لا تستطيع هذه السلطة أن تقنع اللبنانيين بالنأي بالنفس عمّا يحصل في سورية، لاقتناع اللبنانيين بأنها كلّها منحازة، حتى الطاعة، لبشّار الأسد ونظامه المخابراتي!

الرئيس ميشال سليمان يجاهر أنه على اتصال مستمر بالأسد، وبعض مواقفه اللبنانية المشرّفة، لا تعفي من التأكيد أنه معاد للثورة السورية!

والحديث عن رئيس مجلس النواب نبيه برّي وصلاته بالأسد، لا تتسع له مجلّدات، فهو أبعد ما يكون عن النأي بالنفس، خصوصا وأنه يضع كل ما يملك من إمكانات وأدوات، في مصلحة النظام السوري، ومن يستطيع أن يتحمّل متابعة القناة التلفزيونية التي يملك، يعرف أنها مجرد نسخة عن قنوات النظام السوري التلفزيونية!

أما "الواعظ الدائم" بالنأي بالنفس، ونعني به رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، فهو متورط، شخصيا وعائليا وسياسيا، مع النظام السوري. هذا النظام أتى به ، بالإتفاق مع "حزب الله"، رئيسا للحكومة. وهذا النظام، هو شريكه المالي. وهذا النظام هو الذي يعطيه توجيهات من خلال شقيقه طه وأحيانا من خلال صديق أسما الأسد، إبن شقيقه عزمي!

أما العمود الفقري، للحكومة، و"الحاكم العسكري للبنان"، أي "حزب الله"، فلا حاجة لأي نقاش حول تورطه، بكل الطرق، مع النظام السوري!

ولا تحتاج "الثلاثاء العظيمة" للعماد ميشال عون، المكوّن المسيحي للحكومة، إلى نقاش، في وقت يفترض إهمال كل إشارة الى المكوّنات الحكومية الأخرى، ومن بينها "الحزب السوري القومي الإجتماعي"!

وحده وليد جنبلاط، من كل المكوّنات الحكومية، ينأى بنفسه، معنويا، عن السلطة الموالية للنظام السوري، بعدما تلمّس، بالأدلة، أن بشار الأسد، يعمل ما بوسعه، لتوريط الطائفة الدرزية، بخصومة دموية، مع المدى الشعبي السني في سوريا!

أمّا المجتمع الدولي، الذي يصدر، بين الحين والآخر، بيانات يُفهم منها أنها تدعم سياسات النأي بالنفس التي تتحدث عنها الحكومة، فهو منقسم الى تيارين:

الأوّل، حديثه العلني تشجيعي، فيما رسائله غير المعلنة، فتحذيرية، لامتلاكه أدلة على تورط السلطة مع النظام السوري!

والثاني، حديثه نتيجة اللامبالاة بلبنان، فهو يريد هدوءا سياسيا وأمنيا، ولو بالفرض، لأن لا وقت لديه ليصرفه على المسألة اللبنانية!

وسلطة بهذا الواقع، لا يمكنها أن تعظ اللبنانيين، ليلا ونهارا، بما هي ممتنعة عن تنفيذه، فقيمة الواعظ، ليست كلماته، إنمّا أفعاله!

لو كانت هذه السلطة، فعلا، جادة بأن تنأى بلبنان، عمّا يحصل في سورية، لبدأت بتقديم المثل الصالح، ولكن الواقع يشير الى أنها تقدم أسوأ نموذج، عن معنى النأي بالنفس!

هذه السلطة، تريد أن ينأى اللبنانيون بأنفسهم عن الثورة السورية، ليكونوا بذلك، في خدمة النظام السوري!

هذه السلطة، تريد أن يتوقف الإعلام عن نقل وقائع الإجرام الأسدي، لتنقل هي الروايات الملفقة للنظام السوري!

هذه السلطة، تريد من جزء كبير من شعبها، ان يعطّل عقله ويجمّد قلبه، من أجل أن يقتنع بأن ثورة السوريين هي مؤامرة خارجية، وأن الأطفال المذبوحين ليسوا سوى إرهابيين، ولدوا من بذور أسامة بن لادن وأيمن الظواهري!

هذه السلطة، تريد إسكات كل صوت ينطق بحقيقة ما يحصل، لأنها لا تريد أن يتفاعل اللبنانيون مع السوريين، ولا أن يقارنوا بين ما يحصل دوليا في سورية وبين ما حصل في غيرها، حتى لا يروا أن المؤامرة تستهدف الثوار وليس الحاكم بأمر نفسه!

هذه السلطة خدّاعة وفاجرة، ووعظها خبث مطلق، فهي تريد فرض قواعد "الوطنية" على المعارضة، فيما ترتاح الى أداء مكوّناتها!

قبل أن يهاجم ميقاتي، بصوته الرتيب وكلماته المتمسكنة، هذه الفئة أو تلك، من مكوّنات المعارضة، هل يتفضل ويشرح للبنانيين والعالم، سلوكية "حزب الله" تجاه الثورة السورية، وسلوكية شركائه في الحكومة، إعلاميا وسياسيا، بدءا من نبيه بري وصولا الى ميشال عون!

هذه السلطة التي كوّنها البطش هنا والخوف هناك والخيانة هنالك، تريد من جزء من الشعب اللبناني أن يعتمد سياسة النأي بالنفس، كسلوكية يوضاسية.

سلوكية يوضاسية، بما هي إقدام من يعتبر الثورة السورية محقة،على غسل يديه منها، وتركها، لبنانيا ، فريسة للقوى المؤيدة لبشار الأسد، التي تعمل لصلبها!

هذه السلطة، بحجة امتناعها عن الدفاع عن لبنان وارتكابها الخيانة العظمى، تريد من جميع اللبنانيين أن يستسلموا لبشار الأسد وداعمي بشّار الأسد!

النأي بالنفس، كثير من اللبنانيين لا يعرفون ما معناه، وحدها السلطة يبدو أنها ممسكة بمفهومه، لذلك، عليها أن تعلمه للبنانيين بالممارسة!

من يخبر اللبنانيين عن مكوّنات السلطة، كحالات منفردة، هو غشّاش كبير، فالسلطة مكوّنات متلازمة، ومن شأن كل مكوّن فيها أن ينهي وجود كل المكوّنات الحكومية!

وحتى تتفضل هذه السلطة، وتقدم للبنانيين، بممارسة كل مكوّناتها، مفهوم النأي بالنفس، فهي تبقى، كلّما تنفّست، سلطة مَقيتة، خبيثة، متآمرة و... خائنة!