جعجع يتحدّى
التسوية: من يسقط أوّلا؟
فارس خشّان
عندما قرر نلسون مانديلا ان يترشح، إثر خروجه من سجنه الطويل، بعد اتهامه
بالقيام بعمليات "إرهابية" في سياق نضاله لتحرير جنوب إفريقيا من نظام
التمييز العنصري، لم يكن يُفكّر، للحظة، ما سوف يقوله عنه الذين انتفض ضدهم
وواجههم. جل تفكيره انحصر، بمن ناضل من أجلهم. لم يقدم للأعداء والخصوم، في
طريقه الى الرئاسة، سوى وعد المصالحة بعد المسامحة المبنية على ...الحقيقة.
ومن يُدقق بحيثيات ترشيح رئيس "حزب القوات اللبنانية" سمير جعجع، يجد فيه
شيئا من المانديلية. ترشيحه يوجهه الى قواعده الشعبية والى الحلفاء في فريق
14 آذار. أما "حزب الله"، بصفته قائد جميع الخصوم، وصانع التمييز بين
اللبنانيين على قاعدة السلاح المتدثر بالمذهبية تارة وبالمقاومة تارة أخرى،
فإن جعجع يعرض عليه مصالحة مبنية على الحقيقة.
وترشيح جعجع لرئاسة الجمهورية، لا يمكن أن يأخذ مداه الجدي، الا بقرار
الحلفاء. هو يعرض عليهم خوض معركة سياسية، بكل ما تحمل الكلمة من معنى.
وهنا بيت القصيد، فهل أن فريق 14 آذار، في وارد خوض معركة سياسية كبرى مع
فريق 8 آذار، حتى يتحوّل جعجع الى عنوان لها؟ أم أنه يتجه، مجددا، الى
تسوية، هدفها تحقيق بعض المكاسب وتخفيف بعض الخسائر، وفق سيناريو تشكيل
الحكومة التي بقي جعجع خارجها، بفعل اتخاذه قرار المواجهة السياسية الذي
تجلّى في ترشيحه؟
ويُدرك المراقبون أن جعجع لن يتمكن من أن يكون مرشح وفاق في لبنان، وتاليا،
فهو يستحيل أن يكون رئيس التسوية السياسية، مهما فعل ومهما قال ومهما وعد.
ذلك أن جعجع مرفوض، حتى إشعار آخر يتخطى هذه الانتخابات الرئاسية، من قوى
الثامن من آذار، منفردة ومجتمعة، فمن يريد التخلص من لسان ميشال سليمان لن
يقبل بتصميم سمير جعجع.
وهذا يعني أن سمير جعجع هو مرشح المعركة السياسية، ولا يمكن أن يكون مرشح
التسوية السياسية.
وبناء عليه، فهل يمكن لفريق 14 آذار أن يذهب الى المواجهة، مهما كانت
كلفتها، على اعتبار أن مكاسبها، تستحق ...المغامرة؟
سمير جعجع يدعو حلفاءه الى هذه المعركة. يبلغهم أنهم، إن لم يفعلوا، فهم
يأخذون لبنان الى الخراب. الرئيس الذي يمكن أن يأتي من الفريق الآخر، سيرتب
عليهم نتائج كارثية كتلك التي أنتجتها سنوات أميل لحود التسع. والرئيس
التسووي الذي يمكن أن يحتل القصر الجمهوري، ومهما كان إيجابيا، فهو لن
يتخطى ميشال سليمان في مسيرة سنواته الست، التي انتهت بالمحصلة، الى
انهيارات سيادية وأمنية واقتصادية وديمقراطية وبنيوية.
عمليا، سمير جعجع يقول لحلفائه، إن الفراغ الذي يمكن أن يهدد به الفريق
الآخر، لن يكون أخطر على البلاد والعباد من رئيس يأتي من خارج المواجهة
الديمقراطية.
ولكن، خصوم جعجع يحاربون وجهة نظر رئيس " القوات" هذه، بالممارسة، بحيث
يُعطون، في هذه المرحلة الانتخابية، قيمة كبرى للتسوية.
لا تسلّم " المستقبل" حقائب أمنية وعدلية، صدفة، ولا نجاح خطة طرابلس
الأمنية – ولو على زغل بفعل توفير حرية التفجيريين بالفرار- صدفة، ولا
التعيينات التي بدأت الحكومة بإصدارها، صدفة.
كل ما يحصل في البلاد، حاليا، هدفه التسويق للتسوية على حساب المعركة.
ثمة من يعتقد بأن قراءة الإيجابيات الراهنة، يجب ألا تُقرأ وفق قواعد لعبة
" الداما"، بل وفق قواعد لعبة " الشطرنج" حيث العين على ...الملك!
ولعل تهديد ( ودبلوماسيو الألفاظ يقولون "تنبيه") ميشال عون لسعد الحريري
في مقابلته لـ" الميادين" تندرج في هذا الإطار حين قال:"إذا أراد تيار
المستقبل ترشيح سمير جعجع، فهذا قرارهم، ولكن، فليعرفوا أنه ستترتب على
ذلك، نتائج سلبية".
وعلى هذا الأساس، هل تنتصر المعركة على التسوية ؟ أم أن 14 آذار، بشقها
الحكومي، باقية في مسار التسوية؟
حتى الآن، لا أفق تشير الى وجود شركاء نهائيين لجعجع في مسار المعركة.
من دخل الحكومة من تيار المستقبل، وكان يحمل صفة "صقر"، هو من يسوّق
للقاءات سياسية مع "حزب الله"، كأشرف ريفي، مثلا.
الإغراءات السلطوية والإدارية والأمنية التي تُظهرها التسوية ليست قليلة،
ولا يمكن أن يتم القفز فوقها، مباشرة.
ولكن، وفق معطيات الماضي حيث كانت التسوية تسقط عندما تنتهي مصلحة "حزب
الله" منها، ووفق ما يُنبئ به الحاضر، فإن التسوية تظهر " فانية".
ومن يدقق بمحاولة "حزب الله" الإجابة عن سر الحلحلة راهنا، يمكنه أن يحصل
على أجوبة عن أنها "حلحلة" مرحلية، بفعل تقاطع مصالح الأطراف المعنية
بالقرار.
وهذا يعني أنها تسوية لها أهداف موضوعية محددة، ستنتهي بتحقيق هذه الأهداف،
وبعدها تعود اللعبة الى ما كانت عليه.
وتأسيسا على ذلك، فإن من يتم تخييره بين تسوية فانية تنتهي بانتهاء معركة
رئاسة الجمهورية، وبين معركة سياسية لا تنتهي إيجابياتها حتى لو حصلت
الخسارة، يفترض به أن يُفكر بالأبقى، على اعتبار أن التحديات المفروضة
تحتاج الى تصلب والى وحدة والى طول نفس.
وفي هذا السياق، فإن ترشيح جعجع لنفسه بقبوله أن يكون رمزا لمعركة، هو
مناسبة إما لتحقيق تسوية دائمة، تقوم على معطيات صلبة، وإما لخوض مواجهة
سياسية، توحّد 14 آذار وتكشف ما تبقى من قوى سياسية أمام اللبنانيين، خصوصا
وأن الإستحقاق الأقرب لما بعد انتخابات الرئاسة، هو الانتخابات النيابية.
على أي حال، إن لبنان جرّب كل العلاجات الرئاسية لأمراضه. كلها باءت
بالفشل.
ربما، حان الوقت أن نُجرّب ...النلسونية! |