ثقافة حسن نصرالله
الخميس, 26 يوليو 2012
كلّما طرق الأمين العام لـ"حزب الله" السيّد حسن نصرالله باب الثقافة
والقيم، لا بد من التصدي له بقوة، لأنه يحاول أن يمرر أفكارا يستحيل أن
يهضمها لبنان، إلا إذا جرى تغيير طبيعته وطبيعة مكوّناته.
السياسيون المناوئون لنصرالله يُهملون هذه الناحية كليا، فهم يركزون على
السلاح دون غيره، في حين أن من يدرك طبيعة "حزب الله" ومستورداته
الإيرانية، يدرك أن البعد الإجتماعي الذي يحاول فرضه فرضا هو جزء لا يتجزّأ
من ترسانته العسكرية.
وفي هذا السياق، فإن نصرالله حين يتحدث عن "الحرب الناعمة"، ويعني بها
"الحرب الثقافية"، إنما يعلن رفضه لمنظومة الثقافة الغربية التي طالما
امتاز بها لبنان، ولكنه، في عملية كاريكاتورية، يحاول اختصارها بأفلام
إباحية وبتعاطي المخدرات، في حين أنه حين يقدم نماذج عن الثقافة التي يتطلع
هو إليها، إنما يتحدث عن أبناء جاهزون للإستشهاد حين يناديهم آباؤهم الى
ذلك، من جهة أولى، كما يتحدث عن اعتبار كل من يعارضه ويناقشه ويقف في وجهه،
سواء كان سياسيا أم إعلاميا أم كاتبا، "بالأداة الحقيرة في يد الأمريكان"،
من جهة ثانية.
وهذا يعني باختصار، أن ثقافة الغرب هي مخدرات وجنس، في حين أن ثقافة
نصرالله هي استشهاد من أجل القضية التي يرفعها، وقتل كل من يعاديها أو
يتصدّى لها!
وهذه المقاربة التي يكررها نصرالله في مناسبات عدة هي أخطر ما في "حزب
الله"، لأنها بقدر ما هي مقاربة جاهلة وسطحية، بقدر ما هي مقاربة إلغائية!
وفي واقع الحال، ففي ظل الثقافة الغربية التي يريد نصرالله ان تستبدل
بالنموذج الإيراني، نشأت مقاومة الإحتلال، وازدهرت الثورة على الحرمان
والمظالم، في حين أنه في ظل الثقافة التي ينشدها نصرالله، أي تلك التي
تجسدت وقائع في إيران، ومنذ إنهاء الثقافة الغربية بالقوة والقتل والقمع
والنفي والتهجير والمعتقلات، بات الإنسان عاجزا عن المطالبة بحد أدنى من
الحريات الخاصة وبحد أدنى من التنفس عن الكبت، فدخلت الرذيلة الى المجتمع
وازدهرت جرائم الإغتصاب وانتشر سوق المومسات الرخيصات.
وليس لنا في هذا الإطار سوى مراجعة الأرقام الإجتماعية المخيفة عن إيران،
وبعض الحقائق المتصلة بطبيعة الحياة الثقافية والتربوية والإجتماعية في
الضاحية الجنوبية لبيروت.
وبمراجعة ما يفعله الغرب تجاه الأجيال الناشئة، يكتشف من يملك حدا أدنى من
الخبرة والمعرفة، أن هذه الدول تنفق أكبر مدخولاتها على التربية المدرسية
والجامعية وعلى الأبحاث العلمية، في حين يكرس الإعلام جزءا كبيرا من برمجته
للمشاكل العائلية عموما ولا سيما منها لمشاكل التربية.
ويدرك من يملك هذا الحد الأدنى من المعرفة بحقائق الغرب أن الحكومات تسعى
بكل ما أوتيت من قوة ومال، لمكافحة المخدرات، زراعة وتصنيعا واستيرادا
وتعاطيا، ومن لدنها خرجت المعاهدات الدولية لمكافحة هذه الجريمة التي وضعت
في مصاف الجرائم الإرهابية.
ولا يختلف الحال بالنسبة للأفلام الإباحية، فهي عندما اتضح أن منعها
مستحيل، أخضعت للرقابة الشديدة، من أجل إبعاد تأثيراتها السلبية عن الأجيال
الناشئة، وسمح النقاش المفتوح حولها إلى إفهام المواطن الغربي المثقف، بما
تنتجه هذه الأفلام من مشاكل مجتمعية وعائلية ونفسية، مبيّنة زيف ما فيها من
مشهديات.
وبفعل هذه السياسة المجتمعية التي يتبعها "الغرب"، تخرج من لدنه الإختراعات
الكبرى التي يستهلكها نصرالله لتعميم نظرياته المريضة، وتزخر مكتباته بأروع
الأعمال، وتتعملق الفنون فيه.
ولم تمنع هذه الثقافة دول الغرب من أن تكون دولا سيادية بكل ما للكلمة من
معنى، فليس فيها دولا تشكو احتلالا، وليس فيها دولا تشكو ضعفا في جيوشها
الدفاعية، بل على العكس، إن دولا يريد نصرالله الإقتداء بها هي التي تشكو
قوة هذا "الغرب" وقدراته "الهجومية" واستعداداته "الإنتدابية".
في المقابل، من يدقق في وضعية فنزويلا والصين وروسيا التي يشيد نصرالله بها
وبدعمها له، يدرك أنها من الدول التي تصدر الكثير من الآفات.
والأدهى من ذلك، إن ما يعتبره نصرالله "حربا ناعمة" لوهن عزيمة الأمة في
صراعها مع العدو الصهيوني تحديدا، تشكو منه إسرائيل بالذات، فشكواها من
تعاطي المخدرات لا تقاس بشكوانا، وشكواها من التهرب من الجندية، لا تقاس
بشكوى نصرالله من شح في الإستشهاديين.
وهذا يوضح أن إعلان نصرالله وجوب مقاومة "الحرب الناعمة" ليس سوى إعلان
إصراره على تغيير طبيعة لبنان، من خلال نقلها الى النموذج الإيراني كليا.
ولذلك، فإن شكوى نصرالله تنحصر بما يتأتى من الخارج، ولا تنبع من حقائق
المجتمع الذي يسيطر عليه، حيث يتبدى بشكل واضح مستوى الآفات التي تنشأ على
يد المنتسبين إليه.
ومن يتابع سلوكيات المؤيدين لنصرالله يكتشف أن مستواهم الخلقي هو من أدنى
المستويات، فهم لا يناقشون، بل إن كانوا مهذبين كرروا شعارات ببغائية، وإن
كانوا بذيئين يمكن اعتبارهم مدرسة في الانحطاط التعبيري.
وسلوكيات هؤلاء تتطابق مع سلوكيات نصرالله بالذات، فهو يشتم معارضيه
ومناقشي أفكاره ويحرّض عليهم، فهم: أدوات، حقيرة وعميلة!
في واقع الحال، إن الثقافة المعادية للمقاومة هي تلك التي كرسها "حزب الله"
بقيادة نصرالله.
الكذب ليس مدرسة مقاومة بل هو مدرسة مصالح. ومن يدقق بعدد المرات التي كذب
فيها نصرالله يُدرك أننا أمام اصحاب مصالح وليس أمام دعاة مقاومة.
وحماية الفاسدين، ليست مدرسة مقاومة بل هي مدرسة تحكّم. ومن يدقق بعدد
الفاسدين الذين يحميهم "حزب الله" يدرك أننا أمام أصحاب سلطة وليس أمام
دعاة مقاومة.
وحماية تجار المخدرات، ليس مدرسة مقاومة بل مدرسة تجميع أموال. ومن يدقق
بعدد تجار المخدرات الذين يحميهم "حزب الله" يدرك أننا أمام أصحاب مال وجاه
وليس أمام دعاة مقاومة.
لن نتعمّق أكثر، فللموضوع تتمة في وقت لاحق، لأن هذا الموضوع سيعود إليه
نصرالله في وقت لاحق، لأنه هدف ثابت من أهدافه.
وتأسيسا على ذلك، فإن من يخاف على لبنان من تغيير وجهه، عليه أن يركز على
المسألة الثقافية، فالبندقية لها حلول ولكن ما لا حل له، هو تغيير وجه
المجتمع!
بطبيعة الحال، سيلهث البعض الى الرد على هذه المناقشة لنصرالله، بفتح ملف
دول عربية. لهؤلاء نقول إن هذه الدول ليست، في نظرنا، نموذجا صالحا لنا،
فهي بالنسبة إلينا مرفوضة، ولكن عدم مناقشتنا إياها يعود الى أن من هو متهم
بموالاتها سياسيا، يأتي الى لبنان من دون أن يحضر نموذجها، لا بل أن أبناء
هذه الدول حين يأتون الى لبنان ...يتلبننون.
حسن نصرالله، على العكس من ذلك، فهو يريدنا أن ...نتأيرن!
|