عاشت الأمة الآرامية بجميع طوائفها حرة أبية

فارس خشّان

 تعريف: فارس خشّان كاتب ومحلل سياسي لبناني

 


مدّدوا لأنفسهم. يا للعار!


هكذا يصرخ هذا وذاك. هذا عن حسن نية، خائفا على الديموقراطية اللبنانية من الإنهيار. وذاك عم سوء نيّة، في محاولة لجذب ما أمكن من اللبنانيين الى نقاشات ثانوية يمكن أن تُعزّز وضعيته الشعبية أو الجماهيرية!

هؤلاء الصارخون بالعار، هم أنفسهم، عند محاولة التوصل الى قانون جديد للإنتخابات، كانوا يولولون. في اعتقادهم، بأن النواب، بما يقترحونه من مشاريع، إنما يسعون للتمديد لأنفسهم، والتشريع لما يفيد مصالحهم واستمراريتهم وتسلطهم وطائفيتهم!

هؤلاء الصارخون بالعار، هم أنفسهم، من رفعوا الصوت ساخرا ومحتجا، عندما قرأوا أسماء المرشحين للإنتخابات النيابية التي كانت مقررة في 16 حزيران 2013، وحدثونا عن مسرحية انتخابية، وعن هدر المال العام، لإنتاج الطبقة النيابية نفسها!

همّهم أن يصرخوا!

البعض موجوع، وهو محق. يصرخ لأن الجراح أثخنت كل جسده الوطني!

البعض الآخر، ليس كذلك. يصرخ في العلن ويضحك في سرّه، عل اعتبار أنه نجح في نقل الإهتمام العام من نقطة الوجع الحقيقية الى نقطة الوجع ...الوهمية!

نعم، ثمة عار في تمديد مجلس النواب لولايته، لكنّه عار " عارض"، مولود من الرحم نفسه الذي ينتج للبنانيين، كل يوم، ألف عار وعار!

ثمة حاجة الى مراجعة شاملة، لتحديد مكامن الوجع الوطني الحقيقي!

منذ انتخابات العام 2005 حتى تمديد ولاية المجلس في العام 2013،أصيبت الديموقراطية اللبنانية الممثلة بما تنتجه الإنتخابات النيابية، بألف طعنة وطعنة!

جولة سريعة:

في حمأة الإنتخابات الأولى ، بعد خروج الجيش الأسدي من لبنان، اغتيل سمير قصير وجورج حاوي. بعدها، بقليل، جرت محاولة اغتيال الياس المر، وكان وزيرا للدفاع، ثم محاولة اغتيال مي شدياق!

وعلى ضوء هذه الإغتيالات ، شكلت حكومة فؤاد السنيورة الأولى، وفي عزّ انطلاقتها، اغتيل جبران تويني، وجرت محاولة اغتيال سمير شحادة( رئيس فرع التحقيق في شعبة المعلومات في قوى الأمن الداخلي) !

وفي ظل انعقاد طاولة الحوار الوطني، قرر "حزب الله"- متجاوزا تحذيرات القيادات اللبنانية وبالتنسيق مع بشار الأسد والجمهورية الإسلامية في إيران- الذهاب الى ما وراء الخط الأزرق، مسببا حرب تموز التدميرية!

وبعدها، وعلى قاعدة إعادة إطلاق العجلة في البلاد، اغتيل بيار الجميل وبعده انطوان غانم، وافترشت قوى 8 آذار ساحة رياض الصلح، واغتيل وليد عيدو، إلى أن كانت غزوتا 7 و11 أيار 2008 لكل من بيروت والجبل، فإنتاج تفاهم الدوحة!

في ضوئه، إنتخب العماد ميشال سليمان رئيسا للجمهورية وجرت انتخابات العام 2009 النيابية وفازت قوى 14 آذار في الإنتخابات، لكنها، ونزولا عند معطيات الميدان القاتلة، لم تستطع أن تحكم، فذهبت الى حكومة " الثلث المعطل" التي انهارت، بالنتيجة، بفعل عدم القدرة على فرض الإرادة السورية- الإيرانية في ما سمي بعملية الـ"سين- سين"، افترش أصحاب الأيادي السود طرق العاصمة لأقل من خمس ساعات، كانت كفيلة بنقل الأكثرية من جهة الى أخرى، مما سمح بتشكيل حكومة نجيب ميقاتي، الذي اغتيل في ظلها اللواء وسام الحسن!

لاحقا، ولأسباب معروفة وبعضها ثبت زيفه كرفض تمرير قرار الإشراف على الإنتخابات، استقال نجيب ميقاتي، بإشارة من "حزب الله"، وذهب مقاتلو الحزب الى سوريا لمعاونة بشار الأسد ضد الثوار السوريين، واندلعت الإشتباكات، وكانت الأعنف في طرابلس، وزرعت البلبلة في كل مكان من لبنان، وأطلّ رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان على التلفزيون، وهو المنوطة به سياسة لبنان الخارجية، لـ"يتمنّى" على "حزب الله" أن ينسحب من القتال في سوريا، لكن لا صوت لمن ينادي، ولا حول ولا قوة للمتمنّي!

وفي ضوء كل ذلك، جاء التمديد لمجلس، كانت الإنتخابات النيابية، في أفضل أحوالها لو حصلت، ستنتج مجلسا مستنسخا عن مجلسي العامين 2005 و2009 الثابت عجزهما في إنتاج مؤسسات ديموقراطية، والحافلة سنواتهما بالويلات والمصائب والقتل والتهجير والترهيب!

وهكذا يتضح أن التمديد العار، ليس أكثر من مولود جديد ضمن عائلة كبيرة للغاية!

وبناء عليه، ليكون الصراخ في مكانه الصحيح ومنتجا لمفاعيله، يفترض التركيز على الرحم لاستئصاله!

الراغبون فعلا، في منع العار، هم أولئك الذين يركزون على الأصل وليس على الفرع!

العار التمديدي هو فرع من أصل، سبق له وأنتج قتلة، وحمى متهمين، واستعمل العنف لقلب الموازين، وانحدر بالبلاد الى خطر المواجهة، وشلّ المؤسسات، وهمّش الرئاسات!

والخطأ التأسيسي لقيادات 14 آذار، لا يكمن في سيرها بالتمديد للمجلس النيابي، بل في التعاطي مع كل عار وطني على أساس أنه حدث قائم بنفسه، وله مبررات قائمة بنفسها!

هذه السلوكية هي التي تُنتج إضعافا متراكما، وتضييعا متلاحقا للفرص!

المشكلة أن قيادات هذه الجبهة السياسية التي أنتجتها ثورة شعبية هائلة، تتصارع في ما بينها، أكثر مما تصارع من أجل أهدافها!

لو بذلت هذه القيادات، عناء، في التصدي للفلتان الأمني، كالذي بذلته في صراعها على " القانون الأرثوذكسي"، لكانت أنتجت واقعا سمح لها أن تذهب الى الإنتخابات بثقة عالية، لا أن تحتمي بالتمديد، الذي عمل عليه "حزب الله" بكل ما يملك من إمكانيات، لأهداف خاصة به، من شأنها أن تعينه لاحقا، على استكمال عملية انقضاضه، على من يصفهم بوضوح،بـ"عملاء إسرائيل"!

لو أعطت هذه القيادات، لنفسها، فترة إصرار واعتراض وتصدّ،لما بقي 4 من أخطر المتهمين بقتل رفيق الحريري يعيشون أحرار، وتاليا لما كان مبرر غياب سعد الحريري، الذي يضعفه في شارعه، قد بقي قائما، ولما منع الأمن سمير جعجع من التنقل، كما يحلو له، ولما أُجبر وليد جنبلاط على تقنين تحركاته...!

إن الإنتخابات ليست عملية موسمية بل هي أجواء مؤاتية. التمديد بدأ، يوم اغتيل وسام الحسن. العبوة الناسفة التي وضعت حدا لحياته، ومواجهتها بخفّة لا متناهية، مجلسيا وحكوميا وشعبيا، مدّدت للرعب، والرعب ينتج ...العار!

في الواقع، ثمة حل واحد لكل ذلك: أوقفوا تمديد التلهّي عن معالجة الأصل بلعن الفرع، فهذا عار ما بعده ...عار!

المقالات التي ننشرها تعبر عن آراء أصحابها ولا نتحمل مسؤولية مضمونها