عاشت الأمة الآرامية بجميع طوائفها حرة أبية

فارس خشّان

 تعريف: فارس خشّان كاتب ومحلل سياسي لبناني

 


مسيحيو لبنان والحالة العونية


فارس خشّان/الحرة/19 آذار/2021

ما من طرف لبناني “يُحيّد” طائفته عن الصراع السياسي المحتدم، في البلاد، ولكنّ رئيس الجمهورية ميشال عون تخطّى المعقول، بحيث بات “موقع المسيحيين في النظام” أبرز الحجج التي يتوسّلها “أتباعه”، من أجل تبرير الصراعات التي يخوضها، ضد كل من يشاركه أو يود مشاركته في السلطة.

وإذا كانت “المسيحية”، في مراحل سابقة، حجة عونية “داخلية” لأسباب “شعبوية”، فإنّها أصبحت، في الآونة الأخيرة، “حجر الزاوية” في التعاطي مع القوى الخارجية المعنية بلبنان، من أجل جذب تأييدها.

وبدأ عدد من الدوائر الدولية يُبدي انزعاجه من “موفدي عون”، إذ إنّ المسؤولين في هذه الدوائر، بمجرّد أن يُعربوا عن موقف لا يتوافق مع مصالح عون، يأخذ “موفدو عون” النقاش الى “موقع مسيحيي لبنان في النظام”.

ولا يُخفي بعض الدبلوماسيين الدوليين أنّهم اصطدموا بـ “موفدي عون”، حتى ذهب البعض منهم إلى حدود مصارحتهم بأنّ ما من أحد يمكن أن يؤذي موقع المسيحيين في النظام أكثر من السياسة التي يتّبعها عون نفسه.

وسبق للبطريرك الماروني بشارة الراعي، في إطلالاته الأخيرة الهادفة الى المطالبة بتحييد لبنان و ”تدويل” عملية الإنقاذ، أن لفت الى هذه المسألة، بتنديده بمحاولات استغلال الطوائف من أجل تحقيق مكاسب سياسية على حساب المصلحة العامة.

وطفح الكيل من “المسيحية العونية” عندما بدأ استعمالها للوقوف في وجه “حكومة المهمة” التي يتولّى الرئيس سعد الحريري تشكيلها، بما يتوافق مع الحد الأدنى من المواصفات المطلوبة، عربياً ودولياً، على اعتبار أنّها “مدخل لا بدّ منه” من أجل تهيئة الأرضية اللازمة لاستقطاب المساعدات والهبات التي يستحيل “وقف التدهور” من دونها.

ويريد عون أن يستفرد، في “حكومة المهمة”، بحصة وازنة، عدداً وحقائب، بحيث يستطيع، من خلالها، أن يفرض رأيه ويحمي مصالحه ويستحكم بالإنتخابات الرئاسية المقبلة، معتبراً أنّ صلاحياته الدستورية، كشريك في التوقيع على مرسوم تشكيل الحكومة، تسمح له بذلك، تحت طائلة “تسييد” الفراغ.

وعندما ووجه طلب عون هذا بالرفض، جاء الرد طائفياً، إذ إنّ كل “لا” تقال له إنّما هي “لا” تقال للمسيحيين ولموقعهم في السلطة.

وباسم منع “المظلومية عن مسيحيي عون “تُثار النعرات الطائفية، فرئيس الحكومة الذي تختاره أغلبية النواب في “استشارات نيابية ملزمة”، يكون أو لا يكون، بحسب أهواء عون نفسه، فإذا خضع يبقى، وإن لم يخضع فعليه أن يفسح المجال لمن يرضخ، الأمر الذي يحوّل توقيع رئيس الجمهورية على مرسوم تشكيل الحكومة الى سلطة إلغاء لخيارات المجلس النيابي، في جمهورية نظامها برلماني.

وسبق أن ضرب عون بمشاركة “حزب الله” كل مبادئ التوافق “الطائفي” الذي يُرفع لواؤه في لبنان، بين حين وآخر، عندما جرى تشكيل حكومة برئاسة حسّان دياب.

ولا جديد في هذا النهج الذي يسلكه عون، فهو باسم “مصلحة المسيحيين” سلّم “حزب الله” القرار اللبناني، وخاض بالفراغ الذي حماه “حزب الله” نفسه، أقوى معاركه السياسية بما فيها معركة وصوله إلى رئاسة الجمهورية.

وعلى الرغم من هذه الأدوار التي لعبها عون ويطمح الى لعبها، فهو يرفض كل نوع من أنواع المساءلة عمّا وصلت إليه أحوال البلاد من مآس طالت الجميع، وفي مقدمهم المسيحيون الذين يتضررون، أكثر من غيرهم، من الهجرة المفتوحة ومن المصارف المنهارة ومن الاقتصاد الساقط ومن التربية المنهارة ومن الجامعات المأزومة.

إذن، المسيحية في لبنان يختصرها عون بشخصه وبصهره جبران باسيل وبحزبه، فإنْ تأمّنت مصالحهم تحصّنت المسيحية في لبنان وإن تضررت أصبحت المسيحية في خطر وجودي.

إنّ هذا المنحى العوني سقط، في الداخل كما في الخارج، فواشنطن، حين فتحت دفاتر معاقبة الفاسدين في لبنان، بدأت بجبران باسيل، وفرنسا التي أعلن رئيسها ايمانويل ماكرون، الخميس الأخير قرار تغيير طريقة التعاطي مع المسؤولين عن عرقلة تشكيل الحكومة التي وضعت “مبادرته” مواصفاتها، لن تبدأ إلّا بمحيط عون نفسه، وذلك بالإشتراك مع الإدارة الأميركية والإتحاد الأوروبي. إنّ حماية الوجود المسيحي الفاعل في لبنان تبدو، بحاجة مستمرة إلى بكركي، لأنّ هذا الوجود ليس وجوداً استقوائياً بل وجوداً “سيادياً”.

سبق أن واجهت بكركي، حين كانت بعهدة البطريرك نصرالله صفير، رئيس الجمهورية السابق أميل لحود، لأنّه، باسم حماية الدور المسيحي في لبنان، كرّس الاحتلال السوري. حالياً، تجد بكركي نفسها في مواجهة مع عون الذي باسم، تقوية المسيحيين، سلّم سلاح “حزب الله” والمحور الإيراني البلاد.

ووضع بكركي يدها على الملف المسيحي، من شأنه أن يخفّف حدّة “التحقين الطائفي” في البلاد الذي يجيده عون، كلّما مُسّت مصالحه، و ”حزب الله”، كلّما مُسّت وظيفته الميليشياوية. واللافت للإنتباه أنّ هذين الطرفين المتحالفين، على الرغم ممّا يرتكبونه على المستوى الطائفي، لا يتوقفان عن “وعظ” اللبنانيين بوجود المحافظة على السلم الأهلي وتفويت الفرص على “المتآمرين”، حتى بدا أنّ “الحرب الأهلية” ليست إلّا دعوة عون الى الوطنية و ”حزب الله” الى الدولة، والطبقة السياسية بمجملها الى…النزاهة.

المقالات التي ننشرها تعبر عن آراء أصحابها ولا نتحمل مسؤولية مضمونها