هراء أسدي بلغات متعددة
كتبها فارس خشّان
الأربعاء, 05 سبتمبر 2012
حفلت المنتديات السياسية والإعلامية في الأشهر القليلة الماضية بحملة تهدف
الى تصوير بشار الأسد بأنه ضحية مؤامرة كونية، إنجرّ إليها سوريون، سواء
لأنهم "إرهابيون" أم "خونة" أم" مغرّر بهم"!
في هذه الحملة التي يشترك فيها ناطقون بالعربية والفارسية والإسبانية
والتركية والفرنسية والإنكليزية والإيطالية ، مرتكزات عدة أبرزها الآتي:
- إن بشار الأسد يدفع ثمنا لنهجه المقاوم، ومطلوب منه أن يفك ارتباطه
بإيران والتنظيمات التي تدعمها في كل من لبنان وفلسطين.
- إن تنظيم " القاعدة" يريد القضاء على دولة علمانية ولذلك، فهو يستهدف
سوريا دون غيرها من الدول العربية المعتبرة أكثر ديكتاتورية من نظام بشار
الأسد.
- إن الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل تقف وراء هذه المؤامرة على نظام
بشار الأسد، لإضعاف خط الممانعة في الشرق الأوسط.
وبفعل هذه الجوقة المتعددة اللغات ووسائل الإعلام، وبينها وسائل إعلام
مستجدة تشكلت بأموال من رامي مخلوف وإيران، بدأت هذه الحجج تنتقل من لسان
الى آخر، وبدأ البعض يرددها بطريقة عفوية.
هذا النوع من الدعاية السياسية، يمكن لجوزف غوبلز هذا العصر، أن يمارسه،
ولكن نقطة الضعف التي تجعل منه إما هراء وإما مشاركة في الجريمة، هو بشار
الأسد نفسه!
قبل سنة وسبعة أشهر، وتحديدا في 7 شباط 2011، أطلّ الأسد على صفحات صحيفة "
وول ستريت جورنال"الأميركية، حيث راح، بلغة الطبيب المبتدئ، يزهو بالوئام
الذي يربطه كرئيس- قائد بالشعب السوري.
هذا الحديث الذي خصّ به الأسد صحيفة تميل الى اليمين المتشدد في الولايات
المتحدة الأميركية، كان يهدف الى توكيد تطبيع علاقاته بالغرب، بعد مرحلة
صعبة إمتدت من العام 2005 حتى العام 2008. لقد شاءه، علامة من علامات قوته
التي سهّلتها له قطر وتركيا بالتعاون مع فرنسا.
ومن موقع القوة هذا، أعلن قيادته للإنقلاب على المملكة العربية السعودية في
لبنان، من خلال الإطاحة بحكومة سعد الحريري وتكوين أكثرية جديدة بالقوة،
واستدعاءه للملك السعودي الى سوريا لعقد صفقة جديدة، تجعل من لبنان، مرة
جديدة، ولاية من ولاياته السورية.
بشار الأسد " القوي" عربيا وأوروبيا ودوليا، هزئ في هذه الصحيفة من ربط
الثورات التي كانت قد اندلعت بكل من مصر وتونس، بالمؤامرة الكونية.
عزا هذه الثورات الى يأس الناس من سياسة حكامهم الداخلية والإقليمية ومن
تبعيهم للغرب في التعاطي مع إسرائيل.
وفيه أيضا، جزم بأن ما يسمى المجتمع الدولي يملي على الدول إرادته عبر
الحكام، ولكنه يعجز عن فعل ذلك عبر الشعوب.
ومن هنا وصل الى الجزم بأن عدم وجود انتفاضة في سورية يعود الى أن قيادته
هي قيادة مقاومة، على اعتبار أنها تستلهم من شعبها النظرة الى الخارج. كان
يقول عمليا إن ارتباطه بإيران والتنظيمات المقاومة هي التي تجعل نظامه
بمنأى عن أي ثورة وعن أي انتفاضة.
قال بشار الأسد في هذا السياق: " أنا لا أتحدث بالنيابة عن التونسيين أو
المصريين، أنا أتحدث بالنيابة عن السوريين، وهو أمر نتبناه دائما، لدينا
ظروف أصعب مما لدى أغلب الدول العربية ولكن على الرغم من ذلك فإن سورية
مستقرة، لماذا؟ لأنك يجب أن تكون مرتبطا بشكل وثيق جداً بمعتقدات
المواطنين، هذه هي المسألة الجوهرية. عندما يكون هناك اختلاف بين سياستك
وبين معتقدات الناس ومصالحهم سيصبح لديك هذا الفراغ الذي يخلق الاضطراب،
إذاً فالناس لا يعيشون فقط على المصالح بل أيضاً على المعتقدات وخصوصاً في
الميادين العقائدية، ولن يكون بإمكانك فهم ما يجري في المنطقة إلا إن فهمت
الناحية العقائدية للمنطقة . (...)إذا أردت أن تجري مقارنة بين ما يجري في
مصر وسورية فعليك أن تنظر من زاوية مختلفة.. لماذا سورية مستقرة على الرغم
من أن لدينا ظروفاً أكثر صعوبة؟ مصر مدعومة مالياً من الولايات المتحدة
بينما نحن تحت الحظر الذي تفرضه أغلبية دول العالم.. ... وعلى الرغم من كل
هذا لا تجد الناس يخرجون في انتفاضة.. لذلك فالأمر لا يتعلق فقط
بالاحتياجات وليس فقط بالإصلاح ولكنه متعلق بالعقيدة والمعتقدات والقضية..
هناك فرق بين أن تكون لديك قضية وبين أن يكون هناك فراغ..."
بعد هذا الحديث، بشهر وأسبوع فقط، إندلعت شرارة الثورة من درعا، فكشفت
حقيقة موقف جزء كبير من السوريين من القيادة السورية المخابراتية –
المافيوزية بداية ومن بشار الأسد لاحقا.
العودة الى ما كانت عليه وضعية بشار الأسد العربية والأوربية والدولية من "
دلال" وما كان ينطق به من وقائع، تجعل كل مقوّمات الدفاع عنه مجرد هراء.
والهراء يبقى هراء ولو كثرت اللغات التي ينطق بها وتعددت وسائل الإعلام
التي يستعملها.
في ذلك الحين، كانت سورية الدولة الوحيدة في العالم العربي تقريبا، التي
تعيش بعيدا من هاجس تنظيم القاعدة. المملكة العربية السعودية ودول الخليج
وتركيا كانت تحارب هذا التنظيم الذي طالما خرج الى العلن بتوقيت سوري-
إيراني.
وفي ذلك الحين، كان خطباء المساجد يتحدثون في الدين، والكلمة السياسية
الوحيدة التي ينطقون بها، كانت الدعاء لبشار الأسد وقيادته الحكيمة.
في ذلك الحين، كانت التقرير الأمنية كلها تؤكد أن سورية لا تخترقها لا
مؤامرة ولا إرهاب، بل هي من تصنع مؤامرات على لبنان، وهي من ترسل
الإرهابيين اليه والى دول الجوار!
واليوم، وقبل النطق بأي كلمة عن مؤامرة كونية، عليكم أن تفهموننا، عما إذا
كان بشاركم هذا، في حينه، غبيا، أم أنه حاليا، كذّاب!
|