المحنة في
استغلال "حزب الله" للإسلام
كتبها فارس خشّان
الخميس, 20 سبتمبر 2012
في اليوم الذي نشرت مجلة فرنسية ساخرة،
تسعى الى احتلال موقع الى جانب المتفوّقة " لو كانار اونشينيه"، رسوما
كاريكاتورية تعتبر مسيئة للمسلمين، كانت صحيفة بريطانية مشهورة ومهمة تدعى
"ذي غارديان" تنشر مقالا( بعدما فعلت الأمر نفسه " نيويورك تايمز"
الأميركية) ينال من العقيدة الجامعة للمسيحيين حول يسوع المسيح، بحيث
تناولت دراسة مبنية على وثيقة غير مثبتة، تفيد بأن " الناصري" كان متزوجا،
ومن مريم المجدلية، على الأرجح.
ولمن لا يعرف، فيسوع الناصري، في العقيدة المسيحية، لم يتزوّج ، ومريم
المجدلية كانت مومسا، تابت على يده، عندما أنقذها من الرجم حتى الموت،
بعدما ضبطها اليهود بالجرم المشهود. ومن سياق دفاع المسيح عنها، خرجت تلك
المقولة التي يرددها الجميع:" من منكم بلا خطيئة فليرجمها بحجر."
وقبل هذه المقالة، بسنوات صدر كتاب ترجم الى لغات عدة، بعد عرض مضمونه
كوثائقي، يدور حول العثور على قبر يسوع الناصري الى جانب أمه مريم ووالده
يوسف وأشقائه.
ولمن لا يعرف، فإن العقيدة المسيحية تجزم بأن المسيح قام من بين الأموات،
وأن مريم لم يكن لها أولاد، وهي حتى حين حبلت بابنها الوحيد، إنما كان ذلك،
بفعل إرادة إلهية، وليس بفعل ممارسة إنسانية كلاسيكية.
وسبق لنا، في مقال آخر أن تحدثنا عن أفلام كثيرة من بينها ذاك الذي يصف
يسوع بأنه مثيلي الجنس.
وهذا غيض من فيض، مما يحفل به الغرب من مقالات وأفلام وكتب تنال من أسس
العقيدة المسيحية ومن صورة " الفادي".
ولكن ذلك، لم يُحدث أي اضطراب مجتمعي أو سياسي. كان الفاتيكان والكنائس
المعنية تتدخل للرد، وتسمح بإدارة نقاشات لدحض ما يروّج له.
وحدها كنيسة لبنان، كانت تتدخل ، بقوة لدى الأجهزة المعنية، لتمنع دخول
الصحف والمجلات التي تحمل المقالات المشكو منها، وكذلك الكتب والأفلام.
وبفعل قوة حضورها، في المؤسسات، تنجح الكنيسة اللبنانية دائما، في تحقيق
مرادها.
وقد اعتبر كثير من المسيحيين أن هذا النوع من دخول الكنيسة اللبنانية، على
خط المنع، هو مناقض للتطور العالمي، الذي يفترض فتح أبواب النقاش، على حساب
منطق غلق أبواب العبور.
ووجد المعترضون في سلوكية الكنيسة اللبنانية علامات على استمرار محنة العقل
التي عانت منها كنائس عصر محاكم التفتيش، التي كانت تطارد العلماء وتسجنهم
وتنفيهم وتحرقهم، إن تناقض اكتشافهم مع حرف الكتاب المقدس، وإن تناولت
أسئلتهم سطح العقيدة، وإن وصلت أبحاثهم الى التشكيك بأصل الإيمان.
ولكن سلوكية الكنيسة اللبنانية، لا تخرج عن إطار المنع، لأن لا ملفات
سياسية عالقة بينها وبين الدول التي تشهد هذا النوع من الإصدارات، فهي لا
تبحث عن القطع مع الثقافة الغربية، وهي لا تبحث عن استثمار سلوكية أفراد
للتحريض على دولهم.
لسوء حظ الإسلام ، المسألة مختلفة، فما أدخل الإسلام قبل قرون في عصر
الظلام، بعدما كان قد أشرق نورا على أمته وشعّ علما وثقافة وطبا وفلسفة
وأدبا على العالم أجمع، قد عاد بقوة مع انتصار الثورة الإسلامية في إيران
التي أدخلت الى القاموس السياسي " نموذج سلمان رشدي"( مُطارد بسبب "آيات
شيطانية" في العالم)، و" نموذج مصطفى جحا" في لبنان( إغتيل بسبب كتبه ومنها
"محنة العقل في الإسلام").
إيران ومعها "حلفاء" من الحركات الأصولية السنية، وفي سياق صراع سياسي يأخذ
الدين محركا، أدخلوا الإسلام في عمليات المواجهة، بحيث بات كل مغمور قادرا
أن يشهر نفسه، بمجرد أن يعطي هؤلاء حجة لإظهار غضبهم السياسي.
مجموعة كاليفورنيا التي أنتجت " براءة الإسلام" يرأسها نصّاب، خرج لتوه من
السجن. ومجموعة "شارلي إبدو" لم تعد تجد ما يشهرها الا الرقص مع المتطرفين
الإسلاميين.
ومن يدقق بردات الفعل الإسلامية، يجد أن من " أمة المليار والستمائة مليون"
لم يخرج إلى الشارع سوى آلاف قليلة على امتداد العالم الإسلامي وعشرات
الآلاف في الضاحية الجنوبية لبيروت.
الآلاف، في العالم العربي، يتأثرون بما يتطلع إليه تنظيم " القاعدة" الذي
وجد في 11 أيلول الليبي مناسبة لإحياء ذكرى 11 أيلول الأميركي.
أما عشرات الآلاف في الضاحية الجنوبية لبيروت، فأخرجهم السيد حسن نصرالله
على وقع " الكباش" الأميركي- الإيراني، وعلى وقع توسيع اللائحة الأميركية
السوداء التي ضمت، للمرة الأولى، نصرالله نفسه، وعلى وقع الدفاع الوجودي عن
نظام بشار الأسد، وعلى وقع المشهد الأبيض الذي رسمه بابا تشييع ثقافة
الإعتدال على حساب ثقافة التطرف التي اعتبرها تزييفا للأديان.
ومنذ خروج نصرالله(وهو بالمعطى التوصيفي متطرف دينيا) الى الشارع، تناست
وسائل "حزب الله" الترويجية " جد الحسين" - وفق ما عرّف أمين عام "حزب
الله" النبي محمد لجمهوره- وركزت على نصرالله بالذات، كخارج من مخبئه الى
العلن، كما على "حزب الله"، بصفته لا يزال قادرا على حشد جمهوره، كما على
الآلة التنظيمية، كآلة قادرة على ضبط الناس ومنعها من الإعتداء على
الممتلكات العامة.
ونصرالله، لدى جمهور" حزب الله" هو الأساس. غضبهم "حضاري" في الرد على
الإساءة الموجهة الى "جد الحسين"، ولكنها لم تكن كذلك عندما وجهت الى
نصرالله " حفيد الحسين". بعد كاريكاتور الـ"أل.بي.سي" حرقوا لبنان. بعد
مقابلة الشيخ أحمد الأسير حرقوا " نيو.تي.في". ووسام علاء الدين، الذي هدد
بحرق من يرفع صوته على نصرالله، لم يظهر بمناسبة إهانة نبي نصرالله!
وهكذا بدا "جد الحسين" ثانويا، في تظاهرات نظمت باسمه.
وهذا ذكرني، بحديث يعود الى أكثر من 12 سنة مع نصرالله.
يومها سألتُ نصرالله، في سياق حديث صحفي، عن أسباب هذا الإغراق المسرف
لقناة " المنار" في المعطى " الديني" وكأننا نستنسخ في لبنان حالة "
طالبان" في أفغانستان، فأجابني جادا:" هذا لدواعي حشد التأييد للمقاومة."
لم يكن جوابه يتصل بالإيمان. كان جوابه يدور حول استعمال الإيمان لغايات
سياسية.
وإذا لم يكن هناك أدهى من ذلك، على مستوى بنيان الأوطان الجامعة لعائلات
روحية متعددة، فإن ما يثير التساؤل، هو هذا الإصرار على إغراق الجمهور
اللبناني ومن خلاله الجمهور الإسلامي، في حالة من الجهل القانوني.
ذلك أن محاولة تصوير دول عدة تلجأ الى المنع التلقائي لنشر صور أو مقالات
أو إنجاز ملاحقات، لا يقع في مكانه الصحيح.
على سبيل المثال ، لا الحصر، فإن منع نشر صور زوجة الأمير وليام، جاء بعد
مقاضاة المجلة، وصدر حكم قضائي بالمنع. وملاحقة جوليان أسانج، صاحب موقع
ويكيليكس، تتم على قاعدة اغتصاب فتاة قاصر في النروج، وليس على اساس نشر
الوثائق السرية، تماما كما جرى مع منتج فيلم "براءة الإسلام"، إذ أعيد
استدعاؤه للتحقق من نشاطاته ، على اعتبار أنه أفرج عنه من السجن، بعد
تجريمه بالنصب، شرط أن يبقى خاضعا للرقابة. وملاحقة النازيين، مستمرة بناء
على قوانين حل محكمة نورمبورغ الشهيرة. وملاحقة مقترفي جرائم التمييز
الجنسي والعنصري والعرقي والديني، من اي نوع كانت، لا تشمل اليهود فقط في
سياق محاربة معاداة السامية، بل تشمل المسلمين والعرب والأفارقة أيضا، وقد
لوحق وزراء، في فرنسا، على هذا الأساس، عندما جرى اللجوء الى القضاء.
هذه السلوكية التجهيلية،لا تؤكد مقولة نابليون بونابرت، أن " الغباء ليس
عائقا في السياسة"،فحسب، بل باتت تثبت أن " الغباء منطلق للسياسة."
وهذه محنة الدين بفعل عقل سياسي جهنمي! |