شجرة عون وهالة جعجع
في يوم من الأيام "حبكت" النكتة مع " الجنرال".ضحك الكثيرون له عندما تحدث
عن وجوب تطويب "الحكيم".
لكن العماد ميشال عون، على عادته، يستكثر على اللبنانيين " النهفة"، فراح
يعلكها ويكررها، حتى باتت عبارة جدية للغاية، وتثير في البعض غثيانا فكريا
وسياسيا وروحيا!
في التخاطب السياسي، وحتى في التراشق، يمكن للمرء أن يستعمل المبادئ وحتى
العقائد في " إفحام" الآخرين بـ" التنمير" عليهم، ولكنه عندما يحوّل ذلك
إلى عادة، فإن الأمور تتغيّر وتختلف.
وبما أن " نهفة" عون السابقة أصبحت شعارا جديا يستّر بها هجوما لاذعا على
سمير جعجع، فلا بأس من مناقشتها ومعالجتها واستخراج العبر منها!
على عادة عون، فهو نشط للغاية في تسليط الضوء على قراءته لتاريخ خصومه، وهو
بمطالبته تطويب جعجع قديسا، إنما يعيد الذاكرة الجماعية الى تاريخ جعجع،
على اعتباره تاريخ أمير حرب في لبنان.
ولكن، ما لا يدركه " الجنرال" أنه عندما يتناول مسائل القداسة، فإن "
تاريخ" المرء لا يحسب مطلقا، إنما حاضره فقط.
لو أن " التاريخ" يُحسب لما كان أهم القديسين في الكنيسة المسيحية كذلك،
بدءا بمثلين صارخين ، يتمثل أولهما بمريم المجدلية التي قبل أن تصبح تلميذة
الناصري كانت مومسا، ويتجسد ثانيهما ببولس الرسول الذي كان، وقبل أن يصبح
معلّم الكنيسة، قاتل المسيحيين.
طبعا لن نجول مع عون في " السِنكسار"( الكتاب الذي يضم سيرة جميع القديسين
في الكنيسة)، ولكن سنتوقف معه مع نموذج ديني آخر، وهو يهوذا الإسخريوطي،
الذي كان من التلاميذ الـ12 وخان معلمه لقاء 30 من الفضة.
في مناقشة وضعية يهوذا، فإن أحدا لا يفتش عن تاريخه إنما الجميع يختصر
المسألة بالحديث عن آخر أفعاله. تاريخه كان فيه بطولات وتضحيات وأمانة
جعلته مسؤولا عن صندوق التقديمات. إنما "حاضره" جعله جبانا وجشعا وخائنا،
فباع بما فعله كل تاريخه!
وإذا كان من المستحيل تطويب أي سياسي في لبنان قديسا، لأن السياسة في لبنان
موبوءة بألف وباء ووباء،فإنه ليس هناك أسهل من وضع لائحة تضم الإسخريوطيين.
ومن يدقق بسيرة حياة عون، يدرك أنه يستحق أن يكون رئيس هذه اللائحة.
خان عون تاريخه وتاريخنا. نضاله ونضالاتنا. تضحياته وتضحياتنا. أمانته
وأمانتنا.
لم يترك فاسدا في الأرض إلا وصادقه. لم يترك إرهابيا إلا وحالفه. لم يترك
قاتلا إلا وصاحبه.لم يترك ضحية إلا وداس عليها. لم يترك مناضلا إلا وسلمه
لجاسوس. لم يترك مبدأ إلا ومزّقه.
سنسلّم بأن الحروب الثلاثة التي خاضها عون كانت نضالا غانديا، من دون دماء
ولا مؤامرات ولا معتقلات ولا ضحايا، كما سنسلم أن جعجع كان عكس ذلك تماما،
فإن الحكم يكون، وفق مبدأ التقديس والشيطنة، للحاضر.
ليتحفنا عون بالحديث عن الحاضر، لنقارن بينه وبين جعجع.
من يقف مع الميليشيا ضد القوى الأمنية، حاليا؟
من يدافع عن القتلة في مواجهة الضحية ، حاليا؟
من يشكل سندا للدويلة على حساب الدولة، حاليا؟
من يسلّم بلده للعبة إيرانية مدمّرة، حاليا؟
من يدعم ديكتاتورا دمّرنا وقتلنا ونفانا وسجننا، حاليا؟
من يأوي في منزله وعلى منابره، كل مجرمي زمن الوصاية وأتباعهم، حاليا؟
من يخون المبادئ التي تسببت بنفيه، حاليا؟
من يشتم رفيق الحريري، حاليا بعدما استعمل جثته مادة لصفقة العودة الى
لبنان؟
لن نطرح كل الأسئلة الحقيقية ، فاللائحة أطول من الهمّ على القلب!
مشكلة عون أنه لا يستطيع أن يقيس التأثير السلبي عليه، بإقدامه على التطاول
على الآخرين.
في أيّام الدراسة، كان إستاذ مادة الفلسفة يقول لنا: من قدّر نفسه قدّره
الناس.
كنا نعتبر أن هذه الحكمة تعني وجوب أن نكثر من الحديث عن إيجابياتنا في
مقابل الإكثار من الحديث عن سلبيات الآخرين.
صحّح لنا، مستعملا يده. مدّها على كل جسده وقال القسم الأول من العبارة" من
قدّر نفسه". ثم استعمل أصبعين من كفه وقربّهما كثيرا، وتابع القسم الثاني
من العبارة:" قدّره الناس".
يبدو أن إستاذ مادة الفلسفة الذي مرّ على العماد عون، لم يشرح له هذه
العبارة، بأنها تعني تقزيما للذات بمدحها. تركها مبهمة لديه، ولذلك هو يسيء
الظن بقدراته وبصفاته وبقدرات الآخرين وبصفاتهم.
حلفاء جعجع، هم أساسا من استعملوا في الحديث عنه صفة القديس. يقولون عنه
إنه لم يصبح "قديسا" إلا على إيامنا. يستاءون من سلميته.
حلفاء عون ، هم أساسا من يهاجمون صفات " الجنرال". هذا يقول عنه "جشع". ذاك
يقول فيه "مجنون". ثمة من يصفه بـ" الإنتهازي". إسألوا عاصم قانصو عن
الكواليس الخاصة بعون، فيخبركم!
جعجع، الذي لو تناول الطعام إلى مائدة الملك السعودي، يُصر أن يبدأ
بالصلاة، قد يصبح قديسا، من يدري، ولكن عون، الذي يخون حتى نفسه، لن يتمكن
من أن يتوقف عن الحومان حول تلك التينة التي استضافت يوما حبلة ...يوضاس! |