل
لهم في الخارج، وأن لا وجود لمنافذ، ولا آليات حلول، ولا جدوى من
مفاوضات، ولا أمل في تسويات وتقاعد.
رأى
كل رئيس مهدّد بالتغيير نفسه في جلباب مبارك، مشهد عصي على التخيّل
والتصديق. فازداد توترا وشراسة على قاعدة أن "البحر أمامه والعدو
خلفه"، ولم يعد يرى إلا معادلة: إما القفص والذلّ، وإما القتال
حتّى الموت.
من
هنا لم يعد من خيارات سياسية في سوريا، والخيار الوحيد الذي يعتمده
النظام، هو الحسم العسكري والأمني الذي لا يبدو أنه يحقق الأهداف
المرجوّة منه حتّى الآن، على رغم الأعداد الكبيرة للضحايا، بل على
العكس يؤدّي إلى تعميق الأزمة، واتساع المواجهات، وانسداد آفاق
الحلول، وازدياد الضغوط الدولية على النظام.
بعد
مشهد مبارك، بطل حرب تشرين ضد إسرائيل، وزعيم أكبر دولة عربية، لم
يشفع له تاريخ ولم تنقذه سن ولا مرض، لن يكون سلام بين الحكّام
والثوار، إنما مزيد من التوتر وفقدان الأعصاب والقرارات الخاطئة،
والمواجهات والدماء، والقتال حتى الموت.
لكنّ
الهاربين من المحاكم المدنية الوطنية يجازفون، من دون أن يحسبوا
جيّدا، بالوقوع خلف قضبان المحاكم الجنائية الدولية.
|