لماذا تخطئ
التقديرات حول رحيل الأسد؟
مواعيد كثيرة ضربها سياسيون وقادة لبنانيون وعرب وعجم لرحيل بشار الأسد عن
كاهل الشعب السوري، ولكن الأيام أثبتت أنها كانت مواعيد خاطئة.
حاليا ثمة من يضرب لبشار الأسد موعدا جديدا للرحيل، ولكنه موعد محفوف
بالخطأ هو الآخر، لأنه يعتمد على القفزة الزمنية الكلاسيكية التي تعطي بشار
الأسد ، بشكل دائم، مهلة تتراوح بين ثلاثة وستة أشهر.
لماذا تخطئ التقديرات بشكل مستمر؟
بكل بساطة، لأن هؤلاء يفكرون برؤوسهم هم، وليس برأس بشار الأسد.
وهذه مشكلة مستدامة ، عرفها اللبنانيون، قبل غيرهم، في تعاطيهم مع بشار
الأسد. دائما يفكرون برؤوسهم، وليس برأس واحد من آخر طغاة هذا العصر.
في مرحلة الإنتخابات الرئاسية للعام 2004، لم تصدق فئة من اللبنانيين أن
بشار الأسد، سوف يأمر بالتمديد لأميل لحود. كانوا يعتقدون بأن الضغط الدولي
وما يسرّب عن صدور القرار 1559 ، سوف يجعله يناور بلحود لانتخاب شخصية
تطيعه طائعة عمياء. الأسد خالف التوقعات وذهب الى توجيه الأمر بالتمديد
للحود، وأعد العدة بالإشتراك مع "حزب الله" لمواجهة القرار 1559 بالتهويل
والتهديد ونشر الرعب في لبنان، بما في ذلك إعادة لغة الإغتيال في الاول من
تشرين أول 2004 في العملية التي نجا منها النائب مروان حماده.
ولاحقا، لم تصدّق الفئة نفسها من اللبنانيين بأن المعلومات التي تصل الى
لبنان عن إمكان اغتيال الرئيس رفيق الحريري، يمكن أن تتخطى إطار التهويل،
على اعتبار أن ثمة من هدد بشار الأسد إن تجرّأ واغتيل الحريري. بشار
وبالتعاون مع "حزب الله" فعلها، وكاد ، وبالتعاون مع "حزب الله" ، أن يعود
الى لبنان سياسيا ومخابراتيا ، بقوة هائلة، لولا الثورة السورية.
وبالمسألة السورية، وقعت هذه الفئة التي ضمت عربا وعجما، في الخطأ المنطقي
نفسه، عندما اعتبرت بداية أن بشار الأسد لن يستخدم كل إمكانياته ضد
المتظاهرين سلميا، فراحوا يقولون، متكئين على توسع الثورة السلمية، إنّ
أيام الأسد معدودة.
وعاد هؤلاء ووقعوا في الخطأ نفسه، عندما اعتبروا أن استعمال بشار الأسد
للقوة العسكرية محدود، وهو سيستسلم بمجرد أن يقف الثوار بوجهه، لكنه ذهب في
خيار المواجهة الى حدود اقتراف المجازر.
وبقي هؤلاء عند رهاناتهم، معتقدين بأن تجمع غالبية الدول ضده، سيفهمه أن لا
جدوى من تدمير بلاده، بل عليه أن يبحث عن مخرج آمن له، لكنه استعمل سلاح
الطيران، بلا أي وازع.
عمليا ، خسر من طلبوا أن نعد أيام الأسد رهاناتهم، ليس لأنهم أغبياء، بل
لأن بشار الأسد، مدعوما من إيران وبالتالي من "حزب الله" ومحميا في مجلس
الأمن من روسيا وبالتالي من الصين، مجرم.
المجرم وحده يملك القدرة على التفلت من العقاب طالما أن أداة تنفيذ القانون
ضعيفة.
فبمراجعة دقيقة لبرنامج بشار الأسد ووعوده ، يظهر أنه خسر كل شيء.
في البداية، خسر رهانه على ان الشعب السوري مقتنع بالنظام السوري ولن يثور
كما حصل في مصر وتونس وليبيا.
ثم ، خسر تأكيداته على قمع الثورة في مهدها ، بالقوة المسلحة.
ثم، وفي عز تأكيداته أن الامور تتجه الى الأحسن، خسر محافظات عدة.
ثم، وهو يعد بحل خلال أسابيع، إنتقلت الثورة وبقوة الى حلب فدمشق.
عمليا، لم يعِد مريديه بشيء وحققه، بل كان ينتقل من خسارة الى خسارة،
فيستعيض عن ذلك باستعمال قوة نارية هائلة متوافرة لديه.
وسط هذا التراجع الأسدي، إقترف المجتمعان العربي والدولي جرائم عدة ضد
الشعب السوري عموما وضد الثوار خصوصا.
قرر هذان المجتمعان أن يقودا المعارضة السورية مباشرة، فألزموها ببرامج لا
تتطابق ومصلحة السوريين، فسقط بداية المجلس الوطني وها هو الإئتلاف الوطني
في طريقه الى السقوط.
لم يوفر هذان المجتمعان ما يحتاج اليه الثوار من مال، فكان كل من ينشق
يعاني من نقمة الفقر والتشرد.
لم يسمح هذان المجتمعان، بتأمين السلاح والذخائر النوعيين للثوار، فكان ذلك
سببا في الخروج من عدة نقاط مهمة، مما سهل على الأسد الإنتقام بالمجازر.
كانت كل التوقعات برحيل الأسد، تسند نفسها إلى خطأ شائع، بأن المجتمع
الدولي عموما والمجتمع العربي خصوصا، لن يتحمل هذا الكم من الدماء
والمجازر، فيتحرك، ليجدد السيناريو الليبي، ولو من خلال توفير الحماية
للثوار ضد الطائرات والدبابات، لكنه لم يفعل. بدا أن همّه ليس أيقاف
المجزرة المفتوحة ولا حساب الخسائر البشرية والإقتصادية الهائلة، بل ضمان
مرحلة ما بعد رحيل بشار الأسد.
والأزمة السورية مفتوحة على جرائم كثيرة، طالما ان الهم العربي والدولي هو
ضمان ما بعد الأسد.
الأسد يستعمل الإضطراب الطائفي، الذي بدأ ينتقل الى دول الجوار. لا مبادئ
تتحكم بسلوكه. همه أن يبقى.
الثوار السوريون الذين يذهبون أكثر فأكثر الى التطرف لا يفهموا لغة
المساومات، فهم سيستمرون في المواجهة، حتى ولو تحت الراية الدينية.
المجتمع الدولي سوف تزداد خشيته، لأن الفوضى التي سمح بها من خلال تراخيه،
ستجعله أكثر شكا بالمستقبل، وبالتالي سيكون أكثر تساهلا مع الأسد. في
الأيام الأخيرة من العام 2012 وقعت مجازر عدة، لكن حتى الإستنكار الدولي،
وهو كان ممجوجا لأنه لا يقترن بأي فعل، غاب عن الألسن.
ما هو مؤكد أنه ليس بكوفي أنان وبالأخضر الإبراهيمي يتوقف المجرمون عن
مسارهم، فالشكوى والصلاة تنفع مع الله ، وحدها لعنة الرمي بالنار، تضع حدا
لشياطين الأرض!
أمام هكذا حقائق، ثمة نصيحة: أوقفوا تحديد المهل، فالمجرم حين لا يجد ما
يردعه يزداد إجرامه ويبقى طويلا!
|