سنسلّم جدلا أن التسجيلات التي يقول "حزب الله" والنظام السوري إنها تثبت " تورط النائب عقاب صقر والرئيس سعد الحريري بتسليح الثوار السوريين ، صحيحة!

نسلّم جدلا، على الرغم من أن " تاريخ" هاتين المجموعتين مع مجموعة الحريري عموما، ومع عقاب صقر في السنتين الأخيرتين، تتميّز بالتشويه والتزوير والفبركة والكذب.

نسلّم جدلا أن التسجيلات ليست مركبة مثل روايات مقتل صقر في بانياس، واعتقاله في حلب، وبتر قدميه على الحدود العراقية السورية، وإصابته في عملية قُتل فيها اللواء الشهيد وسام الحسن!

نسلّم جدلا، لنسأل عمّا إذا كانت هذه الضربة المخابراتية- السينمائية يمكنها أن تعوّض عن وصف "حزب الله" مشاركة مقاتلين منه في قمع الثورة وقتل الثوار، بالأعمال الجهادية؟

نسلّم جدلا، لنسأل عمّا إذا كان الإستماع الى مطالب الثوار أو من يدّعون أنهم كذلك للحصول على أسلحة دفاعية الطابع هدفها تخفيف الهجمة النارية للنظام السوري وحليفه "حزب الله" ، هو تسليح للثورة أو تمكينها من الذود عن شبابها ونسائها وأطفالها؟

نسلّم جدلا، لنسأل عما إذا كانت هذه التسجيلات تعود الى فترة سلمية الثورة أم أنها تأتي بعدما اضطر قمع النظام بالدبابات للمطالبين بحقوقهم في الحرية والكرامة، الثوار الى حمل السلاح؟

نسلّم جدلا، لنسأل كل مؤيد للثورة السورية من أقصى الأرض الى أقصاها عمّا إذا كان الدعم المعلن يمكنه في فترة وصول الشهداء الى معدل مائتين في اليوم الواحد، أن يبقى مجرد تأييد لفظي؟

نسلّم جدلا، لنسأل هل جمهور سعد الحريري المتحمّس للثورة السورية لألف سبب وسبب، والذي يعتقد بأن وجود زعيمه خارج لبنان بطالة سياسية، سيكون، والحالة هذه ، فخورا بما هو منسوب الى الحريري- صقر، أم خجولا به، في ظل إدراكه أن النظام السوري، وبهاجس الحسم في بلاده ، شكّل حكومة العجز في لبنان، وأن "حزب الله"، بهاجس دعم هذا النظام، يرتكب الموبقات السياسية في لبنان؟

نسلّم جدلا، لنسأل هل من الخطأ دعم الثورة السورية بكل ما أوتي داعموها من إمكانيات ، لإسقاط نظام قرر، إعادة احتلال لبنان، وبدأ العملية بمساعدة "حزب الله"، منذ حرب التدمير في العام 2006، ولم تنفع في ردعه، لا الزيارات، ولا المفاوضات، ولا المساومات، ولا الإتفاقيات؟

في الصباح الباكر لليوم الذي كتبت فيه هذا المقال، أتاني الجواب الشعبي، من جمهور سعد الحريري.

نشرت على صفحتي على موقع " فايس بوك" عبارة من دون مقدمات ، كانت بالفعل مجرد تعليق موضوعي على ما يحكى من تسجيلات. ورد فيها الآتي:

"عبرة اليوم: ما هو فضيلة على هذه الضفة هو خطيئة على الضفة الأخرى!"

وبعد دقائق جاءني على صفحتي تعليق من " صديق إفتراضي " (بوب حُشيمي) ورد فيه الآتي:

"إذا صحت أنباء صفحات جريدة الأخبار أن سعد الحريري وعقاب صقر تورطوا في تسليح المعارضة السورية .. فسوف تكون هذه أكثر مرة أشعر فيها بالفخر بالإنتماء لجمهور الشيخ سعد ..وأكثر مرة أشعر أن عقاب صقر يمثلني في قضاء زحله ."

لم يفاجئني كلام الحُشيمي، بل تطابق مع توقعاتي للأمور، لانني من المؤيدين أن يُعلن كل طرف ما يقوم به، خصوصا أطراف 14 آذار، على اعتبار أنها ليست مثل "حزب الله"، فهي لا تستطيع أن تنفي أمام العامة ما تتمكن من إيصاله الى الخاصة.

وعلى هذا ، فإن أسوأ وضع يمكن أن يكون فيه طرف، هو عندما يشمئز جمهورك منك لأنه يعتقد بأنك لا تفعل شيئا، في مقابل تجهيز عدوك ما يغتالك به، لأنه يضخّم ما تقوم به!

ولكن، ردة فعل جمهور سعد الحريري الإيجابية التي أزعجت جمهورا سنيا آخر يكوّن نفسه على قاعدة أنه هو الفعّال وبالتالي هو البديل عنه ، تبدو مخيفة، لأنها تطرح سؤالا عن هدف "حزب الله" ، من خلال وسائل إعلام تابعة له، في نشر ما تعرف أنه سيعيد كل جمهور سعد الحريري إليه؟

ثمة من تذكّر ما حصل عشية اغتيال اللواء وسام الحسن: ضخ أخبار عن " تورط" الحسن بتسليح الثورة السورية. ضخ أخبار عن اجتماعات "تآمرية" مع الموساد والـ"سي.آي.إي" والمخابرات القطرية والسعودية والتركية والأردنية.

الإستفاضة في اتهامه بالعمل على إسقاط نظام الأسد.

في حمأة هذه الحملة، نشرت صورة لعقاب صقر في فندق تركي. سارع "حزب الله" الى بناء استنتاجات عليها. استعجلت " المنار" استضافة السفير السوري في لبنان. صدرت مواقف من هنا وهناك.

أيام قليلة، إثر ذلك، واستشهد وسام الحسن.

حاليا، السيناريو نفسه يتكرر. بدل الصورة يأتي الصوت. اللاعبون هم أنفسهم. السيناريو هو نفسه.

يا ترى ماذا يتم تحضيره للبنان؟

هل هناك سيارة مفخخة تتجوّل في شارع ما؟ هل هناك قاتل ينتقل الى أرض ما؟ أم أن هناك عملية أضخم تشمل كل لبنان؟

منذ ما قبل اغتيال وسام الحسن، كان محللون استراتيجيون يؤكدون أنه كلما أيقن "حزب الله" بأن بشار الأسد إقترب الى حافة الهاوية، فهم سيقتربون من عمليات أمنية يحاولون بها تعويض ما سوف يخسرونه في سوريا.

وعلى أساس هذه القراءة الثابتة، وبعد توجيه ضربة الى الجهاز الأمني السيادي الوحيد في لبنان، من حق اللبنانيين أن يسألوا عن الضربة المقبلة، بعد تمهيدات التسجيلات!

"حزب الله" الذي يدعي كل يوم أنه يكره الفتنة، يتبنى ما يسميه تسجيلا لإظهار أن أبو ابراهيم- خاطف اللبنانيين الـ11 في حلب( يبقى منهم 9) ، كما لو أنّه مجرد مأجور عند سعد الحريري، أي أن " كاره الفتنة هذه" يتهم ما يمثله سعد الحريري، بخطف أبرياء من الطائفة الشيعية.

سبق لـ"حزب الله" مرارا وتكرارا أن حاول، بوسائل عدة ، إقناع جمهوره بهذا، فكان أن برز الجناح المسلح لعائلة المقداد، بكل التهديدات التي حملها وجرّت الويلات على البلاد( قرار مقاطعة العرب للبنان).

الآن، وبعد القول أن سعد الحريري مسؤول عن عمليات الخطف هذه، ماذا سيحصل؟ أي فتنة يحضّر لها ؟ من سيكون ضحيتها؟ هل التهديدات السابقة التي لم تنفذ آنذاك سوف تنفذ الآن؟

أسئلة كثيرة.

في السياسة لا مشكلة في التسجيلات، مزوّرة كانت أم متلاعبا بها ام صحيحة، والدليل على ذلك، أن وليد جنبلاط رفع منسوب موقفه الداعم للثورة السورية، في اليوم نفسه لبدء البث، الى مستواه الأعلى، بدعوة دروز سوريا الى الإنضمام للثورة، لكن هذه التسجيلات ، في الأمن، خطرة للغاية، وتعني أن "حزب الله" قرر ركوب مركب ... الفتنة!